Tuesday 15 January 2013

ما العمل وواحد من كل عشرين عراقيا مهدد بالألغام؟

25/05/2012
معذرة لكآبة العنوان، ولكنها الحقيقة المرعبة، حسب احصائيات الامم المتحدة المتعلقة بجانب واحد فقط من الكوارث المحيقة بحياة المواطن العراقي. فبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للتوعية بالألغام والمساعدة في مكافحتها، دعت الامم المتحدة في 4 نيسان/ ابريل من العام الحالي، الى عراق خال من الألغام بحلول عام 2018، مؤكدة ً التزامها بدعم برامج العراق المتعلقة بمكافحة الألغام. وقال مارتن كوبلر، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، بان المنظمة تود 'لفت الأنظار إلى الأطفال والرجال والنساء الذين لقوا مصرعهم أو فقدوا أطرافهم أو بصرهم أو ممن باتوا لايستطيعون التنقل بحرية بسبب وجود الألغام'.
قرأنا الخبر، وموعد الـ 2018، فشعرنا بامكانية وجود بصيص أمل، نحن المحاطون بتلول الكوارث البيئية (لنغض الطرف لوهلة عن السياسية والاقتصادية وغيرها) بدءا من كارثة ولادة الاجنة المشوهين وزيادة اعداد المصابين بالسرطان نتيجة استخدام ' الحلفاء' اليورانيوم المنضب والفسفور الابيض 'لمساعدة' الشعب العراقي وانتهاء بالتصحر وقطع المياه عن نهري دجلة والفرات. غير ان البصيص سرعان ما خبا، لتحل محله التبريرات المألوفة، بصدد اي مشروع تعلن عنه حكومة ظل الاحتلال، مهما كانت طبيعته او حجمه، وبعد انتهاء الزفة الاعلامية المحيطة به لبضعة ايام . ليختفي المشروع ومعه تختفي ملايين الدولارات (وفي بعض الحالات المليارات). هكذا أعلن نائب وزير البيئة، في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، ان العراق لن يتمكن من الالتزام بالموعد المحدد بتطهير جميع الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة بحلول عام 2018. لماذا ؟ يقول نائب الوزير: 'لعدم وجود خرائط مفصلة للألغام الأرضية. لأن النظام السابق قام بزرعها بصورة عشوائية'. ولأنني لست خبيرة ألغام أو خرائط ولأهمية الموضوع وخطورته، وكذلك تطور تقنيات إكتشاف وتعطيل الألغام سواء في بلدان كفيتنام، او في البلقان باوروبا، والتي من المفترض ان تلم بها وزارة البيئة، ولكي لا اظلم أي شخص يبادر بتنفيذ مشروع لانقاذ أهلنا (تنفيذ وليس الاعلان عن مشروع فحسب)، عدت الى تقارير الامم المتحدة، وتصريحات مسؤولي وزارة البيئة انفسهم، وبعض المقالات عن الموضوع ذاته بحثا عن الاسباب والجهات المسؤولة وكيفية تنفيذ مشاريع التنظيف. فتبين الآتي: يعتبر العراق، حسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واحدا من أكثر الدول تلوثا بالألغام في العالم. حيث تغطي الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة مساحة 1730 كيلومتراً مربعاً فيه. وتسبب تلك الألغام أضراراً لحوالى 1.6 مليون عراقي في 1600 منطقة، أي ما يعادل واحد من كل 20 عراقيا. وان حوالى 60 بالمائة من حوادث الألغام الأرضية التي تم الإبلاغ عنها، شملت أفراداً تتراوح أعمارهم بين 25 و 44 عاماً، في حين أن 47 بالمائة من حوادث الذخائر غير المنفجرة ( قذائف القنابل العنقودية) التي تم الإبلاغ عنها شملت أطفالاً تتراوح أعمارهم بين 5 و 14 عاماً. وتشير التقارير إلى وقوع حوالى 30 حادثاً نتيجة انفجار الألغام في عام 2011، ما أدى إلى وفاة 33 بالمائة من المصابين. وقد تجاوز عدد الضحايا 8000 شخص بينهم 2000 طفل منذ عام 1991 وحتى العام الماضي.
