Saturday 5 January 2013

ابناء ناظم كزار لايزالون في العراق

03/06/2011
منذ اسبوعين وأجهزة الاعلام العراقية وبعض العربية بالاضافة الى المواقع الالكترونية (من بينها مواقع جادة)، تتناقل خبرا وشريط فيديو بثته قناة العراقية الرسمية، يوم السبت الماضي. وتستحق طبيعة شريط الفيديو وكيفية اخراجه وتناقله عبر وسائل الاعلام وما سبب من ردود افعال سياسية وانعكاسات ذلك على القضاء، وقفة من باب التساؤل والتمحيص، تشجيعا للبحث عن الحقيقة ودفاعا عن حق المواطن المتهم في الدفاع عن نفسه امام قضاء عادل مستقل، خاصة اذا ما كان موقف الكسل واللامبالاة الاعلامية فضلا عن المناورات السياسية يتعلق بحياة انسان.
ولنبدأ اولا بالجهة التي بثت الخبر والفيديو ومصدرهما. القناة التلفزيونية هي العراقية، وهي القناة الرسمية الناطقة باسم حكومة الاحتلال، المستخدمة لتسويق سياستها وتزويق افعالها. اي انها ليست مصدرا مستقلا وموثوقا به. لذلك يصبح من اولويات واجب الصحافي المستقل والمشاهد الواعي، النظر بعين الشك الى ما تبثه وعدم اعتباره مصدرا وحيدا للخبر (هل نصدق حراميا يتحدث عن الأمانة؟) بل التأكيد على اهمية التساؤل والبحث عن مصادر اخرى تؤكد او تنفي الخبر قبل تناقله. فما هو الخبر، وما الذي قدمه شريط الفيديو؟
الخبر هو عن اعتقال عدد من اعضاء تنظيم الجيش الاسلامي، ويبين شريط الفيديو اعترافات اثنين منهما. وكان الشريط قد عرض اولا (وهي ممارسة باتت مالوفة)، يوم الجمعة 27 ايار/مايو، في مؤتمر صحافي عقده اللواء قاسم عطا، آمر قيادة عمليات بغداد. 'الارهابي' الأول هو فراس حسن فليح، من مواليد عام 1978، ولديه شهادة بكالوريوس علوم سياسية جامعة بغداد وماجستير من معهد التاريخ العربي ورئيس منظمة لحقوق الإنسان، تعنى بمتابعة وتوثيق حال المعتقلين في السجون والمعتقلات، بالاضافة الى كونه أحد الناشطين في تظاهرات ساحة التحرير، اي انه يحمل كل مواصفات 'الارهابي' المطلوب من قبل حكومة الاحتلال. يخبرنا فليح في الفيديو الذي لم يتح لأية جهة مستقلة التأكد من مصداقيته: 'انتميت الى تنظيم الجيش الاسلامي في العام 2005، وقمت بأول عملية عندما فجرت عبوة ناسفة في جسر المثنى وذلك بتكليف من مسؤول التنظيم ابراهيم نجم عبود وتسببت بسقوط ضحايا من عناصر الجيش'. ثم يواصل، بذات الجمود الآلي، سرد تفاصيل قتل جماعي استهدف موكب زفاف في منطقة التاجي، شمال بغداد، عام 2006، راح ضحيته 70 قتيلاً من النساء والرجال والاطفال، وتم خلاله اغتصاب العروس (داخل قبو في مسجد) بعد اصدار 'فتوى بذلك من قبل المفتي الذي يكنى بابي ذيبة وهو مصري الجنسية' وتلا ذلك القاء 15 طفلا في النهر. واعترف حكمت فاضل ابراهيم الذي بدا مرعوبا متلعثما مكررا مفردة 'سيدي' بين كلمة وأخرى، بارتكاب عدد من الجرائم من بينها حرق عدد من باعة قناني الغاز.
