Saturday 5 January 2013

ليكن كل واحد منا محطة تلفزيونية لفضح أكاذيبهم وتعتيمهم

25/03/2011
في البداية، كان جهاز الاعلام الغربي. وضع اساس جدار الصمت مزينا بالوطنية (الصفة الحميدة لهم المذمومة لنا) ومحاربة الارهاب والانتقام من ضحايا الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. لم يعد العراق موجودا الا كحاوية للارهاب والقاعدة. لم يعد المقاوم المدافع عن ارضه وحريته وكرامته غير ارهابي (متمرد بأحسن الأحوال) يستهدف الابرياء! ثم استلم جهاز الاعلام العراقي المؤسس من قبل البنتاغون المذياع ليطلق صوت المظلومية والترويع من الارهاب والقاعدة والبعثيين الصداميين. صار يستدر الدموع عزاء او مادحا انجازات المحتل لقاء 30 دولارا. حسب سعر السوق لكل مقالة منشورة باسم صحافي أو مثقف عراقي. ثم انضم الاعلام العربي ليزيد من ارتفاع جدار الصمت ارتفاعا.
الاعلام الذي انطلق في بداية الاحتلال مدافعا عن كرامة العراق وحقه في التحرير انتابته حالة شلل في النطق بعد ترويعه واستهداف عدد من صحافييه، شهداء الكلمة الصادقة الحرة.
اليوم، بعد مرور ثمان سنوات على الاحتلال، بات جدار الصمت مغلفا حتى لحقيقة ان العراق لايزال محتلا وان الحرب لم تنته. بأعلى اصواتنا نقول: الحرب لاتزال مستمرة. المقاومة ستبقى مستمرة مادام المحتل باقيا ومهما كانت اشكاله ومهما اطلق على نفسه من اسماء وتصنيفات للتسويق الاعلامي. ان التعتيم الاعلامي الغربي والعربي والعراقي (باستثناء بضع قنوات لاتزال تسمي وجود 50 ألف جندي امريكي و 65 ألف مرتزقة و94 قاعدة عسكرية احتلالا) ومنهجية الصمت على قتل المواطنين، هو مشاركة في جريمة لن تغتفر. انه مساهمة في بناء جدار طوله وأرتفاعه حياة مليون مواطن.
ان من يتابع نشرات الاخبار على الفضائيات ومعظم اجهزة الاعلام لن يعثر على العراق، مهما واصل البحث، وكأن العراق وشعبه اختفيا فجأة من خارطة الوجود، وكأن الواقع الثوري العربي لم يعد يتسع للبلد الذي أوقف التوسع الامبريالي في المنطقة، بعدما كان يهدف الى التقدم السريع الى بلدان اخرى ليرسم خارطتها الجديدة. فلم الصمت؟ أخبروني، بالله عليكم، من الذي قتل 4759 جنديا امريكيا وبريطانيا وأعطب مايزيد على 32 ألفا غير المرتزقة، حسب احصائيات البنتاغون كحد أدنى؟ من الذي ساهم في انهيار الاقتصاد الامريكي بعد ان استقبل الشعب العراقي العدو المحتل بمقاومة السلاح بدلا من الزهور والحلوى؟ هل اتفق الجميع، غربا وعربا، على ذبح المقاومة صمتا وتعتيما؟ أم ان العراق هو البلد الاكثر استقرارا في المنطقة، كما بات نوري المالكي ونوابه يروجون وأجمعت اجهزة الاعلام على نقله بالاجماع، كما يقول الشاعر التونسي المنصف المزغني في قصيدة له بعنوان 'ثغاء' : خروف / دخل البرلمان / قال: 'ماع'/ فجاء الصدى: 'اج...ماع'؟
ان الواقع، كما نعرفه، يكذب اجماع الصامتين على الجرائم. فالحكومة العراقية سباقة في احتلال المواقع المتقدمة في المؤشرات الدولية . فهي الأكثر فسادا والأكثر تهجيرا منذ عام 1948، والأكثر اعتقالا وتعذيبا والأسرع في اصدار احكام الاعدام بلا محاكمات عادلة (في سجن الناصرية لوحده هناك 350 محكوما بالاعدام). انها الحكومة التي ترعى رقما قياسيا من المعتقلات 'السرية' والعلنية والقوات الخاصة والميليشيات وفرق الموت وعمليات الاغتيال بالأسلحة الكاتمة. انها الحكومة التي اختارت حماية مصالحها ومصالح المحتل على حساب المواطن وتجويعه واهانته. انها حكومة لايمر شهر بدون ان تصدر المنظمات الحقوقية العالمية تقريرا يدينها بنوع من انواع الجرائم او الانتهاكات. ومع ذلك، تسير اجهزة الاعلام محتمية بجدار الصمت، متظاهرة بعدم القدرة على السمع والرؤية والنطق. لتنتقي ما تريد ان تراه وتصغي لما تريد وتنطق به. تضخم ما تبغي تضخيمه وتقلل بل وتخفي ما تريد اخفاءه. فاسدلت على العراق عباءة تعتيم سوداء. لتخون بذلك، لا الشعب العراقي فحسب، ولكن لتخون نفسها، جوهر عملها، وسبب وجودها، ولتخذل شهداءها.
