Saturday 5 January 2013

المرأة في العالم العربي من السفور لانتفاضات ساحات التحرير

27/05/2011
 
ان مشاركة المرأة، في انتفاضة البلدان العربية ضد الإستبداد بنوعيه الجمهوري والملكي، في الشهور الأخيرة، ليست وليدة عام 2011 وليست ابنة الفيس بوك، على اهمية هذا التوقيت وهذا العامل. انها أبنة الخطوة الأولى وما تلاها، في مسيرة تحرير يقارب طولها الزمني المائة عام، غطت بنشاطاتها وانجازاتها كل الدول العربية، مع بعض التفاوت في درجة التسارع والنضوج.
ان مشاركة المرأة في مظاهرات واعتصامات ساحات التحرير في طول البلاد العربية وعرضها استمرارية لتلك الروح الرافضة للعبودية والاستبداد التي دفعت المرأة الى النهوض في عشرينيات القرن الماضي مطالبة بتحرير الوطن من قيود الاستعمار هادفة، في الوقت نفسه، الى تحرير الذات (الذكورية والانثوية) من تكبيل التقاليد والموروثات المجتمعية الثقيلة، المتلفعة غالبا بالاديان وسلطة المجتمع الأبوي. ولكي نفهم طبيعة وديناميكية ما يجري الآن من انتفاضات تطالب بالاصلاح والعمل على التغيير الشامل لابد وان نعود الى تلك المرحلة الأولى، التي تم توثيقها بشكل رائع في كتاب 'النساء العربيات في العشرينيات حضورا وهوية'، الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية وتجمع الباحثات اللبنانيات، وتكونت لجنة تحرير الكتاب (574 صفحة) من جين سعيد مقدسي، نازك سابا يارد، وطفاء حمادة ونهى بيومي. يأخذنا الكتاب، وهو نتاج مؤتمر نظمه تجمع الباحثات سابقا، في رحلة بحث الى مرحلة (وهنا بعض وجه التشابه مع ما يجري حاليا) شكلت 'مفصلا تأسيسيا للحداثة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية' مع ملاحظة قلة الدراسات المنشورة عن تلك المرحلة، فيما يخص مساهمة المرأة على الرغم من 'تبلور الكتابات النسائية الادبية والفكرية .. في بلاد الشام ومصر بالذات، كما تكاثرت الصالونات الأدبية، وبرزت ظاهرة المؤتمرات النسائية المحلية والعربية والدولية'. وتشير الصحافية انعام كججي في فصلها عن المرأة العراقية الى هذه النقطة بالتحديد قائلة: 'لقد اعتنى المؤرخون الأفاضل بأن يسجلوا لنا وقائع دخول زراعة البامية الى العراق... لكنهم لم يتوقفوا طويلا، ولا قصيرا بالأحرى، عند أحوال النساء في البلد'.
ولاننا نعيش مرحلة تغيير الواقع الراكد، الى حد تذكيرنا بالعقد الاول من القرن العشرين، جذبني من بين محاور الكتاب المتعددة (المصادر، القوانين، بين الخاص والعام وثنائية شرق/ غرب)، محور اشكال المقاومة. حيث ساهمت المرأة في مقاومة الاوضاع السائدة، بضمنها الدينية احيانا، بالاضافة الى مقاومة الجهل والمطالبة بالتعليم، في بيئة كانت تتخوف من التعليم معتبرة ان 'المرأة اذا تعلمت أدى تعليمها الى مضار شتى'، كما جاء في ورقة فاطمة الزهراء قشي عن المرأة الجزائرية. واقترح اعضاء مجلس المعارف في ولاية بغداد في بداية القرن العشرين، ان تتوفر لمبنى مدرسة البنات شروطا من بينها: الا تطل شبابيكه على الشارع والا تشرف عليه دار مجاورة ولا اشجار عالية خشية ان يتسلقها رجل وتقع عيناه على الطالبات. وهذه شروط معروفة في بعض بلدان شبه الجزيرة العربية في بداية القرن الواحد والعشرين. وتنقلنا مثل هذه الحجج، لمنع مشاركة المرأة في الحياة العامة، الى ساحة التحرير في قلب القاهرة، لنستمع الى شابة ساهمت في الاعتصام المستمر لتعلق على التفرقة بين الرجال و النساء قائلة: 'قالوا لنا ان تفرقة جنسية تزاول هنا لكننا لم نلحظ شيئا من ذلك'. وبعد أن كان التحرش بالنساء مشكلة سائدة في الشهور السابقة للثورة المصرية في كانون الثاني / يناير 2011، إختفى تماما في أثناء الثورة. وفي هذه الظاهرة أهم دليل أن النضال الشعبي هو أيضا إستعادة للقيم الأنسانية الأهم، مثل الاحترام، والمساواة، والعدالة.
