Saturday 26 November 2011

قوات الاحتلال لا تفضل تشغيل العراقيين حتى كمرتزقة

03/12/2010
بعد حوالي تسعة أشهر على إجراء الانتخابات وجرجرة المواطنين العراقيين انفسهم لاختيار بديل لرئيس جمهورية ورئيس وزراء وحكومة ارادوا التخلص منها بأي شكل من الاشكال ولو على حساب اختيار السيئ بدل الاسوأ، عاد الرئيس نفسه ليكلف رئيس الوزراء نفسه بتشكيل ذات الحكومة المؤسسة على المحاصصة. هذا هو الواقع العراقي. ساسة أكثر من الهم على القلب. كل منهم يدعي تمثيل الشعب بجعجعة اعلامية ومهاترات وفساد يزكم الانوف. تجمعهم مع المحتل المصلحة المشتركة المبنية على التغييب الكلي، المتعمد، للمواطنين. من جهة ثانية، ما هو الموقف الامريكي وما هي استراتيجية وجوده، المعلنة على الاقل، وانعكاساتها على العراقيين والمنطقة؟
ان الجوانب التي تحدد الاستراتيجية الامريكية هي الأمنية/ العسكرية، السياسية، الاقتصادية والثقافية (بضمنها أذرع الإعلام المختلفة والعالم الاكاديمي). ستساعدنا تصريحات الجنرال اوديرنو، القائد العسكري السابق لقوات الاحتلال في العراق، لفهم بعض جوانب الوجود العسكري/الأمني. وكذلك تصريحات جوزيف بايدن، نائب الرئيس الامريكي، المهمة فيما يخص الوجود السياسي والاقتصادي. ان الوجود الامريكي، بشكله الكولونيالي الجديد، مشرعن قانونيا عبر الاتفاقيتين ألامنية واتفاقية الاطار الاستراتيجي اللتين وقعتهما حكومة جورج بوش والمالكي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008.
تنص الاتفاقية الاولى على توفير الحصانة للقوات الامريكية من القانون العراقي وبرمجة الانسحاب. اما الثانية فهي التي تتحكم بكل الجوانب المتبقية بضمنها محاربة 'التمرد والارهاب' بالاضافة الى السياسية والاقتصادية والثقافية وهي الأهم كونها ستمس جوانب تكوينية عميقة في المجتمع. ما تجدر الاشارة اليه، هو ان ان العراق لا يزال محكوما بالبند السابع، وان القوات الامريكية، مهما كانت مسمياتها (مستشارون، خبراء، متعاقدون أمنيون ... الخ)، لا تزال معصومة من القانون العراقي، على الرغم من حل الجهة المصدرة لقرار عصمتها، وتعاقب عدة حكومات 'ذات سيادة' افتراضا. ويتشكل الوجود العسكري الامريكي ومهماته، حسب الجنرال اوديرنو، من: '50 ألف جندي امريكي و94 قاعدة عسكرية وما يقارب 64 ألفا من المتعاقدين، بالاضافة الى 250 الف جندي عراقي و500 ألف شرطي' بالاضافة الى ثلاث قواعد دائمة على 'مدى 300 ميل من الحدود الفاصلة ما بين المناطق المتنازع عليها بين قوات اقليم كردستان والجيش النظامي'، والسفارة الامريكية التي تشكل حكومة محصنة، ذات سيادة مطلقة، بحد ذاتها.
ما هي مهمة القوات الامريكية والمرتزقة والمتعاقدين الامنيين؟ للاستهلاك الامريكي العام، سيكون لوجودهم 'مهمة نبيلة'، وهي تدريب وابداء المشورة للحكومة العراقية وقواتها لبناء 'العراق الجديد'. الا ان اوديرنو وغيره من القادة العسكريين يركزون على المهمة القتالية لهذه القوات وبالتحديد على 'المهمات الخاصة' وكونها قوات رد سريع لمحاربة 'المتمردين والارهابيين' مع القوات العراقية التي ترافق القوات الأمريكية اثناء ادائها لمهماتها القتالية، أو بعبارة أخرى ان تكون درعا لحمايتها أو على الأقل لتقليل تعرضها لضربات المقاومين الذين يحاولون تجنب إيذاء الجنود العراقيين. ومن هذا المنطلق يمكن فهم سبب انخفاض عدد القتلى بين قوات الاحتلال وزيادة عدد القتلى من الجنود والشرطة العراقيين. كما ان انسحاب قوات الاحتلال الى قواعدها وتركيزها على استخدام الطائرة بلا طيار لجمع المعلومات والقيام بمهام قتالية منها التفجيرات واستهداف المقاومين عن بعد، قد ساعد على تقليل الخسائر الأمريكية وتغطية الموجود منها بالتضليل الاعلامي المبرمج.
