Tuesday 15 January 2013

بانتظار المنقذ المرتجى في العراق

01/06/2012
يقال بان لكل عصر منقذه المنتظر. ولكل شعب او عرق او مجموعة بشرية من تنتظره لتخليصها من الآثام والشرور. قد يطلق عليه اسم المنقذ او المسيح او المنجي. وقد شاعت الفكرة قبل الاسلام وبقيت لتتداخل وتصبح جزءا من مذاهبه كما انها متجذرة في الدينين اليهودي والمسيحي.
ويذهب البعض ابعد من الانتظار السلبي للمنقذ فيتحدثون عن العمل على وجوب تسريع ظهوره. كيف؟ هناك نظريات كثيرة، تتداولها الشعوب، منذ أزمنة سحيقة، لعل اكثرها اثارة للتساؤل هي الربط ما بين ظهور المنقذ ووصول الحال الى درجة من التردي والفساد تستدعي ظهور المنتظر لامحالة ليخلص العالم من ظلم الأشرار والطغاة ليملأ الأرض قسطا وعدلا. مما يقود، بالضرورة وحسب منطق بعض المؤمنين بهذه العقيدة، الى العمل على زيادة الشرور لتعجيل ظهور المنتظر. وهي معادلة غريبة على قدمها وتاريخيتها وتبنيها من قبل شعوب واديان مختلفة. والسؤال الذي يطرح نفسه، الآن، والمواطن العراقي، يعيش في ظل احزاب ومجموعات سياسية، تقدم سياساتها مغلفة بفكرة المنقذ المرتجى / المهدي هو: هل ان ممارسات الساسة في العراق مكرسة، في جوهرها، للتعجيل بظهور المنقذ المنتظر؟
ولاثارتي هذه النقطة اسباب عديدة، من بينها سوريالية الوضع المتدهور الى حد لم يعد فيه بالامكان الفصل ما بين الحقيقة والخيال. ما بين يوم وآخر. ما بين خطاب سياسي وآخر. فهل، ما يجري في 'العراق الجديد' من جرائم لا تغتفر وظلم قاهر بارز للعيان يحطم حياة الملايين، هو من علامات الساعة؟ هل السكوت، شبه العام، بين منظومة التحالف السياسي الديني، على الضيم والظلم والجور هو أفعال منهجية متعمدة ينفذها الساسة 'المؤمنون' واتباعهم للتعجيل بمجيء المنتظر؟. ان القاء نظرة سريعة على مجريات الامور، وواقع الشعب، يقربنا بعض الشيء من فهم هذه المعادلة الشائكة. ففي اطار الأكثار من الظلم للاقتراب من تحقيق العدل وزيادة الظلام انتظارا للنور لا يعود هناك مايثير الاستغراب في اكثر الافعال اثارة للاستهجان. انه زمن موت الدهشة المحفزة للعقل والمشاعر وانتحار التساؤل مع ازدياد الاكاذيب والتضليل وغياب المنطق. فالوضع، مقلوب رأسا على عقب، ومعظم الناس في حالة انهاك جسدي وعقلي لا يملكون القدرة على التفكير الا بما يوفر لهم قوتهم اليومي وسلامتهم اليومية.
والساسة على اختلاف طوائفهم يواصلون تغذية الصراعات على السلطة والنهب وبيع كل ما يمكن بيعه في البلد، متظاهرين بالوطنية والورع الديني. اقول على اختلاف الطوائف لأن عقيدة انتظار المرتجى عامة، لا تقتصر على طائفة واحدة دون غيرها. وطالما عولجت، تاريخا وحاضرا، في النصوص الادبية والفكرية المحلية والعالمية.
وأكثر الامثلة حضورا في الاذهان هو مسرحية الكاتب الايرلندي صموئيل بيكيت وعنوانها 'في انتظار غودو'. حيث يعيش بطلا المسرحية حياة معلقة بانتظار مجيء غودو، الذي يشعران بانه آت لامحالة لوضع حل لكل مايعانيان منه. واثناء فترة الانتظار يختلفان ويتصارعان. كما يحاولا تبرير افعالهما. الا ان ما يميز فكرة الانتظار في العراق عن ايرلندا، مثلا، هو خلطها كفكرة فلسفية او انسانية اسطورية بقوة السلطة الامنية والعسكرية واستخدامها لتحقيق مآرب سياسية أبعد ما تكون عن مفاهيم العدالة والنور. فلا عجب ان يختلط الحابل بالنابل، في العراق، وان يصبح من الطبيعي تحول الاحداث التراجيدية الى ملهاة ساخرة، وان يتقلب الساسة يمينا ويسارا، متلحفين بألوان حرباوبة، وان يسير المنطق على رأسه في الشوارع المغطاة بعواصف اليورانيوم المنضب والاشعاعات والدماء وقوات الأمن الخاصة الملحقة بمكاتب من يدعون استعجال ظهور المنقذ.
وحتى يحضر الغائب، يواصل ساسة العراق، بدعوتهم وعراقيتهم وصدرهم وطالبانهم وشيوعيتهم وبرزانيتهم (الكل مسؤولون مباشرة او كشهود صامتين)، حقن العقول بجرعات التوائية من أكاذيب تفوقوا فيها على غوبلز الالماني، فبات يتململ في قبره لحدة المنافسة. من فصول الأكاذيب المتناثرة، الى كوميديا الاستطرادات اليومية حول 'الدستور' الذي بات كتابا مقدسا يلوح به كل من يشاء وفق اجتهاده وتفسيره الخاص، الى اشغال الناس بلعبة نزاع العرب مع الاكراد والسنة مع الشيعة والمسلمين مع المسيحيين وتقسيم البلاد الى اقاليم والدعوة الى الانفصال والاستقلال، كل حسب رغبة الساسة وحسب عدد آبار النفط. والشاطر من يعرض منطقته 'المتنازع عليها' في مزادات البيع المتزايدة وباسرع وقت ممكن.
ولا ادري، والتساؤل حتمي هنا، اذا كان شن حملات المداهمة والاعتقالات والتعذيب في السجون السرية / العلنية، بتهمة الارهاب، هو جزء من سياسة أكثار اعداد المؤمنين، قسرا، بظهور المنقذ، حيث لا يعود للمعتقل في غياهب السجون من أمل غير الايمان بالغيب؟ وهل اختلطت ملامح الصورة لدى ساسة التحالفات الى حد التضحية بحلفائهم المخلصين للعملية السياسية واركانها ومعتقداتها كقرابين للمعتقد الديني/ الطائفي / السياسي، ولنا في نائب رئيس الجمهورية الهارب والمطلوب من قبل الانتربول مثالا حيا؟ وهل يدل اعتقال ليث الدليمي، عضو مجلس محافظة بغداد (وهو واحد من عشرات الآلاف من المعتقلين ظلما) واتهامه بالارهاب، واظهاره على شاشة التلفزيون الرسمي معترفا بكل المطلوب ومن ثم صارخا الحقيقة حول تعذيبه واجباره على الاعتراف بتفجيرات ارهابية على ان طريق وصول ساسة التحالفات والمكونات، على اختلافها، بات معبدا بما يكفي من الظلم لظهور المنظر المرتجى كي يملأ الأرض قسطا وعدلا، بعدما ملئت ظلما وجورا.