Saturday 5 January 2013

العراق بلد يحكمه 'مجهولون'

 01/04/2011
قتل، عصر يوم الثلاثاء 29 آذار/ مارس، ببغداد، محمد حسين العلوان، عميد كلية الطب في الجامعة المستنصرية، بانفجار عبوة لاصقة وضعها ' مجهولون' في سيارته. كما قتل ' مجهولون' مفوضا في الشرطة بمدينة الموصل. وكان ' مجهولون' يرتدون الزي العسكري قد احتلوا، في اليوم نفسه ، مبنى مجلس محافظة صلاح الدين، واحتجزوا العشرات من الموظفين كرهائن بداخله. كانت نتيجة تحرير المبنى قتل 70 مواطنا وجرح اكثر من 95 اخرين.
في يوم الاربعاء ، قتل 'مجهولون' امرأة مسنة طعناً بالسكين غرب بغداد. وأفاد مصدر في الشرطة ان 'الهجوم نفده مسلحون يرتدون الزي العسكري وأن المرأة شاهدة في إحدى القضايا الجنائية المقرر أن تعقد جلسة بشأنها يوم الخميس'. في ذات اليوم، قتل 'مجهولون'، يرتدون زيا عسكريا، خمسة أشقاء في بيتهم، في أبو غريب، غرب بغداد. أما في يوم الخميس، فقد قتل ' مجهولون' مدنيا شرق مدينة بعقوبة. وقتل مدنيان على يد 'مجهولين' مسلحين بمنزل في منطقة الزعفرانية جنوب بغداد. ولا تقتصر صفة المجهولية التي باتت سمة مألوفة على منفذي العمليات، بانواعها، بل تمتد، احيانا الى الضحايا. ففي يوم الثلاثاء، مثلا، تم العثور على جثة ' مجهولة الهوية' مصابة باطلاقات نارية في منطقة الرأس والصدر، ملقاة في شرق الموصل. وتمتد صفة المجهولية الى الأماكن والسيارات ، ايضا، حيث غالبا ما يلوذ المجهولون بالفرار الى 'جهة مجهولة'، وهم يستقلون سيارات 'مجهولة اللوحات'. ففي يوم 11 آذار، ' قام 12 مسلحا مجهولا يستقلون سيارتين نوع (كيا واخرى صالون) مجهولتي اللوحات، بالسطو على محل لصياغة الذهب في شرق بغداد'. وغني عن الذكر ان 'اسباب ودوافع الهجوم أو الجريمة أو الجهة التي تقف وراءه' هي مجهولة أيضا.
ويتسع سجل العمليات التي يرتكبها 'مجهولون' لتشمل مجازر واحداثا جسام. ويكفينا ان البحث عن وقائع ارتكبها مجهولون على الانترنت، في العراق الجديد ، ستقودنا الى ما يزيد على الخمسين ألف حادثة وجريمة بعد حذف المكرر منها. من بينها اقتحام مسلحين ' مجهولين' كنيسة سيدة النجاة ، ببغداد ، في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2010، بعد ان فشلوا في السيطرة على سوق الاوراق المالية في المنطقة. وكيف اقتحم مسلحون مجهولون مبنى مديرية السكك الحديد العراقية واختطفوا اثنين من موظفي الشركة، واعتداء مجموعة مسلحه مجهولة على مقر نقابة الصحافيين العراقيين ومقر جريدة ميسان. وكان مسلحون 'مجهولون'، يرتدون زي القوات الحكومية وتقلهم سيارة عسكرية نوع (همر) قد هاجمت البنك المركزي العراقي، وسط بغداد، كما قام 'مجهولون' آخرون بسرقة مصرف (الزوية) في منطقة الكرادة ببغداد وقتل حراسه. ويبدو ان ' المجهولين' لايحبذون التظاهرات السلمية، اذ قام ' مجهولون'، يستقلون سيارات 'البيك آب' الحكومية، مساء 20 شباط/فبراير، بالهجوم على خيمة معتصمين في ساحة التحرير، ببغداد، بالسكاكين والهراوات ومزقوا اللافتات ورفعوا الخيمة من مكان الاعتصام وحطموا أجهزة الصوت التي كانوا ينوون استعمالها في التظاهرة الشعبية، واصابوا عدداً من المعتصمين.