ويرى القادة العسكريون الامريكيون ان الجيش النظامي العراقي الجديد لن يتمكن من اداء مهماته القتالية بدون المتعاقدين الأمنيين، كما يذكر التقرير المقدم الى الكونغرس في 22 حزيران / يونيو 2010، حول استخدام هؤلاء في العراق وافغانستان. ويشير التقرير الى ان مواطني ثلاثين دولة يعملون كمتعاقدين أمنيين (المصطلح المستخدم رسميا لما نعرفه بالمرتزقة) في العراق، بالاضافة الى الامريكيين وافراد الشركات العراقية الخاصة. للمتعاقد العراقي مع جيش الاحتلال فوائد عدة، من بينها: انه الأرخص من ناحية الاجور ومستحقات السكن وانه قد يعرف البلد واللغة مما قد يساعد على بناء العلاقة مع بقية السكان. الا ان جيش الاحتلال لا يفضل استخدام العراقي لصعوبة التأكد من ولائه وانه قد يكون متعاونا، خفية، مع 'الاعداء من المتمردين'، أي المقاومة. هناك، حاليا، 82 شركة حماية أمنية (56 عراقية أو مسجلة باسماء عراقية و26 أجنبية) مسجلة ومجازة من قبل وزارة الداخلية، مستخدمة ما يزيد على 30 ألفا من المرتزقة. 81 بالمئة منهم من مواطني بلد ثالث (غير امريكا والعراق) و10 بالمئة من العراقيين. 95 بالمئة منهم يشاركون في مهام مسلحة. هناك، ايضا، الشركات غير المسجلة رسميا لأسباب تتعلق بقوات الاحتلال. ويشكل المرتزقة المسلحون الموجودون، حاليا، في العراق، اعلى نسبة من مجموع القوات العاملة مع البنتاغون، منذ ايلول/ سبتمبر 2007. مما يعني ان خفض قوات الاحتلال النظامية تقابلها، بشكل طردي، زيادة في اعداد المرتزقة تحت مسميات تضليلية.
وهنا تأتي مسألة مهمة جدا، يتوجب على الجميع، تذكرها كلما حدث انفجار في اماكن عامة مزدحمة او مساجد او كنائس وكلما سجل الحادث ضد مجهول. لنطرح تساؤلا أساسيا وهو: عما اذا كان للمرتزقة المسلحين بأحدث الاسلحة دور في هذه التفجيرات التي يؤدي تكاثر حدوثها الى تمديد عقودهم وخلق الحاجة الماسة الى وجودهم المجاز قانونيا من قبل 'الحكومة' العراقية، وعلى الرغم من ثبوت ارتكابهم العديد من الجرائم في سنوات الاحتلال. فأين يجد المرتزقة نعيما كهذا يستلمون فيه رواتب خيالية ويتسلون فيه بقتل المواطنين بينما يتمتعون، في الوقت نفسه، بالعصمة من المساءلة والعقاب؟
أما بالنسبة الى المستقبل السياسي واستراتيجية البقاء في العراق، فستساعدنا قراءة الرأي الذي كتبه جوزيف بايدن ونشر في صحيفة 'نيويورك تايمز' الامريكية، يوم 20 من تشرين الثاني/ نوفمبر. يتحدث بايدن أولا: عن الدور المهم الذي لعبته الادارة الامريكية، هو نفسه والرئيس اوباما وفريق من الساسة المتميزين، في حل خلافات الساسة العراقيين ودعم تشكيل 'حكومة جديدة' تمثل العراقيين جميعا ولا تهمش احدا. وينتقل الى التأكيد بأن الولايات المتحدة ستواصل دورها في تعزيز 'النجاح العراقي'. و'اننا لن نترك العراق بل كل ما سنفعله هو تغيير طبيعة وجودنا من العسكري الى القيادة المدنية'. وحسب اتفاقية الهيكل الاستراتيجي سيتم بناء 'شراكة فاعلة' في كل الجوانب الحكومية بضمنها التعليم، التجارة، الطاقة، الثقافة، الأمن والشرطة والقضاء. وتبريرا لاستراتيجية البقاء، غير المحكوم بفترة زمنية محددة، يخبرنا بايدن بأن العراق 'بلد لا يزال المتطرفون يعيثون فيه الفوضى وحيث يعاني الضحايا الأبرياء' لذلك من الضروري البقاء 'لتعزيز الأمن الذي لا تزال قوى الأمن العراقية، البالغ عددها 650 ألفا، عاجزة عن تحقيقه'. ثم يضيف بايدن قائمة بالمهمات 'الصعبة' التي ستساعد الولايات المتحدة على 'حلها'، ومن بينها: دمج القوات الكردية بالجيش، الوفاء بالوعود لقوات الصحوة، حل النزاع حول كركوك، قوانين النفط، خصخصة الاقتصاد ... الخ. ويختتم بايدن مقاله بالتأكيد على أهمية العراق الاستراتيجية وضرورة محافظة امريكا على المكاسب التي حققتها ودفعت ثمنها غاليا ومنع عودة المتطرفين العنيفين وتشجيع العراق على ان يكون حليفا اساسيا لامريكا في منطقة استراتيجية حرجة.
ان قراءة المؤشرات السياسية والعسكرية تدل، بما لا يقبل الشك، على ان الادارة الامريكية لا تمانع في وجود حتى الشيطان المعادي لها كحكومة في العراق ما دام يوفر لها حدا معقولا من مصالحها الاستراتيجية ولا يمس بقاء قواعدها المسماة 'مدنية'. ان بقاء المحتل بشكله الكولونيالي الجديد سيكون الى أبد الآبدين، ما لم يصبح وجودهم العسكري والمدني، معا، عبئا بشريا واقتصاديا لا يقبله الشعب الامريكي اطلاقا. وكما يبدو، حاليا، وعلى الرغم من التدهور الاقتصادي الكبير في امريكا، لا تزال ميزانية الأمن القومي والعسكري تحتل الاولوية، حيث طلبت ادارة اوباما من الكونغرس الموافقة على ميزانية قيمتها 5 مليارات للصرف على الوجود 'الدبلوماسي' الامريكي واستتباب الأمن في العراق، باعتبار ان سحب بعض القوات القتالية قد قلل المصروفات بقيمة 15 مليار دولار. وسيبقى العامل الحاسم في هذه المعادلة هو مستويات المقاومة العراقية وأنواعها وفي مقدمتها المقاومة المسلح
ة.