ولننظر الى التغطيات الاعلامية التي رافقت تظاهرات الشباب في تونس ومصر والبحرين واليمن وليبيا ونقارنها بالتغطية الاعلامية التي صاحبت التظاهرات في العراق. لامجال للمقارنة اطلاقا. ففي الوقت الذي رافقت فيه الكاميرا كل صغيرة وكبيرة تحدث في البلدان الخمسة الاولى الى حد المشاركة الفعلية في ابداء النصيحة واطلاق التوجيهات وتحشيد المشاعر، كما ولو ان ساحات التظاهر قد تحولت الى استديوهات برامج واقع افتراضي، مرت كاميرا الاعلام العربي، خاصة، مرورا عابرا على التظاهرات العراقية التي شملت 16 محافظة من مجموع 18 وأدت الى استشهاد 29 من الشباب والاطفال في الايام الاولى لانطلاق التظاهرات، وكانت وحشية فرق 'مكافحة الشغب' متبدية في حملة الاعتقالات التي طالت عددا من المنظمين الشباب والصحافيين والمثقفين الذين تم تعذيبهم وتهديدهم بالاغتصاب، حسب شهاداتهم بعد اطلاق سراحهم. وقد بلغ شعور الشباب المتظاهرين بالمرارة والغضب من التعتيم الاعلامي الممنهج حدا دفعهم الى توجيه نداءات على الفيسبوك (موقع الثورة العراقية الكبرى مثلا) الى ابناء الشعب لكي 'يظهروا وبالصور والفيديو كل الحقائق التي تبين مطالب الشعب المظلوم والتظاهرات اليومية وقمعها من قبل النظام والتعتيم الأعلامي الكاذب..وليكن كل واحد منا محطة تلفزيونية لفضح أكاذيبهم وتعتيمهم'. واعتبر الموقعون على بيان مشترك صادر عن اللجنة التحضيرية لتظاهرات يوم 9 نيسان المقبل (ذكرى الاحتلال): 'إن الإعلام نصف المعركة' داعين الى العمل، على التحشيد المكثف لتظاهرة كبرى في ساحة التحرير ببغداد، كما حصل قبيل يوم انتفاضة الغضب في 25 شباط/فبراير لتسجيل حضور متميز يستقطب اهتمام العالم مع التأكيد على سلمية التظاهرات و'تجنب التصادم مع القوات الأمنية قدر الإمكان، لأنهم ـ بحسب تجاربنا الفتية في التظاهر ـ لا تعرف سوى لغة القوة المفرطة في التعامل مع أي احتجاج، ومحاولة التعاطي معهم بما يزرع الطمأنينة في نفوسهم، ويدفعهم للتعامل الإيجابي مع المتظاهرين'. وتشير احدى رسائل الفيسبوك على موقع الثورة الكبرى الى نقطة مهمة عند محاولة تلخيص تجربة التظاهرات في الاسابيع الماضية وهي نجاحها في 'إيقاظ الحس الوطني الذي نالت منه العقود السابقة، إما بسبب الأنظمة الحاكمة التي دفعها التشبث بالحكم إلى ضرب هذا الشعور، أو بسبب الإحتلال الذي كان ـ ومايزال ـ يعتقد الا مندوحة عن المبدأ الإستعماري الشهير: فرق تسد، من أجل البقاء، ونهب الثروات' اذ غابت عن التظاهرات الاصوات الطائفية والعرقية والدينية وفضحت، في الوقت نفسه، زيف الساسة وتضليلاتهم وجبنهم حيث لجأوا الى 'التوسل بالأمهات ليمنعن أبناءهن من الخروج في تظاهرات سلمية، والفرار بالعوائل والأموال خارج البلد، خشية من العواقب، واللجوء إلى القمع، وحبس الناس في بيوتهم، وسحب هوياتهم وبطاقات تموينهم، واعتماد الأسلوب الوحيد الذي يتقنونه وهو القتل والإعتقال، وشراء الذمم بالأموال، معتقدين أن الثورة هبة عاطفية، ستهدأ يوما، ولم يدركوا أنها قرار مصيري اتخذه الشعب بملء إرادته، ولا عودة عنه'. ان ما تتعامى عنه اجهزة الاعلام العربية (معظمها منشغل بوصف قصف ليبيا باليورانيوم المنضب أو القاتل البطيء بانه دفاع عن المدنيين) هو ان اصغر تظاهرة في العراق تستحق التبجيل، لا التغطية الاعلامية فحسب، لأنها تظاهرة ضد سلطتين شرستين لا تعرفهما اية دولة عربية اخرى غير فلسطين. المتظاهرون العراقيون يواجهون بنزولهم الى الشوارع والساحات سلطة الاحتلال مالكة أكبر قوة عسكرية في العالم (الموجودة على مبعدة مئات الأمتار فقط من المتظاهرين) وسلطة المستخدمين المحليين الذين دربتهم قوات الاحتلال فارتكبوا من الجرائم، خلال ثماني سنوات، ما عجزت عنه الانظمة القمعية العربية، مجتمعة، خلال عقود من الحكم
.