Saturday 5 January 2013

عجبي لذاكرة حكام العراق كيف نسوا وضعهم كلاجئين!

13/05/2011
منذ ابتلاء العراق بفايروس الطائفية السياسية، ورطانة الساسة المنخرطين في عملية الاحتلال السياسية في حالة تألق لامثيل له، خاصة عندما يتحدثون عن 'الوطنية' و'المصالحة' ووصف كل جانب للجانب الآخر بأنه 'طائفي' ليوحي لمستمعيه بأنه وطني خالص لاعلاقة له بالطائفية بتاتا، متوخيا من تثبيت صفة الآخر نفي الصفة عينها عن نفسه. حيث صارت جمل على غرار 'أنا ضد الطائفية' و'أنا مع الشراكة الوطنية' استهلالية لكل حديث، لينغمر بعدها المتحدث بكل ما هو طائفي ولا وطني. فالمصالح الفئوية والطائفية، المؤسسة على المحاصصة والفساد، هي التي تتسرب من داخل الحكومة ومجلس النواب والاحزاب، الى طبقات المجتمع، لتستقطب المؤيدين والحواريين والأتباع.
فمنذ بداية التقسيم الطائفي للحكومة ومجلس النواب، والساسة يتنازعون بمنأى عن الشعب، حول المناصب والأموال التي يمكن استحصالها من موارد البلاد. ففي مقابلة مع قناة الحرة التابعة للمخابرات المركزية الامريكية، ذكرت النائبة حنان الفتلاوي، التي برزت أخيرا في جلسات البرلمان التلفزيونية، بتاريخ 31 آذار/ مارس 2007 'ان الخطاب الطائفي يخرج من قبة البرلمان. ان عملهم (أي النواب) هو اثارة النعرات'. وهو تصريح بالامكان اعتباره نموذجا للخطاب السياسي المألوف، هذه الايام، في حملة 'لست طائفيا ... أنا مختلف عن البقية... أنا وطني أمثل العراقيين كلهم'. اذ بينما تصف السيدة النائبة مجلس النواب بأنه طائفي، تتعامى عن حقيقة ان وجودها في مجلس النواب، بحد ذاته، جاء نتيجة انتمائها الى كتلة طائفية. وأنها ما كانت ستحصل على مقعدها النيابي لولا حملات رعاية الروح الطائفية لفئة دون غيرها.
وقد قام نوري المالكي رئيس قائمة دولة القانون والحكومة، التي تنتمي اليها النائبة، بتوفير نموذج طازج لـ'لاطائفية' حكومة الاحتلال، حين أكد يوم الاربعاء الماضي، خلال مؤتمر صحافي عقده في المنطقة الخضراء، وفي ظل أكبر سفارة للاحتلال في العالم: 'أن وزارة الدفاع للمكون السني والداخلية للمكون الشيعي'. وجاءت 'نزاهة ' التعبير نتيجة غضب المالكي من 'شريكه الوطني' أياد علاوي الذي طالب بان تكون وزارة الدفاع من حصة قائمته العراقية (غير الملونة لئلا تخلط مع القائمة العراقية البيضاء المنشقة). فهدد المالكي بأن الخيار الوحيد هو تقديم استقالته وإسقاط الحكومة والمطالبة بحل مجلس النواب في حال رأى أن لا فائدة منه. وهو موقف حبذا لو نفذه ليريح ابناء الشعب المطالب برحيله وليريح نفسه من شعب لا يقدر تضحياته. اذ انه يدير لوحده (بمهارة تحسدنا عليها دول الجوار والعالم)، أهم ثلاث وزارات في الحكومة وهي وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني بالاضافة الى القوات الخاصة والمعتقلات الخاصة ومكتب البعثات وكونه 'القائد العام للقوات المسلحة'، والامين العام لحزب الدعوة، ورئيس كتلة دولة القانون. رجل فذ كهذا لم لا يسقط الحكومة ويلغي مجلس النواب مادام وحزبه يتمتعان بالمظلة السياسية الطائفية، ولن يزعل أحد اذا ما تم استبدال وجه بآخر مادام الكل راضيا بأن للمكون الشيعي حصته وللمكون السني حصته، وان الخطوط الحمراء التي وعدوا الشعب بعدم تجاوزها، فيما يخص وحدة العراق وتحريره، قد غسلتها أموال الفساد.
