Wednesday 10 November 2010

ما بعد الانتخابات: يريدون عراقا بلا شعب

القدس العربي
05/06/2010
اذا ما طلب من فنان رسم لوحة للعراق 'الجديد' في فترة ما بعد الانتخابات، ما الذي سيراه؟ سيرى شرائح من شعب على وشك التفتت او التلاشي (أبادة او هربا خوفا من التصفيات)، وكل شريحة تناشد 'الحكومة'، على الرغم من عدم وجودها فعليا، بالحماية، باصوات أشبه بحشرجة المشرف على الموت. سيرى شبابا بوجوه ترابية اللون يغطيها الغبار ودقائق اليورانيوم المنضب.
يبدون لفرط تعبهم ويأسهم وثقل الحياة على كاهلهم كأنهم يزحفون في العقد السادس من عمرهم. سيرى كل شريحة مهنية مشغولة بالمناشدات والمطالبات بالحماية وحملات الأدانة لصالح افرادها وحسب ما تتعرض له. فحالة الفقر المدقع تدفع الى المناشدة بتوفير الخدمات الاجتماعية، وحالات القتل والتصفيات تدفع الى المطالبة بالحماية، بينما يؤدي الاعتقال والتعذيب الى توسل الأدانة. وليس هناك من يسمع او يستجيب بشكل حقيقي. والأمثلة، لكثرتها وانتشارها في ارجاء البلاد، تماثل اكوام القمامة المهيمنة على عاصمة بلاد الحضارة والنفط.
المحامون (وهم جزء لايتجزأ من القضاء)، مثلا، ينددون بـالتصفيات الجسدية التي تستهدفهم داعين 'الاجهزة المختصة' الى توفير الحماية اللازمة لهم، ومنتقدين الاجراءات الامنية العاجزة عن توفير الحماية لهم ولزملائهم اثر كل جريمة جديدة. وقد سرت موجة استهداف رجال القضاء منذ عام 2006 ولم يحدث واعتقل، يوما، الجناة.
الصحافيون (ممثلو حرية الرأي العام) من شمال العراق الى جنوبه يطالبون بالحماية، لكثرة الاغتيالات والتعرض للضرب والتهديد. مرصد الحريات يطالب بإيقاف اعتداءات حماية المسؤولين ضد الصحافيين والمنظمات الدولية بح صوتها لكثرة التنديد. وقد بلغ عدد الصحافيين الذين تم اغتيالهم المئات. وآخرهم الصحافي الشاب سردشت عثمان الذي اختطف وقتل بعد نشره بضع مقالات عن الفساد في اقليم كردستان. ضباط الجيش العراقي والطيارون (حماة الوطن عسكريا) الذين شاركوا في الحرب العراقية الايرانية مستهدفون وقوائم اغتيالهم طويلة فضلا عن اعتقالهم وتعذيبهم. قارنوا ذلك بتكريم الجنود الامريكيين والبريطانيين المشاركين في حروب الغزو وحتى بالجنود الايرانيين الذين قاتلوا ضد العراق. حيث يكرمون جميعا، بلا استثناء، كوطنيين يدافعون عن حياض الوطن. وقد تم الكشف، منذ ايام، من قبل قوة أمريكية حدث وكانت متواجدة (الامريكيون مغرمون بالكشف الانتقائي) في بغداد عن معتقل سري جديد يحمل اسم 'السجن رقم 283'. يقع المعتقل قرب وزارة الداخلية. وهو عبارة عن نفق يحوي على 168 معتقلا من الضباط والطيارين العراقيين في الجيش العراقي السابق. الاطفال والنساء في المعتقلات حيث تتحقق المساواة الجندرية مع الرجال في التعذيب والاغتصاب. النازحون والمهجرون (ابناء الشعب) صاروا في عداد الملايين لتنخر دواخلهم الفاقة والفقر والحرمان والجهل والاستغلال واستجداء لقمة العيش بكل السبل التي لا تليق بكرامة الانسان. انهم يطالبون بالحماية.
الكتاب والفنانون والموسيقيون والمغنون (ممثلو ضمير وثقافة الامة) معظمهم بات يعيش خارج العراق. ما يزيد على الستين بالمئة من مثقفينا يعيشون خارج بلدهم. حملة اغتيالات الاكاديميين المنهجية تهدف الى تفريغ البلد من عقوله وتنصيب من لاعقل له. المسيحيون والصابئة وكل الأقليات الدينية والعرقية (أهل العراق) مهددون بالقتل والترويع وهم يطالبون بالحماية. أصحاب متاجر بيع الذهب و مكاتب الصيرفة (ممثلو الحرف والتجارة) يهددهم الذبح والسلاح كاتم الصوت. ذوو الاحتياجات الخاصة يطالبون بتفعيل قوانين حمايتهم وضمان حقوقهم. العمال (اليد العاملة) يطالبون بالحماية وتعويض المتضررين منهم. أئمة الجوامع ورجال الدين (مرشدو الامة) يعتقلون ويعذبون الى حد الاغتصاب. المعتقلات 'السرية' تكتشف من قبل القوات الامريكية، حسب الطلب، لتصبح علنية لبضعة ايام عندما تتناولها الصحافة واجهزة الاعلام ثم تعود كما كانت تحت امرة آمري معتقلات وزارة الداخلية والعدل والدفاع والجلادين المنتشين بتحقيق رغبتهم بالانتقام من كل مواطن يخالفهم الرأي.
