Thursday 17 January 2013

استراتيجية العنف والاتفاق الامريكي الايراني على العراق

08/06/2012
 اعادت التفجيرات المريعة الاخيرة للاماكن الدينية والامكان المزدحمة بالناس، ببغداد، وسقوط الضحايا الابرياء، الى الأذهان مقولة الجنرال دافيد بترايوس، الحاكم العسكري السابق للعراق، والذي ساهم بشكل رئيسي في اعادة هيكلة الدور العسكري لامريكا ضمن استراتيجية 'مكافحة التمرد'، وهي: 'نحن بحاجة الى العنف المستديم في العراق' لاحكام السيطرة.
فكيف يتم ذلك؟ هل من خلال القواعد العسكرية وبعضها لا يزال موجودا في العراق او اخرى على مبعدة دقائق في قطر او من خلال المرتزقة (مستخدمي الشركات الامنية) والمستشارين وفرق العمليات الخاصة وعملاء السي آي أيه (المخابرات المركزية الامريكية) والغطاء الاستخباراتي الجوي بواسطة الطائرات بلا طيار؟ بالتأكيد، بواسطة هذه الطرق كلها ولكن نجاحهم او تحويلهم البلد الى الجحيم الذي هو عليه الآن ما كان ممكنا لولا توليفة الساسة العراقيين الذين لا معنى للسيادة الوطنية لديهم وبالتالي حولوا البلد الى حلبة صراع وعنف مستديم لصالح كل الاطراف، بضمنها أهم طرفين متنازعين على غنيمة العراق وبغض النظر عن الاسباب اقتصادية كانت أو دينية.
اذا كان هناك من مكان يتفق فيه الشيطان الاكبر (التسمية الدعائية الايرانية لأمريكا) مع احد اطراف محور الشر (التسمية الدعائية الامريكية لايران) فهو العراق. او على الاقل، هذا ما اخبرنا به الناطق باسم المجلس الاعلى الاسلامي عبد الحميد معلة، يوم الاثنين الماضي، قائلا أن 'السفيرين الايرني حسن دانائي فر والامريكي كريستوفر هل في بغداد أبلغا السيد عمار الحكيم رغبتهما بالتهدئة في العراق'. والسيد عمار الحكيم (دام عزه)، هو سماحة حجة الاسلام والمسلمين، رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي الذي جددت الهيئة العامة للمجلس انتخابه، في الشهر الماضي، رئيسا لها. وسماحة السيد (دام الله ظله) متحدث بارع، وناجح في جذب المريدين الى مجلسه الاسبوعي حيث يخاطبهم بما يمسهم، وهو، حسب وصف احد مريديه 'رجل صادق العهد، شديد على الباطل، متعود على قول الحق مهما كانت النتائج'. وسبب لجوئي الى تقديم سماحة السيد بهذه الطريقة له علاقة بما صرح به الناطق الرسمي نقلا عنه، حول موقف البلدين (العدوين) أمريكا وايران من العراق. اذ قال عبد الحميد معلة إن السفير الايراني 'دانائي فر أبلغ الحكيم أن الاوضاع في المنطقة لا تحتاج الى تصعيد في العراق'. وواصل تصريحه قائلا: ان السفير الامريكي 'كريستوفر هل ابلغ الحكيم، ايضا، بضرورة تهدئة الاوضاع في العراق'. واوضح معلة ان 'الموقفين الامريكي والايراني متطابقان بشأن اجراء الاصلاحات في العراق'. ولم يخبرنا معلة عن نوعية الاصلاحات وكيفية اجرائها، وان كان الجو العام يشير الى ان الطرفين، قد يلتقيان للتباحث بشأن الاصلاحات او يمرر برامجهما 'الاصلاحية' عبر وساطة سماحة السيد (دام عزه) الذي يبدو وكأنه بقلبه الكبير قد سامح ' الشيطان الأكبر' الذي اعتقله وأهانه سابقا . ولم لا ؟ لم لا تتطابق مواقف ايران مع أمريكا حول العراق؟ ألم يتم عقد اجتماع مجموعة الدول الكبرى '5+1' مع إيران لبحث الملف النووي الإيراني، يوم 23 ايار/مايو، ببغداد، وسط تفاؤل ساسة ظل الاحتلال في ان يلعب العراق 'دورا كبيرا في تقريب وجهات النظر بين إيران والولايات المتحدة'؟ وكان سماحة السيد من المتفائلين خيرا بحل الازمة بين امريكا وايران متناسيا عن حقيقة ان العراق، أرضا وشعبا، متنازع عليه من قبل البلدين لحل خلافاتهما وان الثمن الباهظ يدفعه المواطن العراقي ماديا (اجتماع (5+1) لوحده كلف العراق ملياري دولار) وبشريا جراء نشاطات الفرق الخاصة التابعة للبلدين والمتمددة في طول البلاد وعرضها، مع غياب القانون والمساءلة وتسفيه معنى السيادة الوطنية.
