Wednesday 10 November 2010

ماذا عن حقوق ضحايا التعذيب وعقوبة الإعدام في العراق؟

القدس العربي
24/07/2010
في تقرير صادر في 8 تموز/يوليو الحالي، ويغطي النصف الثاني من عام 2009، تحاول بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تقديم صورة عن حقوق الإنسان في العراق. وهذه البعثة هي من الكيانات الإنسانية الباقية في المنظمة الدولية، وإستمرار لمثيلتها في سنوات الحصار تحت إدارة فون سبونيك ودنيس هاليداي، على هامش التسلط الأمريكي والحسابات الدولية على المنظمة العالمية. ويرسم تقرير يونامي الأخير صورة مأساوية على الرغم من 'التحسن الأمني'. حيث قتل 4068 مدنيا وجرح 15935 شخصاً في عام 2009. وارتفع معدل الهجمات العشوائية والمستهدفة ولا سيما في دور العبادة وخاصة الكنائس والمساجد، فضلا عن استمرار العنف وعمليات الاغتيال واختطاف الصحافيين. ولا يزال الإعلاميون يتعرضون للاعتقال التعسفي والاحتجاز والمضايقات والرقابة.
ولأن معظم ساسة الاحزاب المشاركة في الحكم، اليوم، هم ممن ساهموا في فترة ماقبل الاحتلال في ادانة انتهاكات حقوق الانسان من قبل النظام السابق، وعقدوا الندوات واللقاءات حول كيفية 'اعتقالهم وسوء معاملتهم وتعذيبهم'، وحثوا منظمات حقوق الانسان والمجتمع الدولي على وضع حد لهذه الانتهاكات واقامة نظام يحترم حقوق الانسان، ساركز هنا على 'مبعث قلق' الامم المتحدة حول 'أوضاع حقوق الإنسان في السجون وأماكن الاحتجاز في العراق فضلاً عن عقوبة الاعدام'، وزيادة عدد من تنفذ بهم العقوبة من النساء والرجال سواسية.
فتحت عنوان 'حقوق الانسان وإقامة العدل'، وبصدد عقوبة الاعدام، يذكرالتقرير أنه تم إعدام 93 شخصاً بينهم ثلاث نساء خلال النصف الثاني من العام مقارنة بـ 31 شخصاً (بينهم امرأة واحدة) في الأشهر الستة الأولى، وترفع هذه الزيادة العدد الإجمالي للأشخاص الذين تم إعدامهم منذ استئناف العمل بعقوبة الإعدام في شهر
أيار/مايو إلى 120 رجلاً و 4 نساء أي حوالي 15 شخصاً كل شهر. و'هذه زيادة كبيرة ومثيرة للقلق' بحسب السيدة نافي بيلاي، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، التي أشارت إلى أن القانون الدولي لا يسمح بتطبيق عقوبة الإعدام إلا في ظروف محدودة جداً، تتمثل بارتكاب أشد الجرائم خطورة، وفقط بعد إجراء محاكمة واتباع إجراءات الاستئناف التي تحترم بدقة كافة مبادئ المحاكمة العادلة. كما تفيد وزارة حقوق الانسان. انه في نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر، كان هناك 1254 شخصاً محكوماً بالإعدام في مرافق الاحتجاز العراقية التي تديرها وزارات العدل والداخلية والدفاع. وعن عدد المحتجزين لدى السلطات الحكومية، يخبرنا التقرير ان هناك 28956 (حتى نهاية شهر حزيران/يونيو 2009) محتجزا ومعتقلا أمنيا وان اماكن اعتقالهم موزعة على وزارات العدل والداخلية والدفاع والعمل والشؤون الاجتماعية. ولاتزال بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق ' قلقة بخصوص استمرار الادعاءات حول سوء المعاملة والإساءة والاحتجاز دون توجيه تهم معينة والأوضاع السيئة في السجون ومراكز الاحتجاز'. فخلال زيارة لرصد السجون في أحد مراكز الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية في كركوك أجرت البعثة 'مقابلة مع محتجزة ادعت تعرضها للضرب خلال فترة احتجازها وإجبارها على الاعتراف بجريمة لم ترتكبها... وفي البصرة، تلقت البعثة إدعاءات بخصوص تعرض 25 سنياً للاحتجاز لمدة تصل لغاية أربع سنوات دون توجيه أي تهم لهم وانتزاع الاعترافات منهم بالقوة'. ويعطي التقرير امثلة عن اكتظاظ المعتقلات وتفشي الامراض بين المعتقلين وموت بعضهم كما في سجن الكاظمية ببغداد، وقلعة سوسة في محافظة السليمانية والسماوة في محافظة المثنى. وتبدي البعثة قلقها 'فيما يتعلق بالأعداد الكبيرة لحوادث التعذيب في السجون وأماكن الاحتجاز. وأشارت المعلومات الواردة من لجنة حقوق الإنسان بأن التعذيب يستخدم في مراكز الاحتجاز خلال فترة ماقبل المحاكمة من أجل انتزاع الاعترافات'.
