Wednesday 10 November 2010

سنضرب اذا ما رفع ' العدو' العراقي رأسه غاضبا ضدنا

القدس العربي
03/09/2010
للحكايات، عادة، بداية ونهاية. ولأنها تداعب المخيال الشعبي، غالبا ما يمنحها الراوي قصرا ينسج فيه الفقراء احلامهم بعيدا عن مرارة الواقع. وكان لاحتفال 'انسحاب قوات الغزو'، يوم الاول من أيلول، الذي تم في قصر الفاو، بمعسكر النصر في بغداد المحتلة، ان يكون يوما تتحقق فيه احلام المواطن العراقي في التحرر الوطني واستعادة السيادة لولا ان ماتم فيه، حقا، هو عملية تسليم واستلام من قائد عسكري الى آخر، واعادة تعبئة وتغليف الاحتلال لبيعه للرأي العام الامريكي والعالمي (وربما قلة من العراقيين) باعتباره بضاعة جديدة أطلق عليها أسم 'الفجر الجديد'. وصفها د.جون لوكلاند رئيس قسم الدراسات في معهد الديمقراطية والتعاون الدولي بباريس، في مقابلة مع قناة 'روسيا اليوم' يوم 31 آب/ أغسطس، قائلا: 'لم يتغير شيء على ارض الواقع وبقي العراق تحت الاحتلال'.
ولعل ما يجلب الانتباه في احتفال 'الانسحاب' غياب 'رئيس الوزراء' نوري المالكي و'الرئيس' جلال الطالباني بينما كان حضورهما مطلوبا في مناسبات أقل أهمية للامريكيين من هذا 'الاحتفال'، كما في حفل 'تسليم' المنطقة الخضراء. مما يدل على ان فيديو الاحتفال كان معدا للعرض الامريكي، خاصة، وان وجود رئيس وزراء متشبث بمنصبه بعد مرور ستة أشهر على خسارته في 'انتخابات ديمقراطية'، التي 'ضحى' الجنود الامريكيون بحياتهم من اجلها، لا تتماشى كثيرا مع غرض الفيديو. كما يدل ابعاد الاثنين وغيرهما من 'المسؤولين' العراقيين على الرغبة الامريكية بالايحاء بان سبب الكوارث الانسانية والاقتصادية الخانقة للمواطنين ليس سببها الوجود الامريكي بل نزاع العراقيين فيما بينهم، وعنفهم المتوارث، وعجزهم عن الاتفاق وان الوجود الامريكي ضروري لـ'المساعدة والمشورة'.
حضر الحفل 'شركاء العراق' نائب الرئيس الامريكي جو بايدن، ووزير الدفاع روبرت غيتس وقائد قوات الاحتلال جنرال اوديرنو. حيث أكدوا، جميعا، بانهم لن يتركوا العراق وان ما تبقى من القوات مؤهل تماما، لخوض المهمات القتالية، حالما تقتضي الحاجة. واحتمالات ان تقتضي الحاجة باستمرار وارد جدا، لأن حجج ابقاء القوات لاتزال كما هي لم تتغير، وهي محاربة الارهاب والتمرد والقاعدة. فلا عجب اذن ان نسمع، كما في الحكايات، على خلفية موسيقى الفرقة العسكرية الامريكية، من يهتف مرحبا بواقع اللاتغيير، قائلا: مات الملك عاش الملك.
وتدل تصريحات بعض العسكريين على انه حتى نزع البدلة العسكرية لن يتم لأن العدو (العراقي المقاوم للاحتلال) لن يتخلى عن القتال. اذ ذكر في مقال نشرته صحيفة 'نيويورك تايمز'، يوم الاربعاء، ان الكولونيل مالكولم فروست، قائد لواء الاستشارة (لاحظوا الاسم الجديد) في محافظة ديالى، كتب في مذكرة ارسلها الى أسر الجنود، مبينا لهم وضع ابنائهم الجديد: 'ان العراق لا يزال مكانا خطرا... لذلك، علينا أن نتحرك، لحماية انفسنا، في ارجاء العراق، بواسطة المدرعة سترايكر وغيرها من العربات المدرعة، وارتداء الدروع الواقية للبدن بكامله، ومحملين بالذخيرة بشكل كامل لنكون مهيئين للتعامل مع العدو إذا ما رفع رأسه غاضبا ضدنا'. وكان اللواء قد وصل الى العراق في تموز/يوليو 2010 وقد قتل حتى الآن اثنان من جنوده 'الاستشاريين' كما أصيب ثلاثة عشر منهم. وحسب العميد جنرال رالف بيكر، نائب قائد القوات الامركية في وسط العراق: 'ان هناك زيادة كبيرة في الهجمات بالصواريخ وقذائف الهاون على المنطقة الخضراء المحصنة، ومطار بغداد، و ان هناك نحو 60 من الهجمات، خلال الشهرين الماضيين، مقارنة مع اثنين أو ثلاثة في الأشهر السابقة'.
