Saturday 5 January 2013

العراق والسياسة الامريكية بعد اغتيال بن لادن

06/05/2011
ركزت الضجة الأعلامية المصنعة حول نجاح الحكومة الامريكية باغتيال أسامة بن لادن على افتراضين صالحين للاستخدام حسب الحاجة ووفق الطلب.
سواء كانت الحاجة نابعة من صميم سياسة الادارة الامريكية واجهزة مخابراتها او بالتوافق مع اجهزة مخابرات الحكومات المحلية في البلدان التي تمتد اليها اذرع الامبراطورية مخابراتيا وعسكريا وسياسيا التي وصفها الرئيس الامريكي اوباما بانه ' 'البلاد الصديقة لنا وحلفائنا' في خطابه عن قيام 'الولايات المتحدة بعملية عسكرية اسفرت عن مقتل بن لادن'، يوم الاثنين، 2 أيار/مايو.
يوفر الافتراض الأول للادارة الامريكية الغطاء الرسمي لاستمرارية 'الحرب على الارهاب' في مناطق واسعة من العالم (معظمها ان لم يكن كلها اسلامي أو عربي) ويحمل في طياته جوابا استباقيا على سؤال منطقي لا بد وان يخطر على اذهان الناس (خاصة من سكان تلك المنطقة التي يقطنها الآخر - غير الغربي) وهو: اذا كان قد تم القضاء على سبب الارهاب فلم لايتم وضع نهاية للحرب على الارهاب؟ هنا، لا يتردد اوباما (وتلته هيلاري كلينتون وآخرون من القيادة الامريكية) في رسم ملامح السياسة الامريكية في مرحلة ما بعد اغتيال بن لادن غير المختلفة عما تم تسويقه في مرحلة توسيع الهيمنة الامريكية حسب سياسة المحافظين الجدد تحت رئاسة بوش الصغير. اذ أكد أوباما متداركا: 'ولكن موته لا يعني توقف جهودنا، ذلك أنه مما لاشك فيه أن القاعدة ستواصل هجماتها ضدنا، ولذا فإن من الضروري أن نكون، وسنكون، في غاية الحذر داخل بلادنا وخارجها'.
و'إن مهمة تأمين بلادنا لم تنته بعد'. ومعنى الحذر في السياسة الامريكية المعاصرة، كما لاحظنا في سياستها العسكرية تجاه العراق وافغانستان، هو توجيه الضربات الاستباقية والغاء مفهوم السيادة الوطنية لصالح التدخل المباشر وغير المباشر في شؤون الدول المتراوح ما بين اختطاف الافراد ونقلهم للاستجواب والتعذيب في عدة بلدان، والقصف، وتحليق طائرات الرصد والاستهداف بلا طيار، وتدبير عمليات الاغتيال والانقلابات العسكرية، حسبما يتماشى وسياستها. كيفما وأينما شاءت.
الافتراض الثاني الذي حاولت الحكومة الامريكية تسويقه مفاده ان الشعوب الاسلامية (الموضوعة في سلة واحدة مع الشعوب العربية حسب التصنيف النمطي الغربي)، حالما ستسمع خبر اغتيال اسامة بن لادن المعلن من قبل المنتصر باراك اوباما سيصيبها الذهول ثم الغضب الشديد لتنطلق بعدها الى شوارع المدن الغربية و'الديمقراطية الصديقة' كالمصاب بلوثة عقلية، مرتدية أحزمتها الناسفة، لتهاجم وتقتل وتفجر كل من يقف بطريقها احتجاجا على مقتل 'قائدها'.