ولا يتسع المجال هنا لسرد ما يقوم به المجهولون ( يطلق عليهم احيانا لقب الارهابيين) في العراق، وان كانت مراجعة وقائع الجرائم والاحداث تدفع الى طرح بعض التساؤلات ، من بينها: كيف يتم تنفيد هذه العمليات والعراق ' الجديد' فيه ما يزيد على النصف مليون جندي وشرطي واستخبارات ( ناهيك عن المخبرين السريين)، بالاضافة الى 50 ألف جندي احتلال امريكي و 65 الف من المرتزقة ( متعاقدو الشركات الامنية) والاعداد الكبيرة من حمايات الساسة والمسؤولين على اختلاف درجاتهم؟ هل من المعقول ان هذه القوات كلها باستخباراتها واجهزة رصدها الجوية والارضية ومعداتها الكاشفة، التي تكلفنا مليارات الدولارات، ونقاط التفتيش التي يتعثر بها المواطنون ، وجدران العزل الطائفي، عاجزة عن القاء القبض او تشخيص هوية 'المجهولين' المتهمين بانهم يعيثون في البلاد فسادا واضطرابا وقتلا أم ان 'المجهولين' هم حكام البلاد وساسته؟
ويأتينا الجواب، منسوجا بدرجات متفاوتة من الكذب والزيف، من المنظومة السياسية الرسمية المهيمنة على البلاد منذ الاحتلال، ليغطي حجم الكارثة ويبعد عنها المسؤولية من قبل البعض ويكشفها من قبل البعض الآخر. ففيما يخص الهجوم على البنك المركزي، مثلا، صرح احد المسؤولين بان الدافع لم يكن السرقة، بل كان لاتلاف مركز الوثائق في البنك الذي يشرف بشكل مباشر على كافة الأنشطة المصرفية في البلاد، بما فيها متابعة تجاوزات الوزارات والمؤسسات الحكومية على المال العام وكشفها. وكان إتلاف الوثائق أيضا ما تسرب عن أهداف الإختطاف الجماعي من قبل ' شرطة مجهولين' بسيارات حكومية لعشرات من موظفي وزارة التعليم العالي، وما يشك بكونه مجزرة بحقهم وإختفاء الأدلة عن تزوير الشهادات وقتها. كما اشارت اصابع الاتهام الى تورط حماية عادل عبد المهدي، نائب رئيس الوزراء، في حادثة سرقة مصرف الزوية في منطقة الكرادة. خاصة وان الاقتحامات تتم باستخدام وسائل وآليات حكومية وفي وضح النهار وبكل سهولة. ماذا عن اقتحام مبنى محافظة صلاح الدين، يوم الثلاثاء الماضي، والسيطرة عليه لعدة ساعات؟ ان المسؤولين الحكوميين الذين استعانوا بالقوات العسكرية الامريكية لا يزالون يتبادلون الاتهامات لتغطية عجزهم أو تظاهرهم بالعجز. اذ أكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية عمار طعمة بأن الهجوم على مجلس محافظة صلاح الدين مؤخراً يؤشر على اختراق واضح للاجهزة الأمنية يدل عليه ادخال المتفجرات الى مجلس المحافظة قبل تنفيد الهجوم، مشيراً الى الخلل في اجراءات التأمين لتلك المؤسسات. و دعا احمد الجلبي ( صاحب الميليشيا المدربة امريكيا) المرشح لتبوؤ مركز وزير الداخلية إلى إعادة النظر في السياسات الأمنية.
فما هي الخطوات العملية التي تم اتخاذها حتى الآن؟ لاشيء خارج نطاق الرطانة الاعلامية. أقصى ما حدث هو اعلان 'مصادر نيابية عن تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة الأسباب'. ليضاف هذا الاعلان الى مئات الاعلانات عن تشكيل لجان تحقيق باتت مثل ملابس الامبراطور، نسمع عنها ولانراها ولا نعرف نتائجها. ويبدو ان نوري المالكي نفسه، لم يعد يصدق نفسه فيما يخص تشكيل اللجان ، فصار يبتدع طرقا جديدة للكذب والتضليل، من بينها اصداره بيانا 'تعهد فيه بالقصاص من قتلة عميد طب المستنصرية لجلب الجناة الى قبضة العدالة لينالوا الجزاء العادل لفعلتهم الآثمة'. وقد تعامى المالكي عن حقيقة يعرفها القاصي والداني وهي ان عميد طب المستنصرية انما هو واحد من قائمة تتألف مما يزيد على الخمسمئة اكاديمي وعالم يتحمل المالكي وحكومته وبقية حكومات الاحتلال مسؤولية تصفيتهم اغتيالا منذ عام 2003 . وانه ببيانه الاستعراضي انما يحاول ابعاد المسؤولية عن نفسه سواء كان مرتكبا للجرائم بيديه او لكونه في موقع يتوجب فيه عليه تحمل مسؤولية حماية المواطنين جميعا. ان القاء مسؤولية الانتهاكات والجرائم المستهدفة للمواطنين على 'مجهولين' بات كذبة عارية عري الامبراطور. ويكفينا ان نصغي الى هتافات المتظاهرين في ارجاء العراق وخارجه قائلين ' كذاب نوري المالكي كذاب'، لنعرف هوية مرتكب الجرائم ' المجهول' ، أو من يعرف تماما هويته.