Wednesday 10 November 2010

يا لبؤس حقوق الانسان في العراق!

القدس العربي
24/04/2010
تقرير مرعب آخر عن حال بلادنا، يكتسب مصداقيته عبر نشره من قبل الاعلام الغربي لأن شهادات العراقيين أنفسهم يندر أن يعتد بها. نشرت هذا التقرير جريدة أمريكية هذا الإسبوع عن سجن سري في مطار المثنى في وسط بغداد قرب المنطقة الخضراء، ثم تقارير عن سجون سرية أخرى. إنها فضائح تطفو على سطح الاحداث، كالاسماك الميتة في بركة عفنة، جريمة وحشية جديدة تجمع ما بين انتهاك حقوق الانسان والهبوط الى قاع الانحدار في امتهان الكرامة الانسانية.
ولا يعزينا، عند قراءتنا التفاصيل المروعة، بانها ليست المرة الاولى التي يتعرض فيها رجالنا ونساؤنا واطفالنا الى الانتهاكات الجسدية تحت الاحتلال وحكوماته المتعاقبة. ولا يخفف من وطأة البشاعة ان نقول باننا نعرف بان من يبيع وطنه لن يخجل من بيع مواطنيه، وان من يمارس الفساد السياسي والمالي لن يخجل من ممارسة الفساد الاخلاقي والجنسي. فالقيم الاخلاقية والانسانية تشكل، في تركيبتها، منظومة متداخلة واحدة فإما ان يمتلكها المرء او لا يمتلكها. ومن يبرر فعلا لااخلاقيا واحدا، سيجد ان بامكانه تبرير كل الافعال اللااخلاقية. ومن يبرر تعذيب شخص واحد، حتى ان كان مجرما او قاتلا، سيمتلك القدرة على تبرير كل انواع التعذيب. ومن يبرر قتل شخص واحد، مهما كانت تهمته، انما يمنح نفسه سلطة ارتكاب المجازر والإبادة.
لم يفقد العراقيون والعالم، بل سيتكلس ويتصلب فيهم كل ما يشدهم الى الإقتصاص والعدل، منذ التعذيب الوحشي في سجن أبو غريب لمعتقليه من نساء ورجال، وعبر مذابح حديثة والاسحاقي واغتصاب الصبية عبير الجنابي وحرقها وافراد عائلتها في مدينة المحمودية، وبعد ان اصبح المواطنون الابرياء أهدافا متحركة لتسلية جنود الاحتلال في ارجاء العراق وليس في بغداد الجديدة فحسب، كما يظهر شريط الفيديو الذي تم توزيعه اخيرا، وبعد توالي اعترافات الجنود الذين ساهموا في ارتكاب المجازر بان ما ينشر اعلاميا، هو'جزء بسيط فقط مما ارتكبناه'، بعد هذا وغيره اعظم. والمعروف ان مدربي هؤلاء الجنود هم أنفسهم من يقوم، منذ سبع سنوات، على تدريب القوات العراقية، والمخابرات والأمن والفرق الخاصة، في دورات ومراحل أنتقاء وتقديم متتالية لمن يتميز في خدمة الإحتلال. ولا تزال هذه الألوية والسرايا العراقية بإمرة مستشارين ورقابة أمريكية وفقا للإتفاقية الإستراتيجية الطويلة المدى.
ولننظر الى تاريخنا الحديث في مجال حقوق الانسان. لقد عشنا على مدى عشرات السنين، في ظل ارتكاب الانتهاكات والجرائم المبررة أخلاقيا من قبل استعمار ( البريطاني وحكوماته الشكلية) وحكام دكتاتوريين في الغالب، واحزاب تدعي لنفسها حق امتلاك القيم والقانون وتطبيقاتهما. غير ان كل ما مررنا به منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن الماضي، وحتى الاحتلال، من انتهاكات، على كل المستويات، في كفة وما يعيشه اهلنا منذ عام 2003 في كفة أخرى. وأنا لا اعني انتهاكات وجرائم قوات الاحتلال لوحدها، بل ومعها شركاؤها في الجريمة من العراقيين الذين باتوا، بمرور الوقت، بحكم تطابق مصالحهم مع المحتل، مثل النبات الطفيلي المتسلق على شجرة، يموت بموتها ويحيا ما دامت باقية. من هنا برزت حاجة المحتل ومستخدميه على ديمومة ' العملية السياسية'، مهما كان الثمن. والثمن، في كل الاحوال، مدفوع من قبل ابناء الشعب. وقد اثبتت سيرورة حكومات 'العملية السياسية الديمقراطية'، بانها مصبوبة جميعا، من ناحية الفساد بمستوياته، في قالب واحد، يختلف ظاهريا، بعض الشيء، في التعبئة، ما بين الطائفي والعلماني.
ولنستعيد معا، بعض ما انجزه العلماني الديمقراطي، أياد علاوي، بالمقارنة مع الطائفي نوري المالكي، مثلا. لقد اصبح علاوي 'صوت سيده' في حملة الإبادة التي نفدتها قوات الاحتلال في الفلوجة وهدمت خلالها 70 بالمئة من مدينة الجوامع. ففي مقابلة مع فضائية 'العربية'، في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2004، جاء فيها انه قد تمّ الإعلان عن قتل أكثر من 1200 'مسلح' في الفلوجة واعتقال المئات فضلا عن تهجير الآلاف، أجاب علاوي متفاخرا بانه لم يبق غير 'أعمال تنظيف بسيطة لبعض الجيوب هنا وهناك'، مقسما لمن يتطرق اليه الشك في قدرته على المساهمة في القتل: 'والله قُتل الكثير من الإرهابيين في الفلوجة'.