وحين تنتقل البعثة الى اقليم كردستان يصبح مبعث قلقها، بالاضافة الى سوء المعاملة في السجون وأماكن الاحتجاز في الإقليم، 'وضع المحتجزين والأشخاص المفقودين المزعومين الذين قد يكونون في عهدة حكومة إقليم كردستان والذين هم أصلاً من محافظتي كركوك ونينوى حيث ألقت قوات البيشمركة أو الأسايش القبض عليهم في الفترة مابين 2004 ونهاية 2009. ولقد تلقت البعثة عدداً من القوائم الخاصة بالأشخاص الذين يعتقد بأنهم محتجزون لدى حكومة الإقليم، ويقدر عددهم بحوالي 200 شخص من محافظة نينوى و 15 من كركوك'.
وقد يتساءل البعض عن أهمية هذا التقرير ومدى فاعلية الجهة المصدرة له واذا ما كان سيتجاوز يوما ما مرحلة 'ابداء القلق'. وهو تساؤل مبرر في جو الاحباط العام الذي يحيط بعمل منظمات الامم المتحدة ووجودها المقتصر، بالنسبة الى البعض، على كونها مطبعة ورق. برأيي ان لهذه التقارير قيمة توثيقية مفيدة، مستقبلا، عند التمكن من جلب المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات المعنية الى العدالة. انها، ايضا، مفيدة كمصدر للاستشهاد به من قبل منظمات حقوق الانسان وغيرها من الجهات التي قد لا تكون لديها ذات المكانة والمصداقية. كما انها، ولكونها مستندة، من ناحيتي الكتابة والمنهج، الى القوانين الدولية وقرارات الامم المتحدة، تساعد على ابقاء هذه القرارات والقوانين حية في الأذهان وتزود العاملين في مجال حقوق الانسان وتطبيق العدالة بالحجج القانونية والانسانية الضرورية على الرغم من كل حملات التبرير للانتهاكات او تنفيذ احكام الاعدام سواء من قبل الحكومات التي تمارسها او منظمات 'حقوق الانسان' التابعة لها، كما برر الدكتور سعد فتح الله، مدير المعهد الوطني لحقوق الإنسان في العراق، رفض حكومته إلغاء عقوبة الإعدام بـ'الظروف الأمنية التي يمر بها العراق حاليا'، لأن هذه العقوبة 'رادعة'. ويتساءل فتح الله في حوار مع دويتشه فيله عن مصير 'حقوق الضحايا وأسرهم' لو ألغيت هذه العقوبة. مما يدفعنا الى التساؤل عن مصير 'حقوق ضحايا عقوبة الاعدام وأسرهم' عندما يتم تطبيق هذه العقوبة، كما يحدث الآن، على اشخاص ابرياء حكموا 'على اساس الاعترافات المنتزعة منهم تحت وطأة الاكراه او التعذيب'، كما جاء في التقرير؟ أليس هذا استمرارا لدائرة العنف والانتقام، التي يدعي ساسة الحكومة انهم كانوا ضحيتها؟ ولعل من المفيد ان يقرأ اولئك الساسة ومعهم مدير المعهد الوطني لحقوق الإنسان توصيات المنظمة التي يواصلون حضور اجتماعاتها وتلبية دعواتها وحضور ورشاتها المكثفة عن حقوق الانسان، اذ ' تحث منظمتا الامم المتحدة، بقوة حكومة العراق على وقف تنفيذ جميع أحكام الإعدام حتى يتسنى للمؤسسات القضائية ومؤسسات سيادة القانون تقديم الضمانات الكافية التي تكفل
إجراء محاكمات عادلة وفقاً للمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ولا تزال البعثة تتلقى تقارير تفيد باحتجاز أو سجن أشخاص على أساس الاعترافات المنتزعة منهم تحت وطأة الإكراه أو التعذيب. ولحين معالجة القضايا المحيطة بمثل هذه الانتهاكات، سيظل استخدام عقوبة الإعدام يعتبر إجراءً تعسفياً ومخالفاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وتدعو الأمم المتحدة إلى إلغاء عقوبة الإعدام في جميع
الظروف وأوصت حكومة العراق بإيقاف عقوبة الإعدام في انتظار مراجعة شاملة للتشريعات، بما في ذلك قانون العقوبات وقانون العقوبات العسكري وقانون عقوبات قوى الأمن الداخلي وقانون مكافحة الإرهاب، وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 62 / 149'
.