Monday 14 January 2013

هل ستفتح امريكا سفارة للقاعدة في واشنطن؟

10/02/2012
 منذ ايام نشرت صحيفة 'نيويوك تايمز' الامريكية موضوعا عن قرار الادارة الامريكية بتقليص حجم كادر سفارتها، في المنطقة الخضراء، ببغداد، الى النصف بعد جلاء القوات العسكرية الامريكية. وعزت اسباب القرار الى التكلفة الاقتصادية الباهظة، وحجم الكادر الدبلوماسي الكبير بالمقارنة مع سفارات اخرى تقوم بمهام تجارية ذات مردود اقتصادي اكبر من امريكا (لا ذكر في المقالة للعقود النفطية السخية التي منحت للشركات الامريكية) بالاضافة الى عدد المتعاقدين الامنيين (المرتزقة) الكبير وما يثيره وجودهم من غضب عراقي شعبي، جراء الجرائم والمذابح التي ارتكبوها ونفدوا منها بلا عقاب، كونهم يتمتعون بالحصانة من القانون العراقي (في الوقت الذي تم فيه اعدام 65 عراقيا خلال شهر واحد فقط من العام الحالي). ويبلغ مجموع كادر السفارة من دبلوماسيين ومرتزقة، حاليا، 16 ألف شخص. الا ان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية، سارعت بعد يوم واحد، الى نفي المعلومات التي نشرتها الصحيفة عن تقليص عدد العاملين في السفارة مشددة على أنه 'ليس وارداً تقليص نصف عدد دبلوماسيينا'، وإن أقرت بأن تقليص الطاقم الدبلوماسي هو 'قيد الدرس'. فمن هو 'كادر' السفارة ومدى فاعليته وصحة تقرير الصحيفة؟
ان نشر موضوع بهذا الحجم من قبل صحيفة مثل النيويوك تايمز، يعني ان معظم المعلومات الواردة فيه صحيحة ومستخلصة من مصادر حقيقية. فتكلفة السفارة التي تتجاوز في حجمها دولة الفاتيكان وعدد الدبلوماسيين والمرتزقة، وعزلة كادر السفارة في المنطقة الخضراء خوفا على سلامتهم وفشلهم الذريع بالاحتكاك بالمواطنين العراقيين (باستثناء مستخدميهم المحليين) لأن عموم العراقيين يعتبرونهم مصدر البلاء الذي لحق بالبلاد والعباد، كل هذه الاسباب معروفة ولا يتطرق اليها الشك. كما ان التفكير بتقليص الكادر الدبلوماسي لأسباب اقتصادية وأمنية مفهوم، ايضا، وقد أعلنه الرئيس الامريكي باراك اوباما بنفسه في الشهر الماضي وبحضور القيادة العسكرية. هذه المعلومات تقودنا الى طرح سؤالين. الأول هو حول سبب نفي وزارة الخارجية لما جاء في التقرير والثاني حول طبيعة الكادر 'الدبلوماسي' الباقي في السفارة واماكن اخرى في العراق فضلا عن نوعية مهامه. بالنسبة الى السؤال الاول، اعتقد ان خطة العمل على تقليص عدد الدبلوماسيين سائرة جنبا الى جنب مع الغاء مئات المشاريع، معظمها يرتدي مسوح الاعمار ودعم وتمويل منظمات المجتمع المدني، التي كان يجب ان تستلمها السفارة من القوات العسكرية قبل جلائها، خاصة مع استمرار الهجمات على قوات الاحتلال ومثالها قصف مقر قوات الاحتلال الامريكية، قرب مدينة كركوك، شمال العراق، من قبل جيش رجال الطريقة النقشبندية.
الا ان نشر المقال وما فيه من معلومات جاء قبل موعده المفترض بناء على رغبة وزارة الخارجية بـ'تسريب' المعلومات، ومن بينها نية الغاء الميزانية المكرسة لتدريب عسكريين عراقيين (هل هم من القوات الخاصة الملحقة بمكتب المالكي؟). ان 'تسريب' الاخبار لعبة يتم اللجوء اليها، أحيانا، كمناورة سياسية ازاء حدث معين لقياس ردود الافعال. ولاضرر في نفي الخبر بعد ساعات. هذه المناورة موجهة نحو حكومة نوري المالكي المستشرسة في حملتها ضد القائمة العراقية. مع العلم ان القائمة العراقية كانت موصوفة بانها شريكة في حكومة المصالحة الوطنية حتى يوم 17 كانون الأول (ديسمبر)، عندما الصقت ببعض أهم قادتها صفة الارهاب. وبقي الارهاب لصيقا بها حتى يوم 2 كانون الثاني / يناير حيث أعلن عن عودتها الى 'الحكومة' وانها ستساهم في رسم 'خارطة الطريق للشراكة الوطنية'. وسبب المناورة الامريكية في تسريب الخبر هو التلويح بسحب من تم الاتفاق على بقائهم كمدربين ومستشارين أو خط الحماية الخفي الذي يمكن لحكومة المالكي ارسال نداء الاستغاثة اليه اذا حصل ما يهدد بقاءها. وسحب خط الحماية الخفي هو السلاح الذي أشهرته أمريكا بوجه المالكي لاجباره وحزبه وقواته الخاصة على قبول عودة القائمة العراقية الى الحكومة على الرغم من اتهام عدد من قياديها البارزين ذوي المناصب الحكومية والبرلمانية (الهاشمي والمطلك وسليم الجبوري وحيدر الملا) بالارهاب. ان امريكا تحاول اجبار حكومة المالكي على اعادة متهمين بالارهاب. وهي خطوة قسرية قد تماثل، عند المقارنة افتراضا، اجبار امريكا على فتح سفارة للقاعدة 'الارهابية' في واشنطن بعد هرب احد قادتها من ولاية فيدرالية الى اخرى! وليغفر لي القارىء فانتازيا المقارنة، الا ان عذري هو ان مجرى الامور في الواقع السياسي العراقي، بات متلفعا بالفانتازيا المريرة السوداء.