لكن الفرق ما بين ردود الافعال الرسمية والشعبية، أثبت زيف الصورة النمطية عن الشعوب في البلدان العربية والاسلامية. فقد بينت ردود الافعال الرسمية العالمية والمحلية، بانها تقف في صف واحد، في حالة انتشاء جماعي نادر الحدوث، متفقة على تعظيم دور الحكومة الامريكية والسي آي أي في تنفيد عملية الاغتيال بدءا من رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو القائل بإنه 'إنتصار مدو للعدالة والحرية وللمبادىء المشتركة بين كل الأمم الديمقراطية التي تحارب بتصميم وجنبا إلى جنب ضد الإرهاب'، متناسيا دور الارهاب الاستيطاني الذي يقوده ضد المواطنين الفلسطينيين، مرورا بكولن باول، وزير الخارجية الامريكي السابق القائل : ' تم القضاء على شخص شرير... لقد تحققت العدالة'، متناسيا كيف كذب، بصفاقة لا نظير لها، في مجلس الأمن، مؤكدا حيازة العراق على اسلحة دمار شامل، لتحصل الحكومة الامريكية على قرار بغزو العراق ضمن حملتها 'على الارهاب'، وانتهاء بالمتحدث باسم 'الحكومة العراقية'، القائل بإن 'الحكومة العراقية تدعم الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب'. وأشار إلى أن بلاده تشدد على دعم أي جهد دولي لاجتثاث التطرف الأعمى الذي أرهب الشعوب بجرائمه. وهو تصريح مضحك مبك من قبل متحدث باسم حكومة مبنية على اساس التطرف الطائفي الأعمى وارهاب وجرائم الحكومة الأمريكية معا.
واذا ما نظرنا الى ردود الافعال الشعبية لوجدناها مختلفة أولا عن ردود افعال الناطقين الرسميين وثانيا عن الصورة النمطية التي يقوم الاعلام الغربي بتسويقها، وتكررها بعض أجهزة الاعلام في البلاد العربية اما لكونها صوت 'الانظمة الصديقة والحليفة' لأمريكا او لانها تستنسخ، بلا تمحيص، ما يقدم اليها جاهزا. اذ يمكن تقسيم ردود الافعال الشعبية الى مستويات عدة. اذ استهجن البعض ومن بينهم أسقف كانتربري، وهو ممن يحتلون مكانة متميزة في الكنيسة الانكليزية، سياسة امريكا في اغتيال خصومها، حيث أكد في تصريح له اثار حنق المؤسسات الرسمية البريطانية، بأن العدالة لا تتحقق عن طريق الاغتيالات. اشار آخرون، برد فعل لامبال، الى ان ما حدث خاص بامريكا وسياستها ولايعني الآخرين.
ففي باكستان، مثلا، وهو البلد الذي تعتبره أمريكا حاضنة للارهاب العالمي بعد افغانستان والعراق (حسب اللهجة الامريكية في التعامل مع الشعوب والدول) قتلت اجهزة الاعلام الغربية نفسها بحثا عن تجمع ولو لبضعة باكستانيين يحتجون على مقتل أسامة بن لادن. وكان التجمع الوحيد الذي عثروا عليه في طول البلاد وعرضها هو تجمعات رجال الأمن والشرطة التي أعاقت المواصلات وسير المرور بينما انصرف بقية ابناء الشعب، المستغرقين في همومهم اليومية، الى الاسراع لاهثين وراء لقمة العيش.
أما في العراق، وهو البلد الذي احتلته امريكا وهي تعرف جيدا بأن لاعلاقة له بالقاعدة أو بن لادن، ومن ثم بذلت جهدها مسخرة أجهزة اعلامها ومخابراتها وفرق الدعاية والاعلام النفسي لزراعة الارهاب الطائفي فيه، فقد كان رد فعل الكثيرين ممن سألتهم اجهزة الاعلام الغربية عن رأيهم في خطاب الرئيس أوباما وهو يعلن قتل بن لادن، بسيطا وعميقا في آن واحد. لاعلاقة له بأوباما أو بن لادن بل بالتيار الكهربائي، اذ أجاب البعض قائلا: 'لم نسمعه ... كيف نسمعه بلا كهرباء'، بينما قال صاحب معمل: 'لم نسمعه .. كنا بانتظار تصليح المولدة الكهربائية'، وصرخ رب عائلة لم يستطع سحب ما يكفي من الوحدات الكهربائية لبيته، قائلا: 'لو كان اوباما برأسه خير كان يصلح الكهرباء مو يقتل الناس'!