Saturday 5 January 2013

لماذا يواصل شباب اقليم كردستان تظاهراتهم؟

08/04/2011
 يتصرف حكام اقليم كردستان العراق، منذ الغزو الانكلو امريكي للعراق في 2003، وكأنهم قد حققوا لسكان الأقليم كل ما يحلمون به من ديمقراطية ومساواة اجتماعية وسياسية واقتصادية. اذ غالبا ما يطلق مسعود البارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، وجلال الطالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، التصريحات الرنانة عن كون الاقليم الذي تقاسماه، بعد اقتتال دموي دفع ثمنه الآلاف من أهلنا، نموذجا لا مثيل له على كل المستويات (ويجب أن يستنسخ) في بقية ارجاء العراق والشرق الاوسط كله. وزايد عليهما القنصل التجاري الامريكي، في عام 2007، مدعيا بأنه 'منطقة ليس لها مثيل في العالم'.
وكان بالامكان تحقيق ذلك فعلا في حالات إفتراضية. فكل الظروف الموضوعية تشير الى امكانيات النجاح، نظرا لتمتع الاقليم بالاستقرار والأمان (خلافا لبقية انحاء العراق) بفضل الحماية العسكرية لقوات الاحتلال وغيرها من القوات الخاصة، اولا، ولكونه محمية امريكية بريطانية منذ التسعينات، أختار الحزبان الحاكمان فيه الترحيب ومساعدة قوات الغزو والاحتلال ثانيا (بل وقاما بتوظيف مسؤولين عسكريين وسياسيين أمريكيين سابقين لتمثيلهما)، مما جنب الاقليم حملات التهديم والتخريب الانتقامي المتعمد الذي ألم ببقية العراق لعشرين عاما بتمامها، تم خلالها تدمير البلاد بالكامل في حين كان مفترضا أن يستمر الأقليم بتطوره مع الحماية والدعم العالميين، الى حد الاستقلال السياسي التام. واذا ما أضفنا الى ذلك، من الناحية الاقتصادية، تمتعه بنسبة 17 بالمئة من الميزانية العامة للبلد وما يحصل عليه الحزبان من تصدير النفط بشكل رسمي منذ ايار/مايو 2009 (وغير رسمي قبل ذلك بسنوات)، وعمولات توقيع العقود النفطية بالاضافة الى استحصال رسوم الجمارك لكل ما يمر عبر منافد الاقليم ( أحد اسباب الصراع الدموي بين الحزبين)، خصوصا من تركيا، لوجدنا ان الاقليم يتمتع بميزات لم تتح، لبقية ارجاء العراق بل وحتى بعض الدول العربية الاخرى، فلماذا يتظاهر الشباب في الاقليم اذن؟ لماذا يصرون، على تغيير الحكومة التي عاش معظم ساستها في اجواء الادارة الامريكية والحكومة البريطانية المصدرة للديمقراطية وحقوق الانسان، مدعين بانهم قاتلوا، على مدى عقود، من اجل نيل هذه الحقوق، ومطالبين بتطبيقها جنبا الى جنب مع الحقوق القومية؟ لماذا يواصل المتظاهرون اعتصاماتهم، اسبوعا بعد اسبوع، على الرغم من اطلاق النار عليهم من قبل قوات الشرطة والأمن حيث بلغ عدد الضحايا تسعة قتلى واكثر من 250 جريحاً، بحسب احصائيات رسمية؟
لعل من المفيد، لفهم الاسباب، التذكير بما كتبه جلال الطالباني، باعتباره رئيسا للجمهورية، في رسالة موجهة الى الشعب الامريكي نشرتها الصحافة الامريكية بتاريخ 9 أيلول (سبتمبر) 2006، قبل الانتخابات الامريكية دعما لسياسة المحتل، بانه لديه في السليمانية وحدها 2000 مليونير الآن مقارنة مع 12 مليونيرا فقط (قبل التحرير). ان هذا التبجح هو، بالتحديد، أحد الاسباب الرئيسية للتظاهرات. فنسبة البطالة، بين الشباب عالية والفساد المالي والاداري مستشربشكل مذهل، ولا شيء يتم في الاقليم الا