Saturday 26 November 2011

غنيمة المحاصصة الجنسوية لبرلمانيات 'العراق الجديد'

10/12/2010
لا تنفك النسوة المشاركات في العملية السياسية، في العراق المحتل، عن تذكيرنا بما حققنه من انجاز كبير منذ غزو العراق في عام 2003، وحتى اليوم، وذلك من خلال ' نضالهن'، باسم المرأة العراقية، بالتحديد لزيادة نسبة مشاركة المرأة السياسية في 'البرلمان'، كي تساهم في رسم سياسة 'العراق الجديد'. وهن، غالبا، ما يستخدمن، في تصريحاتهن، نسبة المشاركة السياسية كدليل على اثبات تطور المرأة والقدرة على القيادة متجاهلات كل العوامل الاساسية المؤثرة كالاحتلال (المفردة المحرمة بالنسبة اليهن) وانعدام التنمية الاقتصادية والتطور المجتمعي وتوفير الأمان والاستقرار. والأكثر من ذلك متناسيات بأن حصولهن على نسبة الـ 25 بالمئة في 'البرلمان' انما جاءت نتيجة فرض الكوتا أو المحاصصة النسوية، المحددة للنساء حسب خريطة المحاصصة الطائفية والعرقية كما رسمها الحاكم الامريكي السابق بول بريمر وتكرست، تدريجيا، في المؤسسات الحكومية قاطبة من خلال الدستور.
ونحن على عتبة اجتماعات برلمان 'جديد'، نتساءل عما حققته البرلمانيات، بنسبتهن العالية حتى بالمقاييس العالمية، خلال تواجدهن البرلماني في الأربع سنوات الماضية، آخذين بنظر الاعتبار ان البرلمان نفسه، وهو الذي ينظر اليه، عادة، بانه رمز السيادة والديمقراطية، ملحق بسفارة الاحتلال الامريكي في منطقة محرم على ابناء الشعب دخولها؟ تلخص النائبة ميسون الدملوجي الانجازات، قبل اعلان نتائج الانتخابات، لوكالة أنباء (شينخوا)، في 2 آذار/مارس من العام الحالي، قائلة: 'إن المرأة اثبتت كفاءة وقدرة لا تقل عن الرجل خلال السنوات الاربع الماضية، وبرزت قيادات نسوية مهمة... وأن المرأة العراقية كانت تناضل من اجل أن لا تهمش، واهم ما حققته في البرلمان، الحالي، انها فتحت الابواب بصورة كبيرة لمن يأتي بعدها'.
ويلخص هذا الجواب التصريحي العام الذي قد ينطبق على كل شيء ولاشيء في آن واحد، 'الانجاز' الوحيد الذي حققته بعض البرلمانيات، خلال السنوات الماضية، وهي المهارة الخطابية المضللة اعلاميا ولا اقول مضللة لعموم الشعب لأن الدملوجي، على الرغم من تواجدها الاعلامي شبه اليومي، فشلت في الفوز باصوات الناخبين (حصلت على اقل عدد من الاصوات بين النساء المرشحات وهو 650 صوتا فقط) فتم تعيينها، لكونها عضوة في القائمة العراقية، بموجب نظام الكوتا. وهي واحدة من بين 61 امرأة اخرى حصلن على مقاعد بموجب الكوتا النسائية، بينما حصلت 21 مرشحة على الاصوات اللازمة للوصول إلى العتبة الانتخابية دون الاستعانة بالكوتا النسائية. ويبلغ عدد النساء اللائي حصلن على مقاعد برلمانية 82 امرأة من اصل 1815 امرأة رشحت للانتخابات التي جرت في السابع من آذار/ مارس الماضي.
ان ما تحاول برلمانيات 'العراق الجديد' تغييبه عن الاذهان، من خلال التشبث بعصا المساهمة السياسية لوحدها، هو انجازات المرأة العراقية التي ناضلت من اجلها على مدى قرون وحققتها بدون الاستقواء بالغزاة والمستعمرين.
وبغض النظر عن رأيي الشخصي بالنسبة الى الكوتا النسائية المحبذة كنوع من التمييز الايجابي، في بعض البلدان، لفصل او فصلين تشريعيين، وبغض النظر عن حماسي لمشاركة المرأة السياسية، باعتبارها حقا من حقوقها كمواطنة، أجدني اقف، قبل اي شيء آخر، بجانب المرأة التي تريد توفير الطعام والملبس والماء والكهرباء والدواء والتعليم والأمان، لاطفالها وعائلتها ونفسها. المرأة التي ترى، نفسها، جزءا من المجموع وما تطمح اليه لن يتحقق من خلال عزل قضاياها عن الكل. المرأة التي ترفض ان تستخدم كأداة او ذريعة لغزو واستعمار بلادها وفصلها عن محيطها الوطني الطبيعي لتصبح مصنفة ضمن تقسيمات الجندر والطائفة والعرق على حساب الشعب والوطن.