وتتجلى الشطارة في استخدام رطانة التضليل السياسي في كل الاحاديث والمقابلات التي نسمعها، يوميا، بصدد شتى القضايا من العسكرية والامنية الى الثقافية. ففي مقابلة على 'قناة العراقية'مع اللواء الركن محمد العسكري، المستشار الاعلامي في وزارة الدفاع، يوم الاربعاء الماضي، تحدث متباهيا عن انجازات حكومة المالكي في مجال محاربة الارهاب، حيث قال : 'ان طريقة محاربتنا للارهاب العالمي ونجاحاتنا ضد القاعدة صارت تدرس في جميع انحاء العالم وخاصة في الغرب'. الا ان مقدم البرنامج تدخل ليذكره بحادث سجن مكافحة الإرهاب، في الرصافة، ببغداد، الذي وقع في الثامن من أيار/مايو الحالي وكيف 'نجحت القاعدة في تنفيذ عملية بداخله أدت الى قتل آمر مكافحة الأرهاب'، وان نوري المالكي قال، يوم الاربعاء نفسه، أن الحادثه 'اختراق امني ويحتاج لمزيد من التحقيق ... اذ تم إدخال الرمانات اليدوية والأسلحة إلى داخل السجن ومازال التحقيق جار في الحادث'، وامر المالكي ( كالعادة) بتشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات الحادثة مؤكدا 'على عدم السماح بحصول أي تراجع أو خرق أمني ... وأنه سيتم الإعلان عن الجهات المتورطة بعد إكمال التحقيق'. فسكت اللواء العسكري هنيهة ثم سرعان ما استعاد رطانته قائلا بعد ان انقلب بحدود 180 درجة: 'ما دام رئيس الوزراء قد صرح بذلك وهو القائد العام للقوات المسلحة وهو الأدرى بالامور ... فكما تعلم، ان القاعدة تلجأ الى اساليب ماكرة ونحن ناس طيبون نصدق ما يقال لنا ونحاول ان نساعد المحتاج فيتنكرون كمحتاجين ونحاول مساعدتهم فيقتربون من الاماكن ويفجرونها'. واذا كانت محاربة حكومة المالكي لـ 'الارهاب' ناجحة الى حد تدريسها في الكليات العسكرية، في جميع انحاء العالم، فما هو سبب تفجيرات السيارات اليومية وحوادث العنف والقنابل المزروعة أكثر من الحنطة والشعير؟
ما هو سبب انتشار حوادث الاغتيالات بالمسدسات كاتمة الصوت والتي طالت حياة عشرات الضباط ذوي الرتب العالية والمدراء في الشهور الأخيرة؟ أم ان الاغتيال بهذه الطريقة لا يصنف ضمن 'الارهاب'؟ وكم تحقيقا أجرته حكومة المالكي وأعلنت عن نتائجه وقدمت المسؤولين عنه الى القضاء، حتى الآن ؟ هل كلف احدهم نفسه (من مئات المنظمات التي تدعي الدفاع عن حقوق الانسان)، أو ربما الأصح التساؤل، هل كلفت وزارة حقوق الانسان نفسها، بأداء عمل بسيط للغاية، وهو كتابة قائمة موثقة بأسماء ومهن وتوقيت واماكن الاغتيالات بواسطة كواتم الصوت، على الأقل، لكي يتبين من خلال دراسة القوائم وتحليلها، لا غير، سبب هذه الحملة المنظمة. وان يتم اعلان النتيجة للمواطنين لكي تستفيد الوزارة، في الوقت نفسه، من بناء جسور الثقة مع المواطنين؟ أم ان هذا خارج نطاق عمل الوزارة والوزير المنشغل بلقاءاته الطويلة (تم آخرها يوم الاربعاء) مع السفير الايراني في بغداد ليطمئنه على مصداقية الحكومة العراقية في اجبار اللاجئين الايرانيين على مغادرة العراق. وكان علي الدباغ، المتحدث باسم الحكومة، قد أكد ان اللاجئين الايرانيين، في معسكر أشرف، الذين هاجمتهم قوات الحكومة، اخيرا، وسببت قتل حوالي 30 منهم، يجب ان يتركوا العراق قبل نهاية العام، لأنهم ينتمون الى منظمة ارهابية 'تعاونت مع الدكتاتور السابق وسببت مذابح الآلاف من مواطنينا'!