العراقيون في المناطق الحدودية، في اقليم كردستان، يطالبون بحمايتهم من القصف الجوي والمدفعي الايراني والتركي، بلا جدوى اذ اكتفت 'حكومة الاقليم' بكتابة مذكرة أعربت فيها 'عن بالغ قلقها'، وقال أمير الكناني 'القيادي في التيار الصدري' ان حماية الحدود الدولية للعراق في إقليم كردستان تقع على عاتق حكومة الاقليم!
وبينما صرح ناطق رسمي، في 2 حزيران/يونيو، قائلا: 'ان الحكومة العراقية تدين الجريمة الإسرائيلية على أسطول الحرية'، حيث قتل وجرح عدد من دعاة السلام، وتظاهر عدد من أتباع التيار الصدري 'تلبية ً لنداء سماحة السيد القائد مقتدى الصدر (اعزه الله)، وهم يحملون لافتات كتب عليها باللغتين العربية والانكليزية 'غزة تنادي وا مقتداه' ومنددين بالاعتداء السافر المستمر على الشعب الفلسطيني'، في الوقت نفسه، تصمت حكومة الميليشيات وبضمنها التيار الصدري وسماحة قائده، صمتا مخزيا على المجازر الدموية وحملة الترويع المنظمة التي طالت فلسطينيي العراق. وعلى من ينتابه الشك في دلائل الاجرام، ان يزور موقع 'فلسطينيو العراق'، على الانترنت، للاطلاع على الشهادات الحية لذوي الضحايا، وتوثيق الجرائم. يخبرنا الموقع: 'ان عدد القتلى تجاوز 450 على أيدي الميليشيات الظلامية وبدم بارد مع مئات من الجرحى ولكل الفئات العمرية، واعتقال وتعذيب المئات من إخواننا في معتقلات وسجون هذه الميليشيات ومنهم من افتدى نفسه وعائلته من القتل مقابل المال والاملاك، وخسارة البيوت العامرة على مدى سنين الاقامة منذ 1948 التي قضيت في العراق فضلا عن خسارة الاعمال والوظائف والدراسة'. وقد تم تهجير من بقي من الفلسطينيين العراقيين (استخدم هذه التسمية عمدا)، من بلدهم العراق، بعد اجبارهم على الرحيل من قبل الكيان الصهيوني من بلدهم فلسطين بطريقة يصفها فلسطينيو العراقن قائلين: 'كأنما هي الموت او أشد وطأة'. وها هم المهجرون قسرا وعمدا يعيشون على الحدود العراقية السورية في مخيمات اللاجئين، بانتظار الفرج. ولم نسمع ان ' الحكومة العراقية' أو 'سماحة من قدس سره'، أو الحزب الشيوعي، وانا اذكرهم بالتحديد، لانهم سارعوا لاطلاق تصريحات ادانة جريمة 'اسرائيل' قبل غيرهم، في ازدواجية معايير لا تضاهى، بينما يناشد فلسطينيو العراق المتواجدون في مخيم الهول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الامم المتحدة وكل المنظمات الانسانية وحقوق الإنسان والروابط الاجتماعية والهيئات الاعلامية باعادة توطينهم. فأي مأساة يعيشها اهلنا وهم يصغون لشعارات طنانة تسفه آلامهم واحزانهم على غرار 'غزة تنادي وامقتداه'!
لقد تجاوز عدد القتلى والجرحى من المواطنين العراقيين السبعة آلاف في العام الحالي، حسب رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق آد مليكرت في التقرير الذي قدمه لمجلس الأمن الدولي في الخامس والعشرين من أيار/مايو الحالي. بناء على هذه المعلومات، كيف سيرسم الفنان لوحة 'العراق الجديد'؟ كيف سيرسم بلادا قسمت عاصمتها الى عشرات المناطق المسيجة بجدران الكونكريت وقد خدش وجهها بخمسمئة نقطة تفتيش ويخططون، الآن، لتطويقها باسوار تجعلها، كما يريدون، عاصمة لظلام القرون الوسطى ؟ كيف سيرسم رحيل اهل البلد ليحل محلهم المرتزقة من مختلف الجنسيات والمتعاقدون الأمنيون وصيادو غنائم الحروب وحرامية الآثار؟ ان المحتل ومستخدميه يريدون العراق بلا عراقيين، بلا شعب يطمح الى الحرية والعدالة الاجتماعية والوطن الواحد. اذ ان حدود ' العراق الجديد' لا تتسع لغير سدنة المعابد ومن ختموا جلودهم بختم امريكي يؤهلهم للتأرجح ما بين خدمة المستعمر والتنفيس عن رغباتهم الانتقامية. لذلك لن يكون لهم مكان في لوحة العراق الجامع ما بين الماضي والحاضر والمستقبل، بعيدا عن رطانة المستعمر ومستخدميه الجدد
.