Monday, 7 January 2013

شباب الوحدة الوطنية يمزقون عقد بيع النفس للشيطان

23/09/2011
 نشر على مواقع التواصل الاجتماعي بيان أصدرته 'الحركة الشعبية لإنقاذ العراق' حول قيام أربعين شابا، من جميع المحافظات العراقية، بتنظيم قافلة أطلق عليها اسم 'قافلة الوحدة الوطنية'، لتجوب عددا من المحافظات. تنطلق القافلة من الموصل في محافظة نينوى في الشمال أولا، الى مدينة كربلاء جنوب بغداد لتقديم التعازي لعوائل شهداء جريمة النخيب، الذين سقطوا ضحايا أكثر الجرائم إيلاما للنفس، حيث اعترض إرهابيون، يوم 13 أيلول (سبتمبر)، حافلة كانت تقل زواراً متوجهين إلى مرقد السيدة زينب في دمشق وقتلوا 22 رجلا بعد فصلهم عن النساء والأطفال في الصحراء المحيطة بواحة النخيب في وسط البادية الجنوبية التابعة لمحافظة الأنبار.
وتتوجه قافلة الشباب بعدها لتلتقي بشيوخ وأهالي محافظة الانبار، في الغرب، لتعلن 'رفضها لممارسات الحكومة في إثارة الفتنة الطائفية وممارساتها غير القانونية في اعتقال مجموعة من أبنائهم الأبرياء وتؤكد لحمة الشعب العراقي الواحد'.
ثم تتوجه القافلة الى محافظة البصرة الجنوبية حيث ينوي الشباب الاعتصام لساعات، قرب الحدود العراقية الكويتية، لرفض 'بناء ميناء مبارك الذي يراد له تدمير الاقتصاد العراقي من خلال غلق المنفذ البحري الوحيد له وخنق العراق من خلال تقليص إطلالته على البحر'، وأخيرا تتوجه القافلة الى محافظة اربيل 'للتنديد بالقصف الإيراني والتركي لمدننا الغالية'.
وتعتبر 'الحركة الشعبية لإنقاذ العراق'، صاحبة البيان الذي يتعرض الى العديد من القضايا الشائكة، من المجموعات الناشطة المنظمة لتظاهرات واعتصامات ساحة التحرير ببغداد. وقد ثابرت الحركة، مع بقية المتظاهرين، على التجمع في ساحة التحرير، على مبعدة ميل واحد من حصن المحتل الامريكي ومستخدميه، في كل يوم جمعة، ليرسموا ملامح مواطنين يعتزون بكرامتهم وكرامة وطنهم ويبغون التحرر من عبوديتين. الاولى، عبودية المحتل الذي حرق الارض وخرب البلاد واستباح الاعراض، والثانية عبودية مستخدمي المحتل، وهم الأخطر اذ يأتمنهم المحتل على سلامته وحمايته وديمومة بقائه قتلا واستغلالا ونهبا.
وكانت التظاهرات، بشكلها الحالي، في ساحة التحرير وفي ظل نصب الحرية، قد بدأت في شهر شباط (فبراير) من العام الحالي تزامنا مع الانتفاضات العربية في تونس ومصر والممتدة حتى اليمن وسورية والبحرين وليبيا على اختلاف مساراتها، اذ تم احتواء انتفاضة الشعب الليبي، بسرعة كبيرة، من قبل حلف الناتو، لتتم مقايضة المستبد المهرج باحتلال 'انساني'، قد يجثم على صدر الشعب لعقود مقبلة وحتى امتصاص آخر قطرة نفط، ان لم يجد الوطنيون الليبيون سبيلا لانهاء عقد بيع النفس الى الشيطان. ولايزال الشعبان السوري واليمني يواصلان تظاهراتهما على الرغم من ردود الفعل الشرسة، بينما تواصل السعودية بيع نفسها للشيطان في البحرين واليمن. فهي ماضية في مساعدتها ملك البحرين على اسكات اصوات المحتجين، بقوة السلاح أو بالتعذيب حتى الموت وبالإمعان في اجتثاث الأطباء والمهنيين وبقية المواطنين الذين وقفوا مع احتجاجات شعبهم على أسس طائفية مقيتة. وهي من جهة أخرى تجمل الرئيس المحترق علي صالح وتجلسه امام كاميرات أجهزة الاعلام، وتمول بشكل أو بآخر مواصلة دوره القمعي عبر ابنه الذي لا يقل إيغالا في دم اليمنيين ومحاولات تشتيتهم في الشمال والجنوب.
