Wednesday 10 November 2010

لماذا يخشون المقاومة السياسية العراقية؟

القدس العربي
29/05/2010
أشار عدد من الصحف العربية الى ان علي الموسوي، المستشارالاعلامي لـ' رئيس الوزراء' العراقي ومتحدثا آخر من وزارة الخارجية، أعلنا ' عدم رضاهما' عن اقامة مؤتمر لدعم المقاومة السياسية العراقية، من 18 إلى 20 حزيران/ يونيو 2010، في مدينة خيخون باسبانيا.
وبين الموسوي: 'إن الحكومة العراقية ترفض إقامة مثل هذه المؤتمرات لأشخاص هم أصلا مطلوبون للقضاء العراقي بتهم الإرهاب والعنف'، مؤكدا أن وزارة الخارجية العراقية تحركت باتجاه الاحتجاج ورفض إقامة مثل هذه المؤتمرات في إسبانيا وغيرها من البلدان وبلغت اسبانيا بأن إقامة المؤتمر إساءة للعلاقة بين البلدين. فما هو هذا المؤتمر الذي اثار حفيظة ' المستشار' ووزارة الخارجية، وما الذي تخشاه الحكومة ' الديمقراطية' من مؤتمر علني قام منظموه بالاعلان عن برنامجه ومكانه وموضوعه واسماء وسيرة المساهمين فيه؟
انه مؤتمر تنظمه 'الحملة الإسبانية لمناهضة الاحتلال ومن أجل سيادة العراق' بالتعاون مع 'لجنة التضامن مع القضية العربية'. واذا ما قرأنا تصريحات ساسة الحكومة اليوم لوجدناها، جميعا، بلا استثناء، تدعي بانها ضد الاحتلال (طالما صرح بوش واوباما بانهما ضد الاحتلال ايضا)، فلم عدم الرضا عن المؤتمر؟ اليسوا من دعاة حرية الرأي وتأسيس المعارضة السياسية؟ أم لعله العنوان والمحاور؟ يشير العنوان الى المقاومة السياسية وهي، ايضا، مما تدعو اليه وتشجعه الولايات المتحدة والساسة العراقيون في خطاباتهم. أما العنوان الجانبي فهو ' العراق: السيادة وإعادة البناء الديمقراطي'. ومن بين محاوره المتعددة: 'الفوضى والطائفية والفساد: الديموقراطية المزيفة في العراق تحت الاحتلال'، و'من الداخل: الكفاح من أجل السيادة والحقوق المدنية والاجتماعية في العراق'، و'الأدلة الواهية لصراع العراق' و'مشروع مشترك لمستقبل العراق: عملية توحيد أطراف المقاومة العراقية'. وهي عناوين لموضوعات تكاد تكون أكاديمية في مضمونها خاصة وانها ستقدم من قبل عدد من الناشطين الحقوقيين والأكاديميين المختصين بالشأن العراقي والسياسيين المناوئين للاحتلال ضمن دوائر نقاش مستديرة وبشكل محاضرات وكلمات مفتوحة للجميع وليس في معسكرات تدريب سرية للقاعدة او فلول الارهابيين . وبما ان ما ذكرته حتى الآن لا يشكل، ما يمكن وصفه بالارهاب، حتى من قبل الادارة الامريكية التي لا يوازيها في بارانويا 'الحرب على الارهاب' أحد، فلا بد ان خشية اعضاء 'الحكومة العراقية' من المؤتمر وتدخلها الرسمي لمنع اقامته ناتج من اسماء 'الارهابيين' المشاركين فيه، ومن بينهم: هانز فون سبونيك، نائب الرئيس العام ومدير مكتب منسق الشؤون الانسانية التابع للأمم المتحدة في العراق 1988 2000، عصام الجلبي (وزير النفط السابق 1987- 1990)، ورمزي كلارك (المدعي العام الامريكي سابقا خلال رئاسة ليندون جونسون)، أسماء الحيدري (مجازة بجامعة الاقتصاد بلندن)، وبيدرو مارتينيث مونطابيث (الأستاذ الفخري المتقاعد بكلية الدراسات العربية والإسلامية في جامعة مدريد المستقلة)، خيسوس اغليسياس (برلماني والناطق الرسمي لمجموعة اليسار الموحد ببرلمان إقليم أستورياس). يوسف حمدان (رئيس الحزب الشيوعي العراقي اتحاد الشعب). خالد المعيني (مدير مركز دراسات الاستقلال بدمشق).
