Wednesday 16 January 2013

' السيادة' مسرحية شكسبيرية تعرض بالعراق

10/08/2012
 اثارت زيارة وزير الخارجية التركية الى مدينة كركوك، شمال العراق، بداية الشهر الحالي، ضجة كبيرة تقترب، الى حد كبير، مما تثيره احدى مسرحيات شكسبير. حيث يتميز مسرح شكسبير بتشابك التناقضات الإنسانية. هناك في بعض مسرحياته التراجيديا المقدمة، احيانا، بشكل كوميدي او المفارقات الجامعة ما بين قسوة الواقع وتهريج الشخصيات. وبينما لا تخلو مسرحية من مسرحيات شكسبير من صراع حول مفاهيم انسانية وسياسية تبدو في المشاهد الاولى وكأنها متعارف عليها بديهيا، كالصداقة والوفاء والاخلاص والتضحية، الا انه سرعان ما يتبين من المشاهد والفصول التالية ان ما نظنه بديهيا يحمل معان مختلفة تعتمد على كيفية التعامل معها، من قبل اشخاص مختلفين اجتماعيا وسياسيا. وقد قدم لنا ساسة 'العراق الجديد'، منذ تعيينهم حكاما، العديد من المواقف / اللامواقف التي تصلح كنصوص شكسبيرية وكان الاجدر بهم تقديمها للعرض في موسم المسرح الشكسبيري المقام على مدى العام في بريطانيا. وما ينقص في المسرحية العراقية أنها تخلو حتى من شخصية واحدة تجعلنا نتعاطف معها.
زيارة وزير خارجية تركيا احمد داوود اوغلو الى كركوك، وردود الافعال حولها من قبل ساسة العراق الجديد صارت مسرحية اسمها 'السيادة'. تجاوزت، حتى قبل انتهاء فصولها، مسرحيتا 'سحب الثقة ' و'استجواب' رئيس الوزراء، على الرغم من ان كلا المسرحيتين حققتا ارقاما قياسية حطمت ارقام المسرحيات السابقة على غرار 'استفتاء' و'انتخاب' و'فتح الملفات'. ربما لانها تجمع، في طاقم ممثليها، اشهر نجوم العراق الجديد وأعرقهم خدمة للمحتل بدءا من الطالباني والبارزاني الى الصدر والمالكي والحكيم وعلاوي بين آخرين.
يبدأ المشهد الاول في مسرحية 'سيادة' بزيارة وزير خارجية تركيا الى اقليم كردستان ثم محافظة كركوك الغنية بالنفط، في الاول من آب/ أغسطس. في المشهد الثاني، تعتبر حكومة المالكي ' الزيارة تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية لأنها تمت دون اي تنسيق مع الحكومة الاتحادية ' . في الوقت نفسه، بعيدا عن تصنيع المهاترات بين حكومة المالكي وتركيا، تعيش بغداد وعدد آخر من المحافظات سلسلة تفجيرات مروعة تودي بحياة العديد من المواطنين، بينما يقف مواطنون في الشوارع العامة لأخذ دوش مائي يخفف عنهم ارتفاع درجات الحرارة الى 50 درجة مئوية، وقوالب الثلج ذائبة مثل السراب، وفساد عقود الكهرباء (الغائب المنتظر) يصب في جيوب الوزراء والساسة .
في المشهد الثالث من هذا الفصل الأول: تستدعي وزارة الخارجية العراقية القائم بالإعمال التركي 'مبلغة اياه احتجاج الحكومة العراقية الشديد وتسلمه مذكرة احتجاج دبلوماسية حيث اعتبرت هذه الزيارة استهانة بالسيادة الوطنية'. في المشهد الرابع: تصدر رئاسة اقليم كردستان بيانا تبين فيه: 'ان الوفد التركي الزائر برئاسة وزير الخارجية التركية دخل الاراضي العراقية بعد ان حصل على تأشيرة الدخول 'فيزا' من السفارة العراقية في انقرة'. في ذات اليوم، يقوم 'ارهابيون' باحتلال مديرية مكافحة الارهاب بطريقة يصفها احد الكتاب بانها مهينة لقوات الامن حيث يتم رميهم من نوافذ الدائرة، حسب شهادة مراقبين، ومقارنا ذلك بطريقة تعامل جهاز الامن الهمجية مع متظاهري ساحة التحرير من المواطنين المسالمين.
في الفصل الثاني: يعلن متحدث باسم الحكومة ان مجلس الوزراء قرر عقد جلسة خاصة لمراجعة العلاقات العراقية - التركية في ضوء التطورات الاخيرة، مبينا أن المجلس قرر تشكيل لجنة حكومية للتحقيق بشأن ملابسات زيارة وزير الخارجية التركية احمد اوغلو الى كركوك. اثناء ذلك، تقوم فرقة خاصة تابعة لمكتب 'القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي' باعتقال مدير دائرة مكافحة الارهاب التابعة لوزارة الداخلية بعد ايام من الهجوم، بينما يلقي المالكي خطابا يعلن فيه مفارقة مذهلة عن 'نهاية الارهاب في العراق وان ما تبقى هو مجرد فلول تبحث عن ثغرة'.
