Wednesday 2 January 2013

بلطجية المالكي في العراق ينافسون امثالهم في تونس ومصر

القدس العربي
04/02/2011
ثار الشعب المصري، مسجلا بطولات وتضحيات ابنائه، للتخلص من كابوس يهيمن على صدورهم منذ عقود.
تتبدى ملامح الكابوس العامة في الفساد والرشوة وانعدام الحريات، بمستوياتها، والاعتقالات والتعذيب فضلا عن التلاشي التدريجي للسيادة الوطنية. وقد تناسب تلاشي السيادة الوطنية طرديا، مع تزايد العمالة والخضوع للسياسة الامريكية الإسرائيلية المدفوعة الأجر عبر المساعدات المالية والعسكرية للطبقة الحاكمة. تلك المساعدات كما هو حال معظم الانظمة العربية، مشروطة بمدى تنفيذ النظام المصري، لسياسات السيطرة الأمريكية وحروبها ضد الشعوب، ونجاحه بأداء دور الشرطي والمخبر ضد حركات التحرر تحت شعار محاربة الإرهاب.
وكانت الدعامة الأهم لنظام مبارك كله العمل على تنمية ورعاية ثقافة وروح الخنوع لدى الشعب تحت شعار القبول بالامر الواقع. روح الخنوع التي تحولت، تدريجيا الى واقع مقبول، في مرحلة ما بعد التحرر الوطني، بعد جذب عدد من الاحزاب والحركات التي كانت مثالا لمقاومة المستعمر وهيمنته الاقتصادية واستغلاله الى المشاركة في الحكم لتصبح في عصر النيوكولونيالية قوة لدعم السلطات. ويستند كل ذلك على جهاز أمن متشعب رهيب بإمتداداته وسجونه وتعذيبه ومخبريه السريين.
واذا ما نظرنا الى وضع نظام الحكم في العراق المحتل، اليوم، بالمقارنة مع مصر، لوجدنا نقاط الاختلاف من جانب، مع نقاط التشابه من جوانب إخرى في بداية مسار نظام الإستعمار الجديد بعد الإحتلال. فهناك إختلاف وتشابه في تمتع العراق بالثروة النفطية الكبيرة التي كان من المفترض ان تجعل مواطنيه من ذوي الدخل العالي في العالم، الا انه أصبح، شكرا للمستعمر ومستخدميه العراقيين (السائرين بطريق مبارك وبلطجيته وبن علي ومخابراته)، واحدا من الشعوب المحتلة التي تسند مستعمريها وتمول بنفسها اضطهاد واعتقال وتعذيب وقتل مواطنيها، مثلما تمول السلطة المصرية إسرائيل بنصف الغاز الذي تحتاجه فيما تخنق سكان غزة في جريمة إبادة منظمة.
واذا ما تركنا جانبا عاملي الفساد الاداري والسياسي الذي يكلف العراق حياة المواطنين واختفاء الاموال بالملايين والمليارت (كنا في السابق نتحدث عن الفساد بالآلآف) وانعكاسات ذلك على التعليم والصحة والبنية التحتية والخدمات الاساسية (وكلها من حقوق الانسان)، واذا ما تركنا جانبا المحاصصة السياسية والعرقية، البلاء الذي يغذيه ساسة العملية السياسية أملا في تبرعم الجذور لمن لا جذور له في المجتمع العراقي، واذا ما تركنا جانبا حملة الاستهداف المنظمة ضد الاكاديميين والاطباء والكتاب والفنانين لتفريغ البلد من العقول المهددة، وبينها الشباب المثقف الذي يشكل أهم شريحة تهددهم كما هي تفعل اليوم في تونس ومصر، لتأسيس نظام قروسطي. لو تركنا ذلك كله جانبا، لكونه قد اصبح حقيقة لا يتطرق الشك اليها، فان ملامح تأسيس شريحة البلطجية في العراق كما في مصر، متشابهة، عاملها المشترك هو المحافظة على مصالح ساسة المستعمر وطبقة رجال الاعمال المتعاقدين معه والشركات العالمية الكبرى المتغلغلة في تركيبة النظام نفسه. وقوام هذه الشريحة من مخبرين ورجال الأمن والشرطة وفرق الجيش الخاصة وجلادي المعتقلات المعروفة والسرية.