هذه الحقائق ( وهي اقل من الواقع بكثير) لم يتحدث عنها نوري المالكي في خطابه عن 'الانسحاب' بل تباكى على وجود حملات اعلامية ضد 'انجازات' حكومته، قائلا: 'اننا نواجه حملات تشكيك ظالمة'. في الوقت نفسه، أجاب وزير الدفاع الامريكي غيتس (ولا ادري اذا ما كان المالكي سيضمه الى قائمة القاعدة وأزلام النظام البائد) على اسئلة الصحافيين مشككا في سبب شن الحرب ثم مترددا في الرد على سؤال مباشر عما إذا كانت الحرب قد استحقت الخوض، قائلا: 'انها تحتاج، حقا، وجهة نظر مؤرخ لتقييم ما يحدث هنا على المدى الطويل'. وفي الوقت الذي أكد فيه المالكي بأن 'العراق اليوم سيد ومستقل، يملك قراره وكل ما يتعلق بحاضره ومستقبله'، جاءت ردود افعال 'شركاء العراق' من قادة جيش الاحتلال وسياسيي الادارة الامريكية وكل المحللين السياسيين (اذا لم نتحدث عن الواقع الذي يعمي العيون لشدة وضوحه)، لتؤكد عكس ما صرح به المالكي 'المنتهية ولايته'، بان بقاءهم في العراق استراتيجي وان هناك سبلا ستسلك لتعويض انخفاض عدد القوات المقاتلة ومن بينها زيادة عدد المرتزقة والمتعاقدين الامنيين فضلا عن اللجوء أكثر فأكثر الى استخدام الطائرات بلا طيار وشن العمليات الخاصة التي لا تتطلب كثرة العدد بل سرعة الحركة وعدم التواجد لفترات طويلة على الارض. والمعروف ان قيادة العمليات الخاصة هي المسؤولة عن وحدات صغيرة داخل النخبة العسكرية تنفذ مجموعة متنوعة من العمليات في منطقة معادية. وقد تأسست في عام 1987، وتضم حوالي 54 ألف فرد من جميع الفروع الأربعة من أفراد القوات المسلحة. وتكلف وحداتها المختصة بـ 'مكافحة الإرهاب' بمهام سرية. وقد تمكنت من اغتيال او اعتقال العديد من القادة المطلوبين أو 'المتمردين'.
وكانت هذه القوات خاضعة لقيادة الجيش الا ان تغييرا جذريا حدث بعد الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر، اذ بات التركيز على 'مكافحة الإرهاب'. وعمل وزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، على ان تكون قيادة العمليات الخاصة مستقلة عن قيادة الجيش مبينا بأنها ستكون اكثر كفاءة في مطاردة 'الإرهابيين' من القادة العسكريين في البلدان المختلفة. وقد خول رامسفيلد القوات الخاصة، في عام 2004، بتنفيذ ضربات هجومية سرية في أكثر من اثني عشر بلدا، من بينها سورية وباكستان والصومال.
وكان اللفتنانت جنرال ستانلي ماك كريستال، الذي تم اختياره ليصبح القائد الجديد للقوات الأمريكية العليا في أفغانستان في ايار/ مايو 2009، قائدا سابقا لقيادة العمليات الخاصة المشتركة، وهي جزء من قيادة العمليات الخاصة السرية حتى أن البنتاغون رفض، لسنوات، الاعتراف بوجودها. وكان الجنرال ماك كريستال يعمل مع وكالة المخابرات المركزية، السي آي أي، في تنفيذ مهام القتل المستهدف.
وذكرت صحيفة ' نيويورك تايمز'، في أيار/مايو 2010، ان القائد العام للقوات الامريكية في العراق، الجنرال ديفيد بترايوس، كان قد أمر، في أيلول/سبتمبر 2009، بتوسيع الأنشطة العسكرية السرية في محاولة للتصدي لتهديدات الجماعات المسلحة ولجمع المعلومات الاستخبارية وبناء علاقات مع القوى المحلية فضلا عن مواجهة ايران والمملكة العربية السعودية والصومال وبلدان أخرى.
ان ضباب الدعاية والعمليات الإعلامية، ذات التكلفة الهائلة، الموجهة الى الرأي العام الامريكي والعالمي والعراقي، كثيف ويعيق النظر بوضوح الى الصورة الحقيقية وتفاصيلها. لذلك، من الضروري، تفكيك الاخبار ومناسباتها و'الاحتفالات' السيادية وغيرها كمحاولة للوصول الى الحقيقة. والحقيقة التي يحاول المستعمر طمرها هي ان هناك مقاومة عراقية ضد الاحتلال، وهي ليست نادرة الحدوث بل انها طبيعية نابعة من وجدان وكرامة الشعب وحسه الوطني كما المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي والجزائري ضد الاحتلال الفرنسي والفيتنامي ضد الامريكي والفلسطيني ضد الصهيوني، وكلها بلا استثناء أتهمت بالأرهاب، لتثبت الايام بانها صوت الشعب الحقيقي. وان هذه المقاومة باقية ومستمرة ولن تنتهي مادام المحتل باقيا، على الرغم من ملايين الدولارات التي صرفت لتشويهها باعتبارها ارهابا يستهدف الابرياء، وعلى الرغم من مرور سبع سنوات حافلة بالصعاب، وعلى الرغم من تغيير القادة العسكريين والتعليب والمسميات
.