واذا ما انتقلنا الى البحرين الذي يشهد، هو الآخر، انتفاضة شعبية قوبلت مشاركة المواطنين فيها بالقمع، لوجدنا ان الحياة، في العشرينيات، كانت تقليدية راكدة بحكم الوضع الاقتصادي والجغرافي، وكان لبعد دول الخليج عن عرب البحر المتوسط، تاثير انعزالي، حسب ورقة منيرة احمد فخرو. وان كانت هناك بدايات متعثرة للخروج من ذلك الوضع من خلال التعليم. حيث بدأ اتصال عرب الخليج بعرب المشرق عن طريق المعلمين الذين اتوا من العراق وسورية بداية.. بهذا الصدد تقول فخرو: 'يذكر ان مدير مدرسة للبنين، الذي قدم من بلاد الشام، عرض فكرة افتتاح مدرسة للبنات على الاهالي، فقامت قيامتهم وراح رجال الدين المتعصبون يهاجمون المشروع 'الفاسد' من على منابر المساجد وفي الاسواق والمجالس... بحجة ان الفتاة التي تتعلم القراءة والكتابة ستستطيع كتابة الرسائل الغرامية الى حبيبها'. ولم تبدأ، في دول الخليج، انشطة مماثلة لنساء المشرق الا في بداية الخمسينات ليعطي ثماره، نتيجة الدراسة، في السبعينيات.
وتوضح بيان نويهض الحوت في ورقتها عن المرأة الفلسطينية بان انطلاقة المرأة الفلسطينية حدثت في الثلاثينيات وليس العشرينيات كمثيلاتها في لبنان وسورية ومصر مثلا. وان المخطط الاستعماري الاستيطاني الذي استهدف فلسطين جعل نضال المرأة متميزا عن غيره، مع تأكيدها على تهميش دورها في المصادر الموثقة والمؤلفات التاريخية. الى ان باتت كتابات المرأة نفسها هي المصدر.
وتؤكد دلندة الأرقش، في ورقتها عن المرأة التونسية (التي استهلت مع رفيقها الرجل الربيع العربي)، على النقطة ذاتها، قائلة: 'ان الكتابات الاولى حول وعي المرأة التونسية ودورها في التاريخ الوطني وضعتها اقلام نسائية افرزتها حركات تحرر المرأة في الستينيات والسبعينيات'. وكان 'ميلاد التعبير عن الذات النسائية' عبر الاعلان الرمزي والفعلي حين وقفت منوبية المنشاري على منبر جمعية الترقي الادبية وهي سافرة، في العاصمة تونس، وبحضور جمع كبير من الحاضرين يوم 15 كانون الثاني/يناير 1924، مطالبة 'بتمكين المرأة المسلمة من حقوقها وبضرورة رفع الحجاب عنها والارتقاء بمستواها الفكري والاجتماعي عبر التربية والتعليم.
وبينت ان ذلك ليس منافيا لتعاليم القرآن. وان الوضعية التي كانت عليها المرأة المسلمة بما فيها من جهل وانزواء لست سوى نتيجة تمسك المجتمع الابوي بظاهر النص القرآني تاركا الاصول جانبا'. والمفارقة هي اننا لانزال نعيش، في مجتمعاتنا ذات الاشكالية التي ظننا، باننا في سيرورة تجاوزها منذ عقود. فلا يزال النقاش يدور حول السفور والحجاب، خاصة بعد ان أكتسب الحجاب، حاليا، قدسية الرمز الديني اكثر منه مجرد موروث مجتمعي.
وقد حدث أن تراجعت بعض حقوق المراة المصرية القانونية اليوم عما كانت عليه في السابق، فتقارن أميرة سنبل في ورقتها 'بين النظام القانوني وتطبيقاته قبل قوانين الاصلاح، وبين التغييرات التي أدخلت عليه ابتداء من القرن التاسع عشر، لتظهر ان القوانين التي كانت تطبق قبل الاصلاح كانت أعدل بالنسبة الى المرأة ... وتديين قوانين الجندرة الجديدة اصبح اساسا لتهميش المرأة وحرمانها من حقوق الاختيار التي تمتعت بها من قبل'.
وقد استعادت ثنائية الشرق/ الغرب (لعل من الاصح تسميتها ازدواجية) مكانتها في مقدمة العوامل المؤثرة على اوضاعنا عموما، بعد ان بات الخطاب الغربي التوسعي صريحا في سياسته 'اما ان تكون معنا او ضدنا'. وكان للغزو الامبريالي للعراق واحتلاله بحجة 'الحرب على الارهاب' و'التدخل الانساني'، بمساعدة نسويات استعماريات، تداعيات مريرة بتنا نلمسها أكثر فأكثر منذ ان اختارت امريكا وحلف الناتو استخدام ذريعة 'التدخل الانساني' لقصف ليبيا للتخلص من النظام الليبي، بعد مرور بضعة شهور على تدريبه قوات ذات النظام وبيعه السلاح. وها هي المرأة العراقية التي تذرع الغرب بـ'تحريرها' تتظاهر وتناضل، جنبا الى جنب مع رفيقها الرجل، للتخلص من النظام الذي تعاون مع الاحتلال وشرعن وجوده.
ان نشاطات المرأة الرائدة في عشرينيات القرن الماضي، كما يثبت الكتاب / المصدر، من خلال معالجة تجمع ما بين التحليل العلمي والتوثيق والاضاءة لجوانب، طالما تم تهميشها، هي التي ارست الارضية المادية والاجتماعية لظهور سلوكيات جديدة من قبل النساء وتجاههن. وهي التي شكلت الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل التي أنارت ساحات التحرير في بلادنا