Wednesday 2 January 2013

كفانا احتلالا وفسادا ان القلوب من الغيظ لتغلي

25/02/2011
منذ أشهر يتظاهر ابناء شعبنا في مدن عدة، من بينها مدن تساهم في التظاهرات الشعبية لاول مرة، منذ احتلال البلاد في عام 2003. بعض المظاهرات والاعتصامات كانت على خلفيات محلية أو محدودة، منها اختفاء مواد الحصة التموينية وفوضى الإمتحانات والوظائف، عدم تسلم الفئات الأضعف من الشعب مستحقاتها.
لكن جوانب جوهرية توضحت لتوحد بينها جميعا، من بغداد والبصرة والكوت والسماوة والديوانية وكركوك والبصرة والفلوجة الى الموصل وأربيل والسليمانية: رغبتهم في التخلص من قمع الحريات، الاعتقالات والتعذيب، الفساد المستشري، وخيبة الامل المريرة في وعود انتخابية لم يتحقق، اقل القليل منها، في مجال الخدمات الاساسية كالكهرباء والماء والخدمات الصحية والبطاقة التموينية بالاضافة الى توفير فرص العمل والدعم، خاصة، للأرامل والايتام والمتقاعدين لتوفير ما يستحقونه من حياة كريمة تقيهم مهانة العوز.
وتصاعد الأمر في الأيام الأخيرة الماضية، وبالتوازي مع صعود الثورة في أرجاء الوطن العربي، ازاء صمت كونكريتي يضاهي جدران العزل في العراق وفلسطين من قبل اجهزة الاعلام العربية والاجنبية، إذ ضجت شوارع العراق المحتل بالاصوات الأبية المطالبة بحقها الطبيعي في الحياة الكريمة بصرف النظر عن اهتمام الإعلام.
مدينة الديوانية، جنوب بغداد، شهدت التظاهرات الاولى للمطالبة بتحسين الخدمات، فووجهت بالقمع وسقط بعض الجرحى. متظاهرون في الكوت، يوم 15 شباط/فبراير، تلقوا رصاص حكومة الاحتلال بصدورهم فقتل ثلاثة وأصيب العشرات.
بعد يوم واحد، تحولت مدينة السليمانية، في اقليم كردستان، الى ترسانة أمنية تحيط بالمتظاهرين وتطلق عليهم النيران. وهو الاقليم الذي يتباهى قادة حزبيه بالديمقراطية وحرية التعبير، وجعله نموذجا لبقية المحافظات، منذ عشرين عاما، بينما يحتكران، في الواقع، السلطة والمال والعقود وجمارك التهريب النفطي وحصة 17 بالمئة من الميزانية العامة، وينخر الفساد المالي والاداري والسياسي بالاقليم نخرا، لتزداد الفجوة الطبقية يوما بعد يوم بين طبقة 'الحكومة' وعموم الناس، في غياب الانتاج المحلي والسياسة الاقتصادية النزيهة.
فكانت تظاهرة السليمانية. وكان جواب حكومة الاقليم 'الديمقراطية' هو التصدي بالعنف مما ادى إلى وقوع قتلى وعشرات الجرحى. في اليوم ذاته، تجمع متظاهرون امام مقر محافظة البصرة مطالبين باقالة المحافظ بعد ان وجه اليهم الاهانات. واقتحم متظاهرون مقر احدى البلديات في محافظة ذي قار الجنوبية. ولم تتوقف الاعتصامات والتظاهرات الشعبية في بغداد. فكان النداء الى تظاهرة الشباب يوم 25 شباط / فبراير، ضرورة لتوحيد الاصوات والشعارات.
وكما في تونس ومصر، تحرك الشباب الى المقدمة تعبيرا عن يأسهم من احزاب تقليدية صارت هي المشكلة وهي تزحف وراء الشعب كالحلزون. وتعالت الاصوات والشعارات على الفيس بوك (إعتمادا على المولدات الكهربائية البيتية، بسبب انقطاع التيار الكهربائي المزمن) والرسائل الالكترونية ورسائل الهواتف المحمولة، فكانت نداءات ' الثورة العراقية الكبرى' و'الحركة الشعبية لتحرير العراق' و'أنا عراقية' من بين مواقع عديدة.
وانحسر كجزء لا يتجزأ من حكومة تستهين بالشعب (الذي تصفه بالمظلوم لتبدو وكأنها تعمل على إزالة الظلم) التيار الصدري الذي بات، الآن، حسب توجيهات 'سماحة السيد القائد مقتدى الصدر' (دام عزه) يوزع استمارات استبيان شعبي حول التظاهرات، طالبا فيها ان يجيب ابناء الشعب العراقي 'على اسئلة راجيا منه الجواب بدقة وبدون عاطفة بل يحكم العقل في جوابه عن رأيه في الخدمات الحياتية كالماء والكهرباء، واذا ما كان يريد توجيه طلب للحكومة بتحسين الخدمات ومن ثم اذا لم تستجب الحكومة اذا كان يريد التظاهر بعد ستة أشهر'! انه يتصرف وكأن تياره لا يحتل 30 مقعدا في برلمان حكومة اعلن رئيسه عن ضياع 400 مليار دولار من ميزانية الدولة!