الشيخ جواد الخالصي ( الأمين العام للمؤتمر التأسيسي العراقي الوطني، خضير المرشدي (الأمين العام الجبهة الوطنية القومية الإسلامية)، يومي بوطي (أستاذ التاريخ والحضارة في جامعة برشلونة المستقلة)، الشيخ محمد بشار الفيضي (الناطق الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين) والشيخ علي الجبوري (الأمين العام للمجلس السياسي للمقاومة)، جواكيم غيارد (ممثل لمبادرة المحكمة الدولية حول العراق)، وسيغين ميير (جمعية التضامن مع العراق بستوكهولم). ان مراجعة اسماء المشاركين في المؤتمر من عراقيين واوروبيين وغيرهم، والاطلاع على نشاطاتهم، يدل على ان ما يجمعهم هو حرصهم على انهاء الاحتلال الامبريالي بكافة اشكاله والمحافظة على العراق مستقلا موحدا. أنه، أيضا، مجال ليواصل المجتمع المدني العالمي وقفته ضد الحرب والأحتلال وما سبقه من حصار مريع، ولابقاء الصلة بين الأمم عبر التضامن مع الشعب العراقي. انه، بالتأكيد، ليس مؤتمرا يهدف الى 'إحباط التحسن الأمني والعملية السياسية في البلاد'، لأنه بعيد عنها، ولسبب بسيط لا يحتاج الاستفاضة وهو ان التحسن الأمني والعملية السياسية، في ظل الاحتلال وجرائمه اليومية، ما هما غير اوهام يكتسي بها مطلقو التصريحات الهوائية. وهي أوهام لم يعد يصدقها حتى أكثر الناس سذاجة او حلما بواقع افضل في ظل 'مستعمر رحيم'، مثلما حلم بعضهم في الماضي بـ'المستبد العادل'.
ان الاتهامات المتكررة ضد كل من يعمل على فضح جرائم الاحتلال بانهم لا يريدون للعراق ان يكون 'ديمقراطيا'، يقودنا الى تساؤل الرئيس الامريكي السابق جورج بوش المشهور: 'لماذا يغارون منا؟'. وهو تساؤل يدل على الرغبة المستميتة في التعامي عن الحقيقة. حقيقة انخراطهم في خدمة الإستعمار القديم والجديد وصناعة الارهاب الذي يدر المليارات من جهة وحقيقة ان الشعوب الأبية لا ترضى بالاحتلال والخضوع من جهة اخرى. وان الاحتلال، بأنواعه، لا بد وان يقاوم.
قد تختلف درجات المقاومة وانواعها، وقد تتميز بقوتها احيانا وانحسارها في اوقات أخرى، الا انها موجودة وستبقى مادام الاحتلال مهيمنا والسيادة الوطنية مستلبة والاستغلال مقيدا للحرية. ان وصف المقاومة العراقية المستهدفة للاحتلال ومصالحه ومستخدميه بانها ارهاب ضد الابرياء حيلة قديمة أكل عليها الدهر وشرب، اهدافها معروفة وهي تشويه المقاومة باعتبارها مسؤولة عن الجرائم الارهابية المستهدفة للمواطنين بلا تمييز وعن التفجيرات الدامية المرتبطة غالبا بجدولة 'العملية السياسية'. انها تهدف، في الوقت نفسه الى تعليب المستعمر بشكل زاه وتقديمه ومستخدميه باعتبارهم حماة الامن والاستقرار وحقوق الانسان. انها سياسة تضليلية ذات اهداف مركبة طالما استخدمها المستعمر في البلدان المحتلة عسكريا واستيطانيا. نماذجها تمتد من الجزائر وفيتنام في الامس القريب الى فلسطين اليوم.
ويتبين لنا من متابعة حركات المقاومة، أينما كانت، سواء في افريقيا او آسيا، بانها تتحمل اعباء محاربة المستعمر، بكل الطرق الممكنة وحماية حياة المواطنين في آن واحد. انها ترفع سلاح الهجوم على العدو بيد وتحمي المواطن بيد . فالمواطن هو نواة الدفاع عن المقاومة والحاضنة الطبيعية لنموها. ان المقاومة هي المواطن الأبي الرافض لعبودية المستعمر مهما كانت المسميات التبريرية المستخدمة لديمومة بقائه.
وهي ضد كل الاتفاقيات الامنية والعسكرية والثقافية والاقتصادية التي يتم توقيعها في الحقبة الاستعمارية، لأنها وبكل بساطة، مؤسسة على الاستغلال وتجريد المواطن من سيادة وطنه وشعبه وكرامته كفرد. ان رفض التطبيع مع العدو المستعمر دفاع الفرد عن المجموع والمجموع عن الفرد.
لذلك يبدو من الطبيعي الصاق التهم بالمقاومة التي تنمو في ارض الوطن وهي مستمرة، على الرغم من كل المصاعب الجمة التي تواجهها والأسوار والجدران والخنادق والاسوار الشائكة التي تنصب، يوميا، حولها لعزلها عن حاضنتها الشعبية. فالاعلام يعمل على مدى 24 ساعة، يوميا، ضدها، وتوزع الصحافة الغربية امرا بمنع ذكرها كمفردة لارتباطها باذهان الناس بكل ما هو انساني، وتمنع الدول الاشارة الى عملياتها البطولية، اعلاميا، الا كأعمال 'ارهاب'، وتهدد أمريكا وتتوعد كل من يحاول مد يد المساعدة اليها. فلا غرابة، اذن، ان ترتفع ضجة الاحتجاج على مؤتمر 'دعم المقاومة السياسية في العراق' لأن ذكر مفردة المقاومة لوحدها تثير الخوف في نفوس من ساهموا في تحطيم العراق وشعبه ولايزالون يتسترون على جرائم الاحتلال ويتباهون بدورهم كواجهة رسمية له
.