ويوضح البيان الصحافي الصادر عن الامم المتحدة بان حوالى 90 بالمائة من الأراضي الملوثة بالألغام هي أراض زراعية، كما تم العثور على العديد من الألغام الأرضية حول حقول النفط الرئيسية. وعن انعكاس التلوث على حياة المواطنين، تشير صحيفة الحقائق الصادرة عن اربع منظمات للامم المتحدة، استنادا الى دراسة حديثة لوحدة تحليل المعلومات، الى أن دخل الفرد والانجاز التعليمي يصبحان أقل في المناطق الملوثة بالألغام الأرضية، وإن الأسر تعاني أكثر من غيرها من انعدام الأمن الغذائي، كما أن معدل حصول السكان على خدمات الكهرباء والتعليم في المناطق الملوثة بالألغام أقل من معدل حصولهم على تلك الخدمات في المناطق الخالية من الألغام.
وكما تشير منظمات الامم المتحدة فأن مشكلة الألغام الأرضية تعود الى فترة الحرب العراقية الايرانية ( 1980 1988)، وحرب الخليج عام 1991 والغزو الذي قادته الولايات المتحدة الامريكية في عام 2003 . وفي الوقت الذي لا تتطرق فيه وزارة البيئة الى مسؤولية الغزو الانكلو امريكي، لا تتطرق منظمات الامم المتحدة ووزارة البيئة، معا، الى مسؤولية الغزاة عن الذخائر غير المتفجرة وأكثرها تأثيرا القنابل العنقودية. حيث تم رش العراق بعشرة آلاف وثمانمئة قنبلة في ايام الغزو الاولى فقط، وتلتها عمليات رش الفلوجة، مع توفر الادلة بان قوات الغزو كانت قد استهدفت المناطق المأهولة بالسكان. فاصبحت القنابل، باجزائها الملونة غير المنفجرة والجاذبة للاطفال، احد الاسباب الرئيسية في اصابة وقتل العديد منهم. ففي 15 مايو 2011 (وكالة الانباء الفرنسية)، مثلا، وعند الساعة الثانية بعد الظهر، كان أربعة اطفال من مدينة الديوانية، تتراوح اعمارهم بين 6 -12، يلعبون في حديقة حين انفجرت قذيفة قنبلة عنقودية. فقتل ثلاثة اطفال وجرح الرابع، ومرت هذه الفاجعة مرور الكرام على حكومة الاحتلال. ولم يحدث وتم اجراء تحقيق في هذه الجرائم وغيرها. وسيستمر حال المواطنين مع هذا الارث القاتل، جنبا الى جنب مع الألغام، واليورانيوم المنضب والفسفور الابيض، مادامت المسؤولية غير واضحة (لاسباب سياسية) والمساءلة معدومة والفساد يلتهم ميزانيات المشاريع المعلنة بلا تنفيذ. ان التبريرات التي تطلقها وزارة البيئة، بين الحين والآخر، تتعامى عن حقائق كثيرة لعل اهمها اغفال الحكومات المتعاقبة عن تنفيذ مشاريع التنظيف على الرغم من توفر الميزانية الخيالية واستعداد منظمات الامم المتحدة للتدريب والتعاون وابداء المساعدة. ان عدم الاسراع بازالة الالغام والقذائف غير المفجرة وسقوط الضحايا، يوميا، جراءها مسؤولية تقع على عاتق حكومة ظل الاحتلال. وتسويق الذرائع الهوائية لن يعفيها من هذه المسؤولية الجسيمة. وحسب تقرير صحيفة حقائق الامم المتحدة (نيسان / ابريل 2012)، ان الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب تشكل تهديدا كبيرا على حياة المواطنين العراقيين و تعيق التنمية الاقتصادية في البلد. وهي تتنافى مع 'الحرية والحق في الحياة وسلامة الشخص' المنصوص عليها في إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل. مما يمنح الناشطين في مجال البيئة والمدافعين عن حق الحياة الارضية القانونية لمساءلة قوات الاحتلال وساسة حكومة المالكي عن ارواح الضحايا، حتى الآن، ومستقبلا
.