في الفصل الثالث: تتداخل تصريحات النواب واداناتهم واحتجاجاتهم، من 'مختلف القوائم والمكونات والأطياف'، حول انتهاك السيادة والدفاع عن السيادة والاستهانة بالسيادة الوطنية. ولم لا وهم يقبضون راتبا بمعدل ألف دولار للدقيقة الواحدة ويسكنون مجانا في أرقى فنادق بغداد . ولايقومون بخدمة المواطن بل يقضون جل وقتهم مـتآمرين ضد بعضهم البعض وضد المواطنين ان لم يكونوا خارج العراق في ايفادات بلا حدود. في الفصل الرابع والاخير: يقف مقتدى الصدر (أعزه الله) على منصة، ليوضح سبب اختفائه في الفترة الاخيرة عن ساحة المناوشات الاعلامية، فيخبرنا انه كان مشغولا بكتابة مذكراته، وعنوانها: 'صفحات من الهدف النبيل من زيارة أربيل. . مذكراتي فيما يخص زيارة أربيل وتداعياتها'. وبصوت ينضح بالأسى يبين سماحة السيد تفاصيل ذهابه الى طهران ولقائه بالمالكي هناك (وكأن العراق بلا قاعات لائقة بهما تصلح للقاء)، قائلا: 'حينما جاءني خبر زيارة المالكي إلى طهران توقعت أنْ يكون هناك طلب من المسؤولين في طهران لِلّقاء به بصورة أو بأخرى... وأنا على علم ويقين بأنَّ هذا الطلب جاء على رغبة من المالكي نفسه* إلا انهم اعني (المالكي + طهران) لا يريدون أنْ يبُيّنوا أنَّ من أراد اللقاء هو المالكي ' . ويستطرد السيد في قراءة مذكراته لقدم لنا مفهوما جديدا للسيادة الوطنية، كما يراها ساسة العراق الجديد وعلى راسهم المالكي، قائلا: 'ولا يفوتني أنْ أخبركم أنّ هذا اللقاء كان في بدايته بحضور الوفد المرافق لي ...إلا انّ الوفدالمُرافق لي خرج ولم نبقَ إلا أنا والسيد مصطفى اليعقوبي والشيخ الزهيري إضافة إلى (ضيف الشرف) وهو المالكي. وكان في بعض فترات اللقاء يتواجد: قاسم سليماني. وهو قائد فيلق القدس في إيران، بل وخارجها أيضا...!!
وفي نهاية المطاف أو اللقاء أخبرتُ المالكي بأنني سأذهب إلى اربيل أو كردستان فهل من حاجة أُبلغها لهم لتقريب وجهات النظر. فما كان جوابه إلا مصحوباً بتأييد قاسم سليماني: بأنْ لا تذهب فذهابك فيه مُخاطَرَة أمنية وإضعاف شعبي. وقد وصفوا الأكراد بوصف لا أريد ذكره هنا.. '.
هنا ينتهي مقتدى الصدر من التأكيد على انه لم يصغ الى نصيحة قاسم سليماني قائد فيلق القدس الحاضر في اجتماعه 'الخاص' مع المالكي وان لم يوضح لنا لماذا لم يرفض هو حضور شخصية استخباراتية بارزة لدولة اجنبية في لقاء خاص يجمعه ورئيس وزرائه ليتباحثا في شأن خاص بالعراق!
حال انتهاء الصدر، يقف المالكي على منصة بعينين نصف مغمضتين تأثرا لما لحق سيادة العراق من 'التدخل التركي' فيقول انه 'ليس من مصلحة تركيا او اي جهة اخرى الاستهانة بالسيادة الوطنية وانتهاك قواعد التعامل الدولي وعدم الالتزام بابسط الضوابط في علاقات الدول والمسؤولين'.
في نهاية 'سيادة'، المسرحية العراقية الشكسبيرية، وبينما يواصل المالكي ومقتدى الوقوف على منصتيهما ومع تداخل صوتيهما بقراءة الاكاذيب او التستر على الاكاذيب، يقف الراوي على طرف المسرح، ناظرا اليهما وهو يسرد قائمة انتهاكات السيادة الوطنية الطويلة في ظل الاحتلال بدءا من 'زيارات' جورج بوش وتوني بلير ووزرائهما المفاجئة متى ماشاؤا واينما ارادوا وانتهاء باقتطاع الاراضي وسرقة النفط وانشاء التحصينات جنوبا والقصف الايراني والتركي شمالا
.