وتنبع خصوصية الوضع في العراق من وجود ميليشيات الاحزاب، أيضا، بالاضافة الى المرتزقة الأمنيين من عراقيين ومن مواطني 30 دولة، على رأسهم، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وقد ازداد عدد الحراس الأمنيين والمدربين على تنفيذ المهمات الخاصة من مداهمات وتفجيرات وقتل مع ازدياد عدد الاحزاب ' الديمقراطية' واعضاء البرلمان (بمعدل 20 30 حارس أمني لكل برلماني) والوزراء (لدينا 44 وزيرا ونائبا لرئيس الوزراء في أكبر حكومة في العالم )، الذين يجمعهم الفرهود وحب السلطة وقمع ابناء الشعب وترويعهم، بعيدا كل البعد عن الولاء للوطن والشعب، كما يطبلون.
وكما استمرت المنظمات الدولية، باصدار التقرير تلو التقرير، منددة بقمع الحريات في مصر وتعرض المعارضة للاعتقال والتعذيب، تواجهنا الحالة بشكل أكثر مأساوية في العراق المحتل. وآخر التقارير، هو الذي اصدرته منظمة 'هيومن رايتس ووتش' يوم الأول من الشهر الحالي، لتضيف الى قائمة المعتقلات ' السرية' التابعة لوزارات العدل والدفاع والداخلية، والمعروفة جدا لدى المواطنين، معتقلا آخر، في مدينة بغداد، يدار من قبل 'قوّات النخبة الأمنيّة الخاضعة لإدارة المكتب العسكري لرئيس الوزراء العراقي نور المالكي'. حيث كشفت مقابلات ومستندات حكوميّة سريّة حصلت عليها المنظمة الحقوقية بأنّه منذ الثالث والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2010 ولفترة ثلاثة أو أربعة أيام، قامت السلطات العراقيّة بنقل أكثر من 280 معتقلا إلى موقعٍ سرّي يقع داخل معسكر العدالة، وهو قاعدة عسكريّة كبيرة تقع شمال غرب مدينة بغداد. ويخضع هذا الموقع السرّي لإدارة كلّ من اللواء 56 المعروف أيضاً باسم لواء بغداد وجهاز مكافحة الإرهاب وكلاهما يأتمر بمكتب رئيس الوزراء. وجرت عمليّات النقل المعجلة قبل بضعة أيام من موعد زيارة فريق تحقيق دولي يتولّى الكشف عن ظروف الاعتقال في موقف 'معسكر الشرف'، الواقع داخل المنطقة الخضراء، حيث كان السجناء موقوفين. وحصلت المنظمة على لائحة بأسماء أكثر من 300 معتقل كانوا محتجزين في معسكر الشرف قُبيل نقلهم إلى معسكر العدالة'.
كما حصلت المنظمة على مستندات عددها ثمانية عشر، من بينها ما هو مؤرخ في 13 كانون الثاني/يناير 2011، تثبت عدم سماح 'مكتب القائد العام للقوّات المسلّحة، الذي يتحكم رئيس الوزراء من خلاله بالقوّات الأمنيّة العراقيّة، لفريق التفتيش التابع لوزارة حقوق الإنسان الدخول إلى قسم سجن العدالة'. ومعسكر العدالة هو الموقع السابق للشعبة الخامسة، أي مكتب الاستخبارات اثناء النظام السابق. وقد أجرت المنظمة في شهر كانون الأوّل/ديسمبر 2010 مقابلات مع أكثر من عشرة معتقلين سابقين في معسكر الشرف، تحدث فيها المعتقلون عن الظروف غير الانسانية التي مروا بها. ووصف 'المعتقلون بالتفصيل الانتهاكات التي تعرّضوا لها أثناء جلسات الاستجواب بغرض حملهم على الإذعان لاعترافات مزوّرة. وقالوا إنّ المحققين كانوا ينهالون عليهم ضرباً ويُعلّقونهم من أرجلهم في بعض الأحيان ساعات طوال، لا بل يُعرّضون أجزاء عدّة من أبدانهم بما فيها الأعضاء التناسليّة لصواعق كهربائيّة ويُسببون مراراً وتكراراً بخنقهم باستخدام الأكياس البلاستيكيّة يُسقطونها على وجوهم إلى حين إصابتهم بالإغماء'. كما لجأ جلادو المالكي الى التهديد باغتصاب الاقارب من النساء في حال عدم الاعتراف، اذ جاء في احدى الشهادات: 'انهال عليّ المحققون ضرباً بصورةٍ متكررةٍ وهددوني باغتصاب شقيقتي إن لم أذعن بالتوقيع على اعتراف فاستسلمت من غير أن أعرف مضمون الاعتراف'.