ولتوضيح 'الاعترافات' واكسابها المصداقية قامت 'العراقية' باستضافة اللواء قاسم عطا. واللواء عطا (لندع جانبا كيفية حصوله على رتبة لواء)، معروف بين ابناء الشعب بالتصريحات الكاذبة والمؤتمرات الصحافية التي تنظم فيها عروض 'الاعترافات' بالكيلو، وهو أحد الذين تنطبق عليهم، باستحقاق، اغنية 'كذاب نوري المالكي كذاب' التي باتت شعارا للمتظاهرين في ساحة التحرير وارجاء العراق. وقد ركز عطا جهوده 'الأمنية'، أخيرا، لا على حملة الاغتيالات بكواتم الصوت التي طالت المئات ولا على تفجير السيارات المفخخة، بل على استهداف المتظاهرين والمعتصمين في ساحة التحرير ببغداد. فكانت حملات الاعتقال والتعذيب والترويع للشباب بتهم يستلها اللواء عطا، كالحاوي، من سلة مليئة بالتهم الجاهزة وتتراوح ما بين تزوير الهويات والارهاب وعضوية تنظيم القاعدة او البعث الصدامي. ومن يراجع ايام التظاهرات منذ بداية شهر شباط وحتى اليوم سيلاحظ كم كانت قوات أمن بغداد نشطة في اعتقال وتعذيب منظمي التظاهرات السلمية المطالبة بتوفير الخدمات وفرص العمل والقضاء على الفساد في أجهزة الحكومة. من اوائل المعتقلين كان منتظر الزيدي رامي (بوش بالحذاء)، ثم عدي الزيدي، منسق أهم إئتلاف وطني معاد للطائفية والأثنية في مظاهرات الإحتجاج من الموصل الى البصرة، والذي خرج من معتقل اللواء عطا الى المستشفى مباشرة بسبب التعذيب. كما تعرض المعتصمون في ساحة التحرير لهجوم شنه 90 مجهولاً يحملون العصي الكهربائية والسكاكين ويغطون وجوههم ويرتدون ملابس مدنية سوداء، مما ادى الى إصابة واعتقال عدد من المعتصمين.
وكان نوري المالكي في بداية موجة الإحتجاجات قد اصدر حكمه على المتظاهرين المسالمين بالارهاب وعضوية القاعدة والتفجير والاحزمة الناسفة (كما في اشرطة الاعترافات) حتى قبل نزولهم الى الشارع، اذ قال المالكي في خطاب عبر قناة 'العراقية': 'أدعو إلى عدم المشاركة في مظاهرة الغد لأنها مريبة... ان من يقف خلف المظاهرة الصداميون والإرهابيون والقاعدة'. ان تصريحا كهذا يعني اصدار الحكم الرسمي باعدام منظمي التظاهرات وشرعنة تنفيذ العقاب بالمتظاهرين. وفعلا تحقق ذلك، حيث قتل (الأصح القول اعدام) 29 متظاهرا بينهم طفل. واعتقل نحو ثلاثمئة شخص فيهم صحافيون وفنانون ومحامون بارزون كطريقة للترهيب.
ومن المفيد قراءة البيان الذي اصدره اعلاميون وناشطون في مجال المجتمع المدني أثر اعتقال اربعة صحافيين يعملون في صحف رسمية أو مؤيدة للعملية السياسية على الأقل، بالاضافة الى شهادة صحافيين (ميدل ايست اون لاين 26 / 2/ 2011) لفهم واقع ما يتعرض اليه معتقل مثل رئيس منظمة حقوق الانسان فراس حسن فليح وكيف ينتهي به الحال معترفا بكل الجرائم التي يريد منه الجلاد الأعتراف بها. جاء في البيان انهم تعرضوا 'الى ابشع انواع التعذيب من قبل عناصر استخبارات الفرقة 11 واجبروا على التوقيع على اوراق لا يعرفون محتواها'. وقالوا إنه تم تكبيلهم وتعصيب أعينهم وضُربوا وهددوا بالإعدام من قبل جنود في وحدة الاستخبارات العسكرية. وقال الصحافي والشاعر حسام السراي (المسؤول الثقافي في الصباح الجديد)، في وصفه لمئات المحتجين الذين كانت رؤوسهم مغطاة بقلنسوات سوداء في السجن إن 'الأمر كان أشبه بالتعامل مع عملاء للقاعدة وليس مجموعة من الصحافيين'. أما المسرحي هادي المهدي فقد اكد تعرضه الى 'صعقة كهربائية وللتحقيق اربع مرات، وسط اهانات وشتم بذيء'. وقال ان 'المحققين حاولوا اجباري على الاعتراف باني احرض على اسقاط النظام وحاولوا اجباري على التوقيع على اعترافات تؤكد انني ممول من البعثيين'.
