Thursday 17 January 2013

الاعدام والصمت في جمهورية ' العراق الجديد'

31/08/2012
في اجتماعات المعارضة العراقية، بلندن، منذ بداية التسعينات وحتى يوم الغزو في عام 2003، كانت صورة 'عراق ما بعد صدام' أو 'العراق الجديد' التي قدمها سياسيو ومثقفو المعارضة، على اختلاف تشكيلاتهم، من اسلاميين (الحزب الاسلامي والبيت الشيعي وحزب الدعوة والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية) الى شيوعيين، ومن الحزبين الكرديين الى 'المفكرين المستقلين'، فسفورية مشرقة لفرط نقائها ونزاهتها، ديمقراطية يحتل احترام حقوق الانسان فيها اولوية لا يجوز انتهاكها.
حقوق الانسان، كما كانوا يرددون، خطا احمر لايمكن تجاوزه. كانوا يرددون، ايضا، في تصريحاتهم وبياناتهم الاعلامية، لن نكون قتلة جلادين، كما هو الحال تحت نظام صدام حسين.
وذهب البعض الى حد التخطيط في 'العراق الديمقراطي' الى الغاء الجيش وعقوبة الاعدام. وهو ما رسخ في اذهان الكثيرين اكثر من غيره، خاصة بعد ان تم فعلا حل الجيش العراقي بناء على قرار من الحاكم العسكري الامريكي بول بريمر، ليتم تأسيس جيش ميليشيات طائفية يزيد عدد افراده على افراد الجيش النظامي السابق، مما دفع 'البروفسور' كنعان مكية، احد دعاة الغزو والاحتلال المفوهين، الى القول بحسرة (وبعد خراب البصرة)، في مقابلة مع صحيفة النيويورك تايمز، في 7 اكتوبر 2007 'كانت لدينا فوبيا (عقدة خوف) من الجيش العراقي'.
ماذا عن عقوبة الاعدام ؟ اين وصلنا، الآن، وبعد ما يقارب العشر سنوات من استحواذ ذات قوى المعارضة 'الانسانية المضطُهدة' في الحكم؟ وكيف اصبح الاضطهاد والقتل صفة ملازمة لها؟
ان تحول المضطهد (بفتح الهاء) الى مضطهد (بكسر الهاء) مسألة لم تعد معقدة، إذ طالما تم بحثها من قبل علماء الاجتماع وعلماء النفس المجتمعي يختلط فيها الاحساس بالظلم بالتضخيم الفردي السياسي والجماعي . والمثال الابرز هو تحول الكثير من اليهود في فلسطين وخارجها، من ضحايا للاضطهاد الى مضطهدي وجلادي الشعب الفلسطيني خاصة بعد تمرغهم بخلطة الصهيونية. ولا يغير هذه الصورة وجود فروق بين من يكسر عظام المحتجين ويقتلهم، وبين من يبرر لهم، أو يسكت عن جرائمهم. فهذه الفروق مهما إتسعت، هي فروق في درجة الضلوع في الجريمة.
ونلاحظ ان العراق الجديد بساسته ومثقفيه الذين بنوا قضيتهم، في دعم جيوش احتلال بلادهم، على اساس ظلم واضطهاد النظام السابق و'انقاذ الشعب من كابوس المعاناة والارهاب'، حسب تصريح لمكية، قد نجحوا في تسجيل ارقام قياسية في اولمبياد الظلم والاضطهاد والقتل والاعتقال. وآخر دلائل هذه الحالة المستمرة منذ الإحتلال هي الاعتقالات التي يزيد معدلها على الألف شهريا، تمس، بطريقة او اخرى، حياة معظم العوائل على اختلاف خلفياتها الدينية والسياسية والعرقية. وهي اعتقالات، باعتراف كل المنظمات الحقوقية الدولية، مبني معظمها على وشايات او تبليغات مخبرين سريين وتشكل انتهاكا صارخا لحقوق الانسان وتمتد على مدى سنوات بدون ان تتاح للمعتقل فرصة الدفاع عن نفسه او تقديمه الى محاكمة عادلة. وهي اعتقالات، تنتهي، في حالات عديدة، بالحكم على المعتقل بالاعدام شنقا نتيجة اعترافه بجرائم ارهابية، قد تصل الى العشرات، بعد تعريضه الى تعذيب جسدي ونفسي فعلي عجزت عن الوصول اليه مخيلة سياسيي ومثقفي العراق الجديد حين كانوا في صفوف المعارضة وينشطون في كتابة سيناريوهات التعذيب (مثل أكذوبة مفرمة لحم المعتقلين في سجن ابو غريب التي أعلنتها النائبة البريطانية آن كلويد باكية في البرلمان البريطاني إعتمادا على 'تقارير' المعارضة العراقية وقتها) لصالح الادارة الانكلو- امريكية.