اذا مر عبر المتنفذين من الحزبين، او بالاحرى، عشيرة البارزاني وعائلة الطالباني واقاربهما، بعد استقطاع نسبة العمولة المطلوبة. ويذكر الكاتب مايكل روبن في كانون الثاني/يناير 2008، بأن 'البارزاني والطالباني، قد حصدا أثناء وجودهما في منصبيهما ثروتين تقدران بـ 2 مليار دولار و400 مليون دولار على الترتيب' وتمثل هذه الثروة جزءا من استقطاعات واستملاكات اخرى. ان ما تباهى به الطالباني للدلالة على تحسن الاوضاع الاقتصادية في الاقليم، في ظل الاحتلال، هو ما يثير تساؤلا، مشحونا بالغضب المرير، عن كيفية نمو هذا العدد الكبير من القطط السمان، خلال فترة قياسية، في اقليم يشكو من انعدام التنمية الصناعية والزراعية ولا يزال يعاني من ازمات الماء وخدمات التصريف الصحي والكهرباء وبقية الخدمات اليومية، الى حد دفع سكان المدينة المنكوبة حلبجة الى تحطيم رمز المدينة استنكارا لتجاهل مطالبهم الاساسية؟
ما هو، اذن، مصدر ثروة القلة المتحكمة بقوت الاغلبية ؟ انه، باختصار شديد، سرقة المال العام.
فالهوة ما بين طبقة المليونيرية المسيطرة والمحتكرة وبين بقية السكان هائلة بكل المقاييس، ولم تعد تخفى على ابناء الشعب بحجة حماية المصلحة القومية والتخويف من 'الأعداء العرب'. فالاستغلال الاقتصادي واحتكار المناصب والفساد السياسي والاداري وقمع حرية الرأي، واعتقال الصحافيين المستقلين ومقاضاتهم وتغريمهم وقتل البعض تكميما للاصوات المستقلة المحتجة، وخنق القضاء وتعذيب المعتقلين، ليس مصدره خارجيا، عربيا كان او اجنبيا، كما تتحجج سلطة الاقليم، بل داخلية تتمركز في أيادي ابناء قبيلة واحدة وعائلة واحدة لاغير، حماية لمصالحهما الشخصية. صحيح ان مراكز التسوق الكبيرة و'القرى'، وفق الطراز الامريكي والانكليزي تبنى الا انها، باسعارها الخيالية التي تضاهي اسعار العواصم الاوربية، لاتزيد عن كونها مناطق مغلقة او غيتوات لذات النخبة 'المليونيرية' او المستثمرين الاجانب وبمنأى عن ابناء الشعب الذي لا يزال شبابه يهاجر في قوارب الموت بحثا عن ملجأ وفرصة للعمل . وتعتبر البطالة، بين الشباب، نتيجة حتمية لانعدام المنتج الزراعي والصناعي وغياب مشاريع التنمية الوطنية والاعتماد على الاستيراد في كل المجالات، بضمنها المحاصيل الزراعية التي طالما اشتهرت بها المنطقة.
كما يقودنا تفحص الوضع الاجتماعي في محافظات الاقليم الى نقلة اجتماعية سريعة، خلال عقدين من الزمن، قفزت به من مجتمع تقليدي محافظ على العادات والشعائر الدينية الى سوق مكتظة برجال الاعمال والمستثمرين الاجانب من مختلف الدول ومتعاقدي الشركات الامنية حيث 'تتمتع القوات متعددة الجنسيات بالراحة والاسترخاء في فنادق دهوك ومنتجعات دوكان، فيما يتنافس ممثلو شركات البترول الأمريكيون والأوروبيون على جذب اهتمام الأكراد'، بالاضافة الى استيراد العمالة الاجنبية بضمنها العمالة المنزلية، مما ادى الى احداث نوع من الشيزوفرينيا المجتمعية، حتى بين افراد العائلة الواحدة، متبدية بازدياد حالات قتل الفتيات (ما يطلق عليه جرائم الشرف) او اجبارهن على الانتحار. وهي ظاهرة تستحق الدراسة ضمن تسارع التغيرات السياسية والاقتصادية وعدم حصرها بمفهوم العنف الأسري والمجتمعي، كما تفعل معظم المنظمات النسوية الآن.