واذا ما أنتقلنا الى المالكي ، رئيس وزراء 'دولة القانون'، لوجدناه يقايض اطلاق سراح قتلة المثقاب وتقطيع الاوصال ورمي الجثث في الشوارع مقابل منصبه في 22 نيسان (ابريل) 2006. ثم عاد ليقايض 'طائفيي الأمس' مقابل بقائه في منصبه تحت حماية الجنرال الامريكي ديفيد بترايوس في حملته ضد أهل بغداد والبصرة وسامراء والعمارة والرمادي والموصل وتلعفر، وبقية ارجاء العراق باستثناء المحافظات الشمالية الثلاث، الذين تم تصنيفهم جميعا كإرهابيين. وفي عهده تمت زيادة قوات الاحتلال والمرتزقة وارتكابهم ما يشاؤون من جرائم بلا محاسبة او عقاب ومن باب التسلية ودفعا للضجر، حتى بلغ عدد الضحايا مائة شهيد يوميا، حسب الامم المتحدة في 18 تموز (يوليو) 2006، وهجرة اكثر من مائة ألف مواطن، شهريا. وانتشرت المعتقلات السرية والعلنية وصار لكل وزارة وجهاز استخبارات وأمن وحزب وميليشيا أحد المعتقلات. كل هذا والمالكي يصف ما حققه الامريكان وقواته الخاصة بانه 'نجاح ساحق'، فهل كان اختفاء 'المئات من المعتقلين السنة لأشهر عديدة في سجن سري، في مطار المثنى القديم، الذي يديره 'لواء بغداد'، وهو وحدة من القوات الخاصة تتبع بصورة مباشرة مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي، حسب صحيفة 'لوس انجليس تايمز'، في تقرير نشرته يوم 12 نيسان، واحدا من نجاحات المالكي الساحقة؟ أم ان اغتصاب الرجال، يوميا، من قبل وحدة المالكي في معتقله الخاص او غيره من معتقلات الساسة الآخرين، كما قال احد المعتقلين لوجدان ميخائيل، وزيرة حقوق الانسان، وهو يطلعها على ملابسه الداخلية التي كانت مخضبة بالدماء، هو الانتصار الساحق بعينه؟ واذا ما كان هناك قانون دولي ومنظمات حقوق انسان عالمية، فكيف التعامل مع ' رئيس وزراء'، يدعي بانه لاعلم له بالتعذيب في سجن تشرف عليه قواته الخاصة؟ وماذا عن نفي وزير الدفاع عبد القادر العبيدي الذي يدعي بان نقل السجناء من الموصل الى معتقل التعذيب جرى 'لتحقيق ِالحماية الكاملة لهم'، بينما انهمك بقية الوزراء والساسة بمناقشة سفسطائية، ولأغراض دعائية، عن سرية أو علنية السجون!
لقد دعت منظمة العفو الدولية إلى فتح تحقيق في الفضيحة الجديدة وتورد المنظمة عن مفتشي وزارة حقوق الإنسان العراقية قولهم إن ما يربو على 100 من السجناء، البالغ عددهم 431، قد تعرضوا للتعذيب بالصدمات الكهربائية وبالخنق بأكياس بلاستيكية وبالضرب، فضلا عن عن وفاة رجل واحد - وكان ضابطا برتبة عقيد في الجيش العراقي المنحل - في كانون الثاني (يناير) نتيجة للتعذيب. كما قالت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو، إن 'ادعاء رئيس الوزراء المالكي بأنه لا علم له بالانتهاكات لا يمكن أن يعفي السلطات من مسؤولياتها... ان حكومة المالكي دأبت، بشكل متكرر، على التعهد بالتحقيق في حوادث التعذيب وغيره من صنوف الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان على أيدي قوات الأمن العراقية، بيد أنه لم يتم نشر نتائج هذه التحقيقات أبداً على الملأ. وقد أدى هذا إلى تعزيز ثقافة الإفلات من العقاب المتفشية على نطاق واسع'. وماذا عن وزارة حقوق الانسان؟ لقد عقدت الوزيرة وجدان ميخائيل مؤتمرا صحافيا اعلنت فيه عن إغلاق سجن سور نينوى في بغداد ونقل المعتقلين إلى دائرة الإصلاح التابعة لوزارة العدل، وكأن معتقلات وزارة العدل أرحم من معتقلات رئيس الوزراء والداخلية والدفاع وغيرها. ثم اعلنت الوزيرة، وهنا المضحك المبكي، عن 'تشكيل لجان متخصصة من مكتب القائد العام للقوات المسلحة للتحقيق في عمليات التعذيب التي يقول السجناء إنهم تعرضوا لها' وهو فعل يشبه ان تكلف سفاحا بالتحقيق في سلسلة الجرائم التي ارتكبها، معتبرة ان 'الضجة' حول وجود السجن لها ابعاد سياسية.
وتخبرنا الوزيرة بانها زارت المعتقل، فهل نظرت الوزيرة في عيون المعتقلين لترى ما لحقهم من امتهان للكرامة وغضب لن يزيله غير الانتقام؟ هل نقلت الى رئيس وزرائها مخاوفها عما سيفعله المعتقلون الذين انتهكت اعراضهم، مستقبلا؟ أم لعلها هنأته على كونه قد حقق المساواة الجنسية بين النساء والرجال، في مجال الاغتصاب؟ ألا يخشى الصامتون او المتشدقون بالألفاظ الرنانة عن حقوق الانسان ان يصيبهم ما يصيب المعتقلين الآن، وان يحصدوا، في القريب العاجل، ثمار بذور العنف التي يزرعونها؟ أم ان ابناء حكومات الاحتلال يظنون أن روح الانتقام حكر عليهم فقط؟