المرأة التي تجمع، في فكرها ونشاطها، ما بين النضال من اجل التحرر الوطني والسيادة والكرامة الشخصية التي هي اساس كل حقوق الانسان. المرأة التي تعرف بان العراق بلد مستعمر وان المستعمر يجد في الديمقراطية الحقيقية خطرا يهدد مصالحه، لذلك يرمي ثقله في تزويق ساسة (اناثا كانوا او ذكورا) ممن يعتاشون على الرياء والزيف والفساد ويجيدون رطانة المستعمر في ترويج بضاعته عن حقوق المرأة وقياديتها ومشاركتها السياسية، وهم ذاتهم المساهمون في حكومات تحرم على المرأة حق الحياة وتستبيح كرامتها. المرأة التي حين تشير، كسياسية، الى مشاكل المرأة واسباب الظلم الذي تعاني منه تعالج المشكلة من كافة جوانبها والا تكون انتقائية في الدفاع عن مصلحة المرأة والأهم من ذلك ان يكون موقفها صريحا واضحا ومعلنا الى من تمثلهم وألا تسقط في الفخ التبريري الشائع بين ساسة الاحتلال بأن السياسة هي فن الممكن، بحيث اصبحت المبادىء والاخلاق عارا يجب تجنبه!
بالاضافة الى ذلك، وحتى اذا اخترنا الابتعاد عن هموم ومشاكل المرأة اليومية والمستقبلية وقبلنا بالنظر الى كوتا المساهمة السياسية كمؤشر للتقدم 'القيادي النسوي'، لوجدنا ان هذا الادعاء، بحد ذاته، زائف. اذ ان انجاز معظم النائبات لم يزد عن كونه حضورا جسديا (اذا حضرن) ولم يكن فاعلا ومؤثرا كما يدعين حتى على مستوى التمثيل الظاهري. تلخص شابة جامعية، في تحقيق اجرته فاتن جبار، من صحيفة الأهالي، في 2 كانون الاول/ديسمبر 2010، الصورة كالآتي: 'رأينا بأم أعيننا خلال اربع سنوات من وجود البرلمان السابق نساء موشحات بالسواد، جالسات طيلة الجلسات، من دون ان يقلن حرفا واحدا، واقتصر دورهن على التصويت بما تمليه الكتلة التي ينتمين لها، وأخريات لم نر وجوههن ابداً'. اما بالنسبة للقلة الناشطة التي تعد على اصابع اليد الواحدة، فقد استهلكتهن الرطانة الاعلامية والتقسيم الطائفي والعرقي واستخدامهن كواجهة لتزيين الانتماء للاحزاب التي قامت بترشيحهن لاستيفاء نسبة الكوتا، مما انعكس سلبا على دورهن، وجعل من السهل حتى على احزابهن وقوائمهن، نفسها، ان تهمشهن عند اتخاذ القرارات. ولعل افضل مثال على ذلك مفاوضات تشكيل 'الحكومة الجديدة' التي تقول عنها النائبة بتول فاروق: 'ان ما يحاك خلف الكواليس جعل المرأة غائبة عن مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة'. وعن المسألة ذاتها تقول أزهار الشيخلي، وزيرة المرأة السابقة،
: 'من غير المعقول وجود 82 امرأة في البرلمان العراقي الجديد يمثلن مختلف الأحزاب والكتل السياسية المكونة لمجلس النواب لم يتم استدعاء أي منهن لحضور الاجتماعات أو المفاوضات التي تتم بين الكتل. جميع الاجتماعات والحوارات تجري في غياب المرأة رغم وجود قياديات في أغلب الأحزاب'.
الأمر الذي يجعل وضع النائبات محط سخرية عامة باعتبار انهن انما ينفذن ما يريده الرجال في احزابهن، عند الحاجة، وبالتالي لا يخرجن عن دائرة ان الرجال قوامون على النساء ولو تحت قبة البرلمان 'الديمقراطي'. فهي مفيدة، بحضورها الجسدي، في لحظات التصويت على تشريع معين لصالح حزبها ولو على حساب مواطنيها، والنساء اللواتي يدعين تمثيلهن، بشكل خاص.
معاملة المرأة العراقية بشكل مهين تتكرس، بشكل مشرعن، يوميا، على مستويين هما اولا كمواطنة وثانيا بحكم جنسها. كونها مواطنة يساويها مع الرجل، تماما، في الحرمان من الحقوق الاساسية كحق الحياة والأمان والماء والكهرباء والصحة والتعليم كما يساويها غياب الاستقلال والسيادة والتحرر الوطني وبالتالي التمثيل السياسي الحقيقي. اما معاملتها بشكل مهين بحكم جنسها فتتبدى مظاهره في حالات الحرمان من الرعاية الخاصة اثناء الحمل والاساءات الجنسية (وما أكثرها عند نقاط التفتيش ومراكز الشرطة) والاغتصاب أو التهديد بالاغتصاب واستخدامهن كرهائن لاجبار المقاومين على تسليم انفسهم لقوات الاحتلال فضلا عن قتلهن (جرائم الشرف) تحت مسمى الانتحار كما في اقليم كردستان.
لذلك، في غياب عناصر الواقع المتكاملة، يصبح مؤشر المساهمة السياسية، لوحده، للدلالة على تقدم المرأة وتطورها هو محض وهم، يستخدم للتضليل الاعلامي وتزييف الوعي، سيؤدي، في احسن الاحوال، على افتراض حسن النوايا ونبل القصد، الى الحاق الضرر
بوضع المرأة وعرقلة تطورها العضوي في المجتمع.