وقد شنت قناة 'العراقية' الحكومية حملة ضد التظاهرات بمجرد اعلان الشباب الدعوة اليها، واختيارهم ذات يوم انطلاقة الثورة المصرية. فتعالت الاتهامات (بالضبط كما فعلت أبواق بن علي ومبارك والقذافي الاعلامية) والتصريحات والفتاوى من لائحة 'آيات الله المعصومين' بالاضافة الى قيادة عمليات بغداد والقوات الخاصة ومكتب المالكي، متهمين التظاهرة بانها مسيرة من قبل جهات مغرضة وترويع الناس من المشاركة فيها لوجود 'أجسام وعناصر مشبوهة' تدعو الى 'عودة البعث وحقبته الفاسدة'، حسب المالكي والتخويف من 'ازهاق الارواح واضعاف انظام القائم' حسب الشيخ الآصفي. فما الذي يريده المتظاهرون الشباب لتحاول الحكومة 'الديمقراطية' منع التظاهرات ولتصدر الفتاوى بمنعها ويحجم السيد القائد عن المشاركة فيها؟
سأترك الجواب للشباب على الفيس بوك، في ردهم على سؤال لماذا الثورة؟
' لان البلد محتل. لأن الملايين من أبناء شعبنا عاطلون عن العمل. لأننا أفقر شعب في العالم فوق أغنى بقعة على وجه الأرض. لأن عشرات الآلاف من أبنائنا يقبعون في سجون المالكي منذ سنوات دون محاكمة. من أجل مليون أرملة ويتيم. لأن وطننا فاقد للسيادة وللكرامة ولا يتمتع باستقلال حقيقي. لأن ثلة تسرق ثرواتنا وتتحكم بمصائرنا. من أجل 4 ملايين عراقي مهجر خارج أرضه'. هذا هو واقع 'العراق الجديد' الذي لا يختلف عليه اثنان، موثق في كل التقارير المحلية والعالمية، افلا يحق، شرعا واخلاقا وقانونا دوليا، لمن يعيش هذا الواقع ان ينتفض ويطهر وطنه؟
ان ما يخيف حكومة الاحتلال هو بساطة المطالب الانسانية للمتظاهرين وكونهم لا ينتمون الى طائفة او عرق مما يسهل تفريقهم والسيطرة عليهم. ان اصواتهم، هي اصوات 'شباب العراق، شباب المستقبل، شباب الوطن'.
وهم شباب عراقي وليسوا 'جسما وعناصر مشبوهة وجهات مغرضة' وليسوا 'بعثيين صداميين قاعديين ارهابيين' كما هي تهمة النظام الجاهزة. انهم دعاة تظاهرة سلمية لا يريدون مواجهة رجال الشرطة والجيش بل قاموا بتوجيه نداء الى القوات الأمنية جيشا وشرطة وأجهزة أخرى، قائلين قبل يوم التظاهر: 'من هذه الصفحة التي تمثل روح شباب العراق: إننا نثق بأنكم تنتمون الى العراق الواحد، ونذكركم بقسمكم العظيم على حماية أرض العراق وشعبه، ولقد سرى الى أسماعنا أن هناك خطة لإغلاق الجسور وتقطيع الطرق، إننا نهيب بكم ونقدم بين أيديكم الورود أن تدعونا نعبر عن أنفسنا، وهو حق كفله لنا الدستور، ونؤكد لكم سلميتنا وحضارية مطالبنا.'
ان الدعوة الى التظاهرات السلمية الموحدة لجميع ابناء الشعب وبشعارات تمثل الهم الوطني هي صوت ابناء الشعب الذين ضاقوا ذرعا بالوعود المبذولة بلا أي انجاز حقيقي والتي باتت في خطابيتها الرنانة تعبيرا عن الاستهانة بعقول المواطنين
انها صوت المطالبين بالتحرير والكرامة وعزة النفس. انها صوت المرأة العراقية البطلة المناضلة وهي تستعيد مكانتها التي طالما احتلتها، تاريخيا، في ان تقود المتظاهرين نحو الحرية والمساواة واعادة بناء العراق كما يريد له ابناؤه.
انها صوت شعب يدرك جيدا انه قد وصل مرحلة حاسمة تجاوزت حدود الصبر الانساني، وأن كرامته وعزة نفسه ومستقبل وطنه ومستقبل ابنائه ترتبط ارتباطا وثيقا بما يفعله الآن وما سيفعله في الايام المقبلة. غير ان صوت شعبنا الموحد في شوارع مدننا التي نريد استعادتها من دبابات المحتل ومستخدميه، جوبه بوحشية 'الحكومة الديمقراطية' ليسقط الشهداء وتتعالى اصوات المصرين على البقاء على الحق والعدالة مهما طالت المدة.
انها الاصوات الغاضبة القائلة: كفانا ثماني سنوات من الاحتلال والفساد والاعتقال والتعذيب والإهانة. وكما قال الزهاوي حين واجه جيل آبائنا وأجداد هؤلاء الشباب المستعمر البريطاني: ان القلوب من الغيظ في الصدور لتغلي، والضغط يأتي انفجارا يبيد من غير مهل