في خضم هذه التغيرات التي هزت معظم انظمة الحكم العربية الآسنة، يحتل المتظاهرون العراقيون موقعا متميزا، اذ انهم باعتصاماتهم واصرارهم على التظاهر تحت شعار الوحدة الوطنية وضد الفتنة الطائفية التي يعتاش عليها سياسيو المنطقة الخضراء، انما يثورون على الوجه المزوق للاستبداد المحلي، أي النظام الذي عجنه وخبزه المستعمر الانجلو امريكي، ليقدمه كنموذج لما يجب ان يكون عليه 'نظام الحكم المستقبلي' في المنطقة كلها. غير ان المقاومة مزقت قناع 'النموذج' مظهرة وجهه الحقيقي، ليصبح النموذج الذي تخشى الشعوب العربية تكراره او الفيروس الذي يريدون تجنب الاصابة به بأي شكل من الاشكال. فالعراق 'الجديد' بنظامه الطائفي الفاسد هو نموذج التفتت والتمزق والاستغلال الاقتصادي والهيمنة الاعلامية والثقافية وديمقراطية 'التحرير' قصفا وترويعا باليورانيوم المنضب والفسفور الابيض.
يواجه متظاهرو ساحة التحرير، الحريصون على حرية العراق ووحدته، بعيدا عن الطائفية، تحديات جمة، ليس اقلها حملة الاغتيالات وكتم الاصوات، وآخرها اغتيال الصحافي وناشط الساحة هادي المهدي، في 8 سبتمبر. وتمتد قائمة التحديات، لتشمل اعتبار نظام المالكي المتظاهرين متهمين استباقيا بانهم 'ارهابيون، بعثيون، قاعدة'، مما يسهل القاء القبض عليهم حسب المادة 4 ارهاب. واغلاق الطرق والجسور، ومنع مرور السيارات، ونشر قوات مكافحة الشغب والقوات الخاصة التابعة لمكتب المالكي، ونشر المأجورين للتحرش والاعتداء على النساء، فضلا عن مداهمة بيوت ومكاتب الناشطين واعتقالهم وتهديدهم. وقد لعب عدد من رموز المرجعية الدينية (وليس كلها فللسيدان السيستاني والنجفي موقف يقر بحق الشعب في التظاهر بشرط عدم التجاوز على الاملاك) دورا مضرا بحركة الاحتجاج الشعبي، حيث اعلن مكتب المرجع المقيم في قم آية الله كاظم الحائري (مرجعية قائد التيار الصدري) انه حرم المشاركة في التظاهر، واصدر الشيخ محمد مهدي الآصفي (وكيل مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي في النجف والمرتبط بحزب الدعوة) فتوى بتحريم التظاهر (الحياة، النجف، 25 فبراير 2011) قائلا: 'هذا أمر لا يجوز ضد النظام القائم اليوم في العراق'، وسار آية الله اليعقوبي (مرجعية حزب الفضيلة)، على نفس الخط. وكان لهذه الفتاوى وموقف التيار الصدري المعادي تأثير على حجم التظاهرات وعدم تماثلها مع ما شهدناه في العواصم العربية الاخرى، آخذين بنظر الاعتبار ايضا التعتيم الاعلامي العراقي والعربي المخيم على الساحة، باستثناء عدد محدد من الفضائيات العراقية الموجودة خارج العراق وهي البغدادية والرافدين والشرقية، مما حرم المتظاهرين، ببغداد، من البث المباشر الذي ساهم في تسريع ديناميكة التغيير في مصر وتونس، وخاصة الدور الذي لعبته ولاتزال قناة الجزيرة. ونحن نعرف جيدا اسباب تعتيم أو، في احسن الاحوال، صمت 'الجزيرة' على ما يجري في العراق المحتل، والتي قامت 'ويكيليكس' بتوثيقها رسميا من خلال نشرها لبرقية ( 20 تشرين الاول/ اكتوبر 2005) تلقي الضوء على لقاء تم بين مدير شبكة الجزيرة العام وضاح خنفر (استقال يوم 