وقد استغربت لهذه المعلومة الى ان قرأت تصريحا لموفق الربيعي، مستشار الامن القومي السابق، اثناء زيارة لأيران في كانون الثاني/يناير 2009، وضح فيه ان ما يعنيه الدباغ بقوله 'مذابح الآلاف من مواطنينا '، هو 'مواطني أيران' قائلا 'ان الحكومة العراقية تنوي تسليم عناصر المنظمة الملوثة ايديهم بدماء ايرانية الى طهران'. كما قال في مقابلة له مع قناة الفرات (تقرير منظمة العفو الدولية 20 أبريل 2009)، 'إن السلطات تعتزم أن تجعل من استمرار وجود المقيمين في معسكر أشرف 'أمراً لا يُطاق' بصورة تدريجية. وعقب هذا التصريح بوقت قصير، وربما في تطور ذي صلة، مُنع فريق طبي من دخول المعسكر لعدة أيام. وذُكر أن الغرض من الزيارة كان معالجة امرأة في المعسكر بحاجة إلى إجراء عملية جراحية لورم سرطاني داخلي'.
وكان علي السوداني، وزير حقوق الإنسان في العراق، قد التقى السفير الإيراني يوم 9 أيار (مايو) 2011 الذي شكره والحكومة العراقية على الموقف من اللاجئين الايرانيين محذرا من 'إن بقاء منظمة مجاهدي خلق في العراق ليس من مصلحة العراق وايران'. ويبدو من تصريحات الجانبين السياسية الرنانة، بأنهما قد تناسيا ان للاجئين (مهما كانت انتماءاتهم السياسية، وما داموا قد أعلنوا تخليهم عن الصراع المسلح، وهو ما فعله اللاجئون الإيرانيون في العراق) حقوقا انسانية ويتوجب، حسب القانون الدولي، على البلدان التي يقيمون فيها توفير الحماية لهم وليس مهاجمتهم وقتلهم. كما اختار الطرفان، بذاكرة انتقائية، تناسي ان بلدانا كثيرة كانت قد استقبلت اطرافا من المعارضة العراقية قبل الغزو بدوافع إنسانية، وإبقاء على العلاقات الأخوية بين الشعوب بصرف النظر عن حكامها. وقد تميز النظام الإيراني بأنه استخدم الكثيرين منهم بعد التدريب والتجهيز العسكري في حربه ضد النظام العراقي وصولا لمساعدته الإحتلال الأمريكي، متمثلا بتجييش المجلس الاسلامي الاعلى وتأسيس ميليشيا بدر (المسؤولة الآن عن الكثير من الجرائم والانتهاكات ضد المواطنين العراقيين) ورعاية حزب الدعوة الذي، اذا ما اردنا الكيل بمكيال النظام الايراني والعراقي الحاليين، لوجدناه لا يزيد عن كونه حزبا ارهابيا له سجله بتنفيذ العمليات الارهابية في العراق. فهل هذا ما يريده شطار الاحتلال بألفاظهم الرنانة ورطانتهم اللغوية؟ عجبي لذاكرة حكام اليوم كيف نسوا وضعهم كلاجئين لا يكفون عن الحديث عن حقوق الانسان