وقد بلغت احكام الاعدام او شرعنة القتل او القتل القانوني، مدى كارثيا في السنوات الأخيرة. وبلغ استهتار حكومة المالكي بحياة المواطن حد اعدام العشرات خلال ايام قليلة وبتهمة واحدة هي 'الارهاب'. وهي التهمة الاكثر استخداما للتخلص من اي صوت حر او معارض او مقاوم . وفي غياب التحقيق النزيه والقضاء العادل وفي ظل حكومة فساد وطائفية، ما اسهل وصم المواطن بالارهاب.
ولننظر الى سجل الاعدامات الجماعية المعلن عنها فقط، هذا العام، وحسب تصريحات المسؤولين، حيث تشير المنظمات الحقوقية الى ان الاعدامات المعلن عنها قد تكون اقل بكثير من المنفذ فعليا. ففي كانون الثاني/يناير تم اعدام 17 مواطنا. وفي شباط/فبراير تم اعدام 12 شخصا آخر.
وبلغ عدد من اعدموا في النصف الأول من عام 2012 وحده ما لا يقل عن 70 شخصاً، وهو رقم يزيد على مجموع عمليات الإعدام التي نُفذت في العام الماضي، وفق منظمة العفو الدولية.
أما يوم الثلاثاء الماضي فقد تم تنفيذ احكام بالاعدام بحق 21 شخصا بتهم 'ارهابية' بينهم ثلاث نساء، من دون اعطاء تفاصيل عن جنسيات المدانين او الجرائم التي ارتكبوها. وبعد يوم واحد، أعدم خمسة اشخاص 'بقضايا ارهابية' احدهم سوري، ليرتفع عدد من اعدموا بالتهمة ذاتها في غضون ثلاثة ايام الى 26 شخصا. وكانت منظمة العفو الدولية قد ادانت، في تموز/يوليو الماضي، إصدار نحو 200 حكم بالإعدام في محافظة الأنبار. ومن الواضح انها الاحكام التي بدأ نظام حزب الدعوة بتنفيذها حاليا.
ومن المفارقات المضحكة المبكية اصدار 'لجنة حقوق الانسان النيابية' تصريحا، يوم الاربعاء، وبعد تنفيذ حكم اعدام جماعي، 'تنفي فيه انباء تنفيذ حكم الاعدام بحق 200 مدان'. وقالت عضو اللجنة اشواق الجاف ان' لجنتها اتصلت بوزير العدل حسن الشمري وقد نفى هذا الامر جملة وتفصيلا'، موضحة ان 'لجنة حقوق الانسان ناقشت موضوع الاعدامات في اجتماعها امس الاربعاء'. وكان تصريح السيدة الجاف مضللا باللباقة الملساء التي تتميز بها جل تصريحات ساسة العراق الجديد. بالمقابل، حذر كريستوف هينز، المقرر الخاص بالامم المتحدة المعني بالإعدام التعسفي، من تنفيذ احكام الاعدام بحق 196 سجينا ومن محافظة واحدة هي الانبار، مع نقص خطير في المعلومات العامة عن الحالات، داعيا 'الحكومة إلى وقف عمليات الإعدام السرية ومراجعة جميع حالات المحكوم عليهم بالإعدام'.
واعرب هينز عن تأييده لنداء السيدة نافي بيلاي، المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي استنكرت فيه تنفيذ اعدام 34 فردا خلال يوم واحد. وقال 'عموما، لقد تم تنفيذ عدد هائل من أحكام الإعدام في العراق على مدى السنوات القليلة الماضية'.
مؤكدا أن من واجب الدولة ضمان شفافية الإجراءات القانونية، داعيا الحكومة إلى الكشف عن عدد من تم تنفيذ احكام الاعدام بهم، هوية السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، ورسوم وإلاجراءات القضائية ضدهم، ونتيجة استعراض قضاياهم.
لقد تم تطوير التعذيب والقتل في واقع العراق الجديد الى حد لم يعد فيه للمخيلة دور. والأكثر اثارة للفجيعة، على مدى سنوات الاحتلال، هو صمت المثقفين على جرائم كانوا يذكرون العالم بها بكرة واصيلا ولاينفكون مقرعين العالم على سكوته بصددها، بينما يكتفون واجهزة الاعلام، الآن، على تناقل اخبار المداهمات والاعتقالات والتعذيب والاعدامات، كما هي، بلا تمحيص او تساؤل، قانعين بتهم 'الارهاب' الصادرة من نظام بات مصنعا للارهاب وهمه الوحيد الحكم على مستقبل العراق بالاعدام ارضاء لنزعاته الانتقامية
.