ان التظاهرات في ارجاء الاقليم لاتختلف كثيرا في مطالبها عن بقية التظاهرات التي هزت وغيرت حكاما عرب فاسدين تحنطوا على سدة الحكم منذ عقود. مما يمنحها خواصا يبعدها عن المنظور القومي الضيق. كما ان ردة الفعل القمعية ضدها من قبل سلطة الأقليم مماثلة، ان لم تكن استنساخا مما تلاقيه التظاهرات الاخرى. فالمتظاهرون يطالبون بالتغيير، بحل الحكومة الحالية المتقاسمة بين حزب العشيرة وحزب العائلة، بوضع حد للفساد الهائل، وتشكيل حكومة انتقالية لحين اجراء انتخابات نزيهة. غير ان جواب السلطة، كما حدث في تونس ومصر ويحدث في اليمن والبحرين وليبيا، والأكثر من ذلك، كما في بقية انحاء العراق، جاء بشكل اعتقالات جديدة واعلان الاتحاد الوطني، يوم الخميس 7 نيسان/ابريل، على هامش لقاء بين الطالباني والبارزاني، بأن 'حل حكومة كردستان خط احمر بالنسبة لنا'. ولم يتقاعس برهم صالح، رئيس الحكومة، كما فعل بن علي ومبارك والقذافي وعلي صالح والمالكي من قبله (يالمعجزة استنساخ أكاذيب الاستبداد!) عن تكرار اسطوانة ان 'هناك أجندات تحرك الشارع' و'استغلال هذه المظاهرات لتمرير أجندات مرتبطة بالخارج'، وأن 'لا نسمح لأقلية تستغل الحريات ومنها حرية التظاهر التي نعتبرها حقا قانونيا ومشروعا لتعكير الوضع الأمني'.
وكانت قوى المعارضة الكردستانية الثلاث (التغير، والجماعة الاسلامية، والاتحاد الاسلامي) قد قدمت، في آذار/مارس مشروعاً اصلاحياً مشتركاً يتألف من 22 نقطة. وقد امهلت المعارضة سلطة الاقليم مدة شهر واحد للرد على المشروع، وان يتم وضع القوانين واتخاذ الاجراءات الخاصة بالعملية الاصلاحية، وتحديد مدة شهرين لتنفيذ القوانين والقرارات الصادرة بهذا الشأن. ولكن، علينا الانتباه الى ان التظاهرات لا تشمل احزاب المعارضة فحسب بل تضم شبابا مسالما لا ينتمي الى الاحزاب المعلنة بل الى الشعب. فقد قام عدد من المثقفين الاكراد المقيمين في خارج وداخل الاقليم، باصدار بيان يطالبون فيه بالتحقيق في قتل وجرح المتظاهرين فضلا عن اعتقال 9 متظاهرين وتعذيبهم في اربيل يوم 25 شباط/ فبراير، واغلاق جامعة صلاح الدين وترحيل الطلاب من غير سكنة اربيل، وحرق مركز ناليا الاعلامي، مطالبين، أيضا، باستقالة وزير الداخلية والتعليم العالي والبيشمركة، وازالة الميليشيات والقوات الخاصة من اربيل وعدم منع المتظاهرين من التمتع بحقهم في التظاهر وابداء الرأي.
ان استمرار التظاهرات السلمية في اقليم كردستان بامتداداتها، في بقية العراق والعديد من الدول العربية، دليل واضح على ان استغلال المستبدين للشعوب واحد، مهما كانت القومية او الدين او الطائفة او الجنس، وأن انتفاضة الشعوب ضد الاستغلال وتحقيقا للعدالة هي واحدة ايضا، مهما أدعى المستغلون غير ذلك. وان الحرية والاستقلال الحقيقي لن يتحققا بدون وضع حد للاستغلال الاقتصادي واحترام كرامة الانسان وحقوقه
.