ولنعد الى العلاقة ما بين كادر السفارة الدبلوماسي والمرتزقة وخط الحماية الخفي، مع التنبيه الى ان خط الحماية هو بالدرجة الاولى والاخيرة لحماية المصالح الامريكية في العراق والمنطقة وليس المصالح العراقية. ان مهام المتواجدين في السفارة على اختلاف مسمياتهم ومراتبهم الوظيفية متشابكة الى حد كبير. فبالاضافة الى الدبلوماسيين، وهم قلة، هناك عملاء المخابرات الامريكية (السي آي أيه) ومسؤولي واعضاء فرق المهام الخاصة، وهم من النخبة العسكرية المدربة على اداء مهام محددة وبعد قيام فرق الاستخبارات بجمع المعلومات وتحليلها، بالاضافة الى المرتزقة. ويعتمد خط الحماية الخفي على استخدام الطائرات بلا طيار التي ازداد الاعتماد عليها، بشكل كبير، في الاعوام الأخيرة، في ثمانية بلدان، اهمها العراق وافغانستان وباكستان. ويؤدي استخدامها الى تقليص الحاجة الى وجود القواعد العسكرية في البلدان المحتلة ما دامت السيطرة الجوية والرصد وتنفيذ عمليات الهجوم السريع، كما الاغتيالات، يمكن ان تتم كلها من قبل ضابط مخابرات او عسكري تقني وهو يشرب القهوة في مكتبه في اية ولاية امريكية او في احد مراكز السيطرة الجديدة في افريقيا مثلا.
ان جلاء قوات الاحتلال الامريكية من العراق بعد الخسائر الفادحة التي ألحقتها المقاومة العراقية به (وهذه حقيقة يحاول الكثيرون التعامي عنها او تجييرها لصالحهم) فرض تبني استراتيجية عسكرية جديدة مبنية على اعادة هيكلة الجيش وتقليص النفقات. مما يعني، بالنسبة الى العراق بقاء سفارة الاحتلال والمرتزقة وفرق العمليات الخاصة وعناصر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (السي آي أيه) مع العمل على زيادة عدد المستخدمين العراقيين بالاضافة الى طائرات الرصد والتجسس والاستهداف بدون طيار، حيث أكدت صحيفة 'واشنطن بوست' يوم 8 شباط/ فبراير، واستنادا الى خطاب الرئيس الامريكي اوباما حول الاستراتيجية العسكرية الجديدة، ان وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حاضرة بقوة في العراق ومن المتوقع أن تحتفظ بوجود كبير وسري في العراق وأفغانستان لفترة طويلة بعد رحيل القوات الأمريكية التقليدية'. وهي خطوة تبنتها ادارة اوباما 'للاعتماد على مجموعة من الجواسيس والعمليات الخاصة لحماية مصالح الولايات المتحدة في مناطق الحرب'. وان مكاتب 'الوكالة في بغداد وكابول ستبقى على الأرجح المراكز الأكبر في الخارج لسنوات مقبلة'، وتبني استراتيجية جديدة اسمها 'الصياد القاتل' وهو أسم أحدث طائرة بلا طيار مجهزة بالصواريخ الحارقة والقنابل المسيرة بواسطة الليزر.
ان هذه المعطيات والتغييرات العسكرية الجوهرية تعني، في الواقع العراقي، اعلان المحتل هزيمته العسكرية وفشل مشروع الاحتلال العسكري وافلاس مستخدميه المنشغلين بالفساد والاقتتال الطائفي . انه يعني فشله ومستخدميه في مد جذوره في بلد اثبت صلابة مواطنيه ازاء كل محاولات التفرقة التي ارادوا زرعها وتنميتها بكافة السبل من المال والسلطة والترويع الى الشرعنة الدينية للطائفية المقيتة، مع الانتباه الى انه لايزال في الطريق متسع لمناورات العدو وخنوع مستخدميه
.