Saturday 5 January 2013

انتشار النوادي الليلية وتكلس حنجرة السيد النائب!

29/07/2011
حدثنا عمار الحكيم، رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي، في الملتقى الثقافي الاسبوعي، الذي عقده يوم 23 تموز/ يوليو بأن: 'مسؤولين امنيين وسياسيين يرتادون الملاهي الليلية ويحمونها من سلطة القانون'. وانتقد الحكيم مواقف المسؤولين قائلا: 'ان ما يثير الأسف الشديد هو ان بعض المرتادين لتلك الملاهي هم من الشخصيات الأمنية والسياسية ويقومون بحمايتها من القانون، اضافة الى استخدام القاصرات اللواتي يتم احضارهن من محافظات عراقية مختلفة لتقديم الخدمة وغيرها وهذا لا يليق بمدينة تتمسك باعرافها وقيمها'. وتابع 'اصبح من المتعذر على العوائل البغدادية ان ترتاد منطقة الكرادة وابو نواس بسبب تركيز انتشار النوادي الليلية في تلك الاحياء التي تمتاز بالتزامها الديني ... وان اكثر من 72 ناديا تم افتتاحه من دون تراخيص وموافقات رسمية في تلك الاحياء'. مبينا ان هذه الظاهرة تمثل خرقا واضحا للقانون واعتداء على حرية المساحة الاوسع من العراقيين.
قد يتبادر الى الأذهان عند قراءة هذا الخبر، أو الاصغاء الى حكايات عمارالحكيم الثقافية والسياسية، يحكيها اسبوعيا لحشد في قاعة فخمة، بانه في موقفه من سلوك 'المسؤولين الامنيين والسياسيين'، ما هو الا رئيس منظمة مجتمع مدني تدافع عن حقوق المرأة او حقوق الانسان، وانه، مثل معظم الناشطين، لا حول له ولا قوة فيما يخص قرارات النظام السياسي القائم ولا موقع له غير حيز ينتقد فيه بعض النواقص المؤسفة.
غير انه سرعان ما يتبين زيف الانطباع الأولي، مع تأكيدنا على أهمية المسألة التي يتطرق اليها الحكيم من الناحية الاجتماعية. ان موقف الحكيم لا يختلف كثيرا عن مواقف بقية ساسة الاحتلال، حيث بات من الاعراف المألوفة لديهم اطلاق التصريحات تلو التصريحات، وعقد الندوات والمحترفات والمؤتمرات، للتظاهر بانهم امناء، حريصون على حقوق المواطن (المرأة والاطفال بشكل خاص)، ولايهمهم شيء في الدنيا غير مصلحة الوطن ووحدته وسيادته بعيدا عن الطائفية والأثنية والفساد. فهم، جميعا، يتحدثون عن استشراء الفساد باعتباره 'فساد' الآخرين كطريقة لاعلان النظافة من فساد 'المكون' الآخر. والكل يتحدث عن الطائفية باعتبارها ' طائفية' الآخرين، كطريقة لاعلان النقاء من طائفية 'المكون' الآخر. وتنطبق الصورة، الى حد الاستنساخ، على الساسة والمسؤولين والنواب، سواء كانوا معممين او حاسري الرؤوس، ولا يتسع المجال هنا لكثرة الامثلة التي تحتاج مجلدات للتوثيق. فطارق الهاشمي (نائب رئيس الجمهورية) لايكف عن انتقاد موقف نوري المالكي المنتمي الى 'مكون معين' في تعامله مع 'مكون معين' آخر (مقابلة مع قناة الحرة في الاسبوع الماضي) بينما أنذر نوري المالكي وزراء حكومته (وكأنهم وزراء حكومة بلد آخر) بأن عليهم تحسين اداء وزاراتهم خلال فترة مائة يوم والا (لم يحدث اي تحسن طبعا)، متعاميا عن كونه رئيسا للوزراء ووزيرا لثلاث وزارات اساسية هي الداخلية والدفاع والامن الوطني ورئيسا للقوات المسلحة ورئيسا للقوات الخاصة وقائدا للعمليات الخاصة ومسؤولا عن مكتب يدير حتى بعثات وزارة التعليم العالي. اما صالح المطلك الذي كان لا يكف عن الهجوم على 'العملية السياسية'، فقد تكلست حنجرته منذ ان تم تعيينه نائبا للمالكي، وان استعاد حاسة النطق منذ ايام ليبرر (مقابلة مع الشرق الاوسط) رفضه لاقتراح سحب الثقة من الحكومة، قائلا بان ذلك سيؤدي الى 'المزيد من الابتزاز للمالكي من قبل قوى معينة، ونحن لا نريد وضعه (المالكي) في هذه الخانة'.