وكأن صراع البلدين على الارض العراقية غير كاف، وكأن ما جلبه الاحتلال من ارهاب ومرتزقة وقاعدة غير كاف، وكأن ما لدينا من مراجع وآيات الله وشيوخ وعلماء دين ووكلاء علماء دين غير كاف، وكأن فتاوى آيات الله (دام ظلهم جميعا) وفتاوي الشيوخ وباحدث الطرق على مواقع الانترنت واليو تيوب غير كافية، ها نحن نتلقى فتوى من المرجع الديني آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري، يوم الأحد الماضي، يحرم فيها التصويت لصالح العلمانيين المشاركين في العملية السياسية. وتصب هذه الفتوى من قبل المرجع المقيم في 'قم المقدسة'، حسب موقعه على الانترنت، في ذات مجرى 'الاصلاحات' في العراق. اذ جاء ذلك في رد للحائري على سؤال من احد أتباعه بشان الأزمة التي يمر بها العراق حاليا وجواز التصويت إلى جانب القوى العلمانية تحت ذريعة المصلحة العامة أو غيرها من الذرائع. وقال الحائري في رده: 'يحرم التصويت في أي مرفق من مرافق الحكم العراقي إلى جانب إنسان علماني'. والمعروف ان السيد الحائري، المقيم في إيران، هو المرجع الديني لمعظم المنتمين للتيار الصدري وهو 'تلميذ الشهيد الصدر الاول (قدس سره) وحامل أفكاره وعلمه والطالب بثأره'، ويفتخر بانه طالما استلم من الصدر الاول الرسائل مخاطبا اياه بعواطف جياشة . من بينها قوله:
'عزيزي المعظّم أبا جواد، لا عُدمتك ولا حُرمتك، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فقد تسلّمت بقلب يرتعش شوقاً وحنيناً، وينزف ألماً سطوركم الحبيبة، وقرأتها مراراً ومراراً'، حسب موقعه على الانترنت. وجاءت فتوى التحريم بعد نحو يومين على دعوة مقتدى الصدر، يوم الجمعة الماضي، إلى إجراء استفتاء شعبي لسحب الثقة او الابقاء على 'رئيس الحكومة' نوري المالكي مع تأكيد مقتدى على وجوب ابقاء منصب رئيس الوزراء ضمن التحالف . فلا عجب ان يقوم الحائري باصدار فتوى التحريم لاحتواء ما قد يحدث اذا ما حدث الاستفتاء واختار المواطنون التصويت لصالح شخص من خارج الاحزاب الدينية الطائفية. لا لأن العلمانيين المنخرطين في العملية السياسية هم افضل من الطائفيين، كما حدث في انتخابات 2010 حين صوت الكثيرون لصالح القائمة العراقية، ولكن، وحسب تبرير الكثير من النادمين على اشتراكهم في الانتخابات اساسا، لاختيار السيىء من الأسوأ، وحسب قاعدة 'هذا هو الموجود' في ظل عملية الاحتلال السياسية التي مزقت البلد وعملت جاهدة على تصفية كل وطني مخلص.
وعلى ذكر الاحتلال، يبدو ان الادارة الامريكية، تريد المحافظة على الوضع الحالي في العراق، لانشغالها بالانتخابات الرئاسية المقبلة واجوائها المحمومة التي تؤجل، عادة، اتخاذ القرارات المهمة وتجمد الكثير من المشاريع حتى انتهائها. وقد انعكس تجميدها لاتخاذ القرارت وبشكل واضح على مجريات الامور في سورية حيث نأت بنفسها عن الساحة. والواضح ان اتفاق ايران مع امريكا في العراق، في مرحلة التهدئة الحالية، هو انعكاس لموقفها من النظام السوري والثورة الشعبية التي قد تجهض لصالح ابقاء 'العنف المستديم' لاحكام السيطرة.
ان امريكا وايران بلدان يدافعان عن مصالحهما الاستراتيجية وكذلك قطر والسعودية وتركيا وكل البلدان القريبة والبعيدة منا، وهذه مسألة تبدو طبيعية في اللعبة السياسية هذه الايام مع غياب التطبيق الصحيح للقوانين الدولية المانعة للتدخل العابر للحدود غير ان ما هو شاذ، وبشكل لامثيل له، هو استهانة ' الحكومة العراقية' بسيادتها ومواطنيها وفتحها الحدود امام كل القوى، بضمنها قوى الارهاب بانواعه، ما دامت تقبض 'الخاوة' أي الثمن
.