20 سبتمبر) ومسؤولة الشؤون العامة في وزارة الدفاع الأمريكية التي زارته لمناقشة، من بين موضوعات اخرى، تغطية الجزيرة و'المضمون المزعج ' الذي ينشره موقع الجزيرة نت عن احداث العراق، خاصة، أحد الموضوعات الذي يتضمن 'شهادة حية من تلعفر' لعشرة شهود على العمليات العسكرية الامريكية مع 'صورة أوراق ملطّخة بالدماء ومثقوبة بالرصاص'. وكان رد خنفر ديبلوماسيا يجمع بين شرح الحاجة لنقل ما يقوله الناس وتقبل أن 'أخطاء تحدث لدينا'، لكنه أوضح بان أكثر المواضيع التي أثارت استياء الحكومة الأمريكية على الموقع قد جرى التخفيف من حدّتها وانه أزال صورتين 'لطفلين مصابين على أسِرّة المستشفى وامرأة مصابة في وجهها إصابة بالغة'. فهل نستغرب، بعد ست سنوات من الديبلوماسية والتأقلم، اذا ما غابت المقاومة العراقية عن تغطية 'الجزيرة' حتى ولو كانت المقاومة سلمية، كمظاهرات الشباب في المدن العراقية، ومستهدفة، بشكل يومي، من قبل ذات المحتل 'المنزعج' التي تحاول الجزيرة تهدئته؟ ويسري تغييب الحراك العراقي السلمي على الأعلام العربي كله تقريبا لأسباب عدة، بعضها لأوهام تعتبر الصراع في العراق طائفيا، وأهمها تجنب إزعاج النظام العراقي وأسياده.
ازاء هذه التحديات الجسيمة كلها، يواصل المتظاهرون صمودهم واصرارهم على الاحتجاج، بالاضافة الى استنباطهم المبادرة تلو المبادرة لمد الحركة بالاستمرارية والتطور النوعي وما مبادرة قافلة الوحدة الوطنية غير تطوير ايجابي، سبقه التمكن من التواصل عبر الشبكات الاجتماعية والرسائل النصية وتأسيس المواقع وصفحات الفيسبوك والمدونات الشخصية والجماعية، وترسيخ الحاجة الى العمل الجماعي، بعيدا عن أدلجة الاحزاب التقليدية التي باتت تجر نفسها جرا (بحكم الشيخوخة الفكرية والجسدية معا) محاولة احتواء التظاهرات.
وقد لوحظت بعض التطورات النوعية في الساحة أخيرا، مهما كانت اعداد المتظاهرين، نتيجة الوجود المستمر في حيز مكاني استعاد المتظاهرون امتلاكه، وخلال فترة زمنية قصيرة نسبيا، ومع ادراكهم بأن هذه التظاهرات انما هي جانب من جوانب المقاومة الأخرى. من بين التطورات: الاتفاق العام على نبذ الطائفية واستمرار الاحتجاج السلمي وتقبل الجميع، على الرغم من تفاوت دوافع التظاهر ما بين الشخصي والعام، بل والتوصل الى ان هذا التفاوت يصب في الصالح العام كما جاء في بيان اصدره ائتلاف الثورة العراقية الكبرى، بتاريخ 21 سبتمبر 2011، حول الدعوة الى الاستمرار في التحشيد الشعبي وتجنب محاولات اثارة الفتن الطائفية، ورافقت البيان رسالة تلخص موقف الشباب المشاركين، جاء فيها: 'ربما تختلف اسباب المتظاهرين في الوصول الى ساحات التغيير العراقية، فمنهم من لديه معتقل ومنهم من تضرر من الحكومات المتعاقبة، ومنهم الارملة المعيلة لاطفالها، ومنهم من حرم من الوظيفة، ومنهم من حورب سياسيا، ومنهم من يخرج مناهضا للاحتلال، ومنهم من لا يعترف بما نتج عن الاحتلال من قوانين وحكومات، ومنهم ومنهم... وبالنتيجة ان الجميع متفق ان لابد من الحراك السياسي الشعبي لتكوين ثقافة مجتمعية تقف جدار صد امام مخططات الاحتلال واعوانه
'.