ان عمار الحكيم، حاله حال رئيس الوزراء ونائبه والنواب، ليس شخصية معارضة للنظام القائم. انه ليس خارج الحكومة او 'الكيان' او تحالف 'المكونات' او اية تسمية اخرى يتم تبنيها من قبل ذات الوجوه بين الحين والآخر. انه جزء لايتجزأ من عملية الاحتلال السياسية التي تتغدى على تدمير العراق ارضا وشعبا. ومن هذا المنطلق المبدئي علينا النظر الى تصريحاته، كما ننظر الى تصريحات بقية الساسة، وعدم الانشغال بالتفاصيل او التزويق اللغوي مما قد يلهينا عن الموقف الاساسي المدمر. انه ابن المجلس الأعلى للثورة الاسلامية الذي تم تأسيسه في ايران مع فيلق بدر، والذي دخل العراق مع الغزاة ليتقاسم الغنائم مع الداخلين، والمسؤول عن حملة اغتيالات رهيبة بلا قانون او محاسبة. وهو رئيس حزب يمتلك ميزانية مالية كبيرة توفر له من الامكانيات ما يحسده عليها الكثيرون من بقية 'المسؤولين الامنيين والسياسيين'. كما انه، بحكم نفوذه المستند الى استحصال الخمس ووارد الاقتصاد الديني ضمن المؤسسة الدينية الشيعية، لديه امكانيات رئيس دولة وهو قادر على التاثير والتغيير، اذا ما اراد، وليس كما يتظاهر في انتقاده الآخرين كرئيس منظمة مجتمع مدني يستجمع شجاعته لفضح سلوك او سياسة غير مقبولة. فهو (انظرالموقع الالكتروني لرئاسة المجلس الاعلى الاسلامي) يستقبل السفراء الاجانب، من بينهم الاسترالي والهولندي أخيرا، ويزوره سفراء العراق في الخارج قبل سفرهم، ويقوم بزيارات رسمية الى الدول الاقليمية (قطر والبحرين والكويت والاردن ولبنان) بالاضافة الى ارسال رسائل التعازي والتهنئة الى رؤساء الدول الأخرى. أما اذا نظرنا الى تفاصيل حديث ' سماحة السيد 'الحكيم عن افتتاح' اكثر من 72 ناديا من دون تراخيص وموافقات رسمية في منطقة الكرادة وأبو نواس ببغداد، فمن المعروف بين العراقيين ان منطقة الكرادة هي منطقة خاضعة لسيطرة المجلس الاعلى وميليشيا بدر الى حد ان سكان المنطقة لايتجرأون على بيع او تأجير منازلهم الا من خلال وكلاء 'السيد'، وما اكثر وكلاء السيد هذه الايام! فكيف حدث وتم افتتاح اكثر من 72 ملهى بدون علمهم؟ ام لعل الاعتراض لكونها افتتحت 'من دون تراخيص!'، أو لعله تغطية على خلافات وافعال دفعت الحكيم الى القول في احد ملتقياته ملقيا اللوم على البطانة: 'احذر يا مسؤول ان تحيط بك بطانة السوء التي لا تفر الا بمصالحها وكل ما يهمهم كيف ينتفخون ويبالغون في الاستفادة من الفرص'.
ان ساسة الإحتلال، في انخراطهم في لعبة القاء اللوم على الآخرين، الى حد لوم الشعب العراقي نفسه على 'تخلفه' حينا وعلى عدم فهمه لـ'الديمقراطية، حينا آخر، انما يريدون ستر إستعدادهم لبيع ثروات البلاد وتمكين الأجنبي منها، والتملص من مسؤوليات ما يحل بالشعب العراقي، من انتهاك لحق الحياة والعيش بكرامة، الى استغلال المعدمين من الأرامل واليتامى والعاطلين، الى إنهيار الزراعة والصناعة، وتدهور الخدمات والتعليم والصحة. كما انهم يغطون بواسطة حزمة التخويف والدعوات الطائفية والرشاوى استمتاعهم بثمار تحالفهم مع الاحتلال والقوى الاقليمية الأخرى من مناصب واموال وقوة ومشاريع ديمومة بقائهم، لهم ولأتباعهم. انهم يعتقدون أن نظام التملص من المسؤولية في ظل الإحتلال أقوى من أنظمة الإستبداد التي نراها تنهار تباعا في البلدان العربية.