هنا نتساءل عن ادلة الاثبات التي قدمها اللواء عطا ضد فراس فليح في هذه المسرحية نهاية شهر ايار/مايو. يقول عطا بان سلطات الامن 'عثرت على عشرات الهويات المزورة في منزلين يعودان إلى فليح.. وعلى تسجيلات فيديو يوثق فيها الجرائم التي ارتكبها.. وان فليح تمكن من الالتقاء بسياسيين ورجال دين بحكم عمله في المنظمة الحقوقية، وقد تم العثور في منزله على صور وهو يصلي فيها الى جانب علماء دين، كما كان من الوجوه التي تكرر الحضور في ساحة التحرير للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين'. كما هو واضح تصب الاتهامات الاخيرة في صالح فليح. ونحن نعلم جميعا بأن منظمات حقوق الانسان المستقلة تبذل اقصى جهدها لتوثيق جرائم الاحتلال بواسطة الصور والتسجيلات وبيانات المعلومات، مما يعرض حياة مسؤوليها الى الخطر. ولا تزال جريمة اغتيال الدكتور عصام الراوي، رئيس رابطة التدريسيين الجامعيين، الذي عمل على توثيق عمليات اغتيال مئات الأساتذة والكفاءات العلمية العراقية. اما بالنسبة الى الهويات المزورة فان عطا كان قد استخدم التهمة نفسها يوم 13 / 4 (السومرية نيوز)، عندما اعلن عن اعتقال ' جماعة مسلحة جديدة تحمل اسم حركة التغيير الوطني العراقي ...ووجدت بحوزة أفرادها أسلحة وهويات مزورة'. وادى اعتقال اربعة شباب من منظمي التظاهرات، يوم الجمعة الماضي، بواسطة سيارة اسعاف واقتيادهم الى جهة مجهولة، الى اثارة حملة استنكار عالمية ضد حكومة المالكي وأكاذيبها بصدد حرية التعبير. أما بالنسبة الى اعضاء مجلس النواب فبدلا من العمل، كما هو مفترض، لتحقيق العدالة لذوي الضحايا والمتهمين معا حسب قاعدة ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته، نراهم يزايدون على المالكي وعطا في اصدار احكام الاعدام الاستباقية وبشكل وحشي. فهاهي شذى العبيدي، النائبة عن التحالف الوطني، تطالب 'أن يعدم هؤلاء القتلة في ميدان عام امام العالم'. وحذر رئيس لجنة حقوق الانسان في مجلس النواب سليم الجبوري من ان اللجنة ستتخذ موقفًا حازماً 'في حال عدم تطبيق القانون بصورة صحيحة على المجرمين'. ودخلت ابتهال الزيدي، وزيرة الدولة لشؤون المرأة، على الخط مطالبة بـ'إنزال القصاص العادل بهم بأسرع وقت'.
ان ما يقوم به المالكي وحكومته وقواته الخاصة وقوات أمن بغداد من اعتقال وتعذيب وتسجيل اعترافات انما يثبت انهم ليسوا ابناء اوفياء لناظم كزار وزبانيته الذين طالموا مارسوا الافعال ذاتها في قصر النهاية فحسب ولكنهم تفوقوا عليه ليرتقوا الى مستوى سادتهم في غوانتانامو. وهذه شهادة ممن تعرض للتعذيب في قصر النهاية على يد شلة كزار قبل أكثر من ربع قرن. أن إنصاف الضحية قد يتحول من مبدأ إنساني الى إنتقامية أكبر لتخريج جلادين أشد قسوة وشراسة (وهذا مانراه الآن) عند السقوط في دوامة غياب الصدق والعدل والإنسانية. أما اعضاء البرلمان العراقي المطالبين باعدام المتهمين، حتى قبل محاكمتهم، في الميادين العامة، فان أخشى ما أخشاه ان تطالهم نداءات مماثلة، ذات يوم، لتلتهمهم دائرة العنف والانتقام التي يساهمون في تغذيتها ويدفعون بلادنا اليها