وقد حاول مسؤولون في وزارة العدل تكذيب التقارير المنشورة، سابقا، عن مسؤولية مكتب المالكي المباشرة عن ادارة المعتقل، غير ان المستندات التي حصلت عليها المنظمة الدولية 'تنقض مزاعم الحكومة التي تُفيد بأنّ معسكر الشرف خاضع لإدارة وزارة العدل. وفي أحد المستندات السريّة المؤرخة في 2 آب/أغسطس 2010، طلب وزير العدل الأقدم السيد دارا نور الدين حصول فريق عمله على إذن من مكتب القائد العام للقوّات المسلّحة نقل المعتقلين من معسكر الشرف مما يؤكِّد على احتكام الوزارة للأوامر بخصوص الموقع'. كما لم تتمكن منظمة الصليب الاحمر الدولي من زيارة المعتقل ومنعت وزارة حقوق الإنسان من القيام بعمليّات تفتيش للسجون في معسكر الشرف لمدّة أكثر من سنة.
ويتحكم المالكي ' من خلال مكتب القائد العام للقوّات المسلّحة بجهاز مكافحة الإرهاب الذي لا يخضع لسلطة أي وزارة أو لأحكام أي تشريع. ويعمل جهاز مكافحة الإرهاب عن كثب مع القوّات الأمريكيّة الخاصة'. وحسب ضباط ومسؤولون عسكريّون من وزارتي الدفاع والداخليّة للمنظمة فأن اللواء 56 وجهاز مكافحة الإرهاب يقومان بصورة روتينيّة بعمليّات التوقيف والاعتقال الجماعيّة من دون تبليغ الوزارات المعنيّة بشؤون الأمن وإنّ القوّات الأمنيّة النظاميّة تخاف قوّات النخبة هذه التي يطلق عليها اسم 'قوات المالكي'. وهي القوات التي اذا ما قامت باعتقال احد المواطنين، فان المعتقلين 'لا يُسمح للعائلات أو المحامين بزيارتهم لا بل يستحيل عليهم في بعض الأحيان معرفة إذا كانوا أحياءً أو أمواتاً'. ولايزال خبر الكشف عن 'سجنٍ سرّي بإدارة اللواء 54 يُساعده اللواء 56 في مطار المثنّى القديم الواقع غرب بغداد'، حيث عثر على 430 معتقلا بمعزل كلي عن العالم الخارجي وفي حالة مريعة، ماثلا في الأذهان. ومن من البشر الأسوياء يتمكن من نسيان شهادات المعتقلين المتحدثين عن معاملة رجال الجلادين من قوات الامن التي عرضتهم 'للضرب والركل والخنق والصعق بالتيار الكهربائي وأحرقتهم بواسطة السجائر ونزعت عنهم أظافرهم وأسنانهم. وقال بعض الشباب إنّه أُجبر على إمتاع المحققين والحرس بالجنس الفموي وأنّ المحققين أجبروهم على التحرّش جنسيّاً بغيرهم من المعتقلين'؟
فأي قائد للقوات المسلحة يسمح بممارسة هذه الافعال البشعة تحت أمرته وضد ابناء شعبه الذي يتشدق بتمثيله؟ وكيف يسكت مستشارو رئيس الوزراء ومئات العاملين والملحقين بمكتبه على جرائم لا انسانية كهذه ترتكب من قبل لواء 'يرفع التقارير مباشرةً إلى مكتب رئيس الوزراء'، اي بعلمهم واطلاعهم؟ وأية حكومة هذه؟ أي برلمان بلجانه ودوائره وموظفيه؟ وأي مصير يتوقعون مستقبلا ممن مزقت قلوبهم الآن تعذيبا واهانة؟ هل يتوقعون ان لعبة الانتخابات 'الديمقراطية' ستحميهم من غضب المواطنين؟ أم انهم يظنون ان اثارة المشاعر الطائفية والعرقية ستردم روح الانسانية وحب العدالة الذي طالما تمتع بهما الشعب العراقي؟ ألم يروا كيف ثار المواطن التونسي والمصري ليمزق رايات 'الديمقراطية' المزيفة وكيف تلاشى التطاحن الديني المختلق، في مصر أيضا، ليتوحد الجميع تحت راية المواطنة ضد سلطة تتغذى على الفتنة والتمييز الطبقي؟