30/04/2007
يذكرني بعض مسؤولي حكومة الاحتلال، وبالذات أؤلئك الذين يقال بأنهم إنخرطوا في لعبة العمالة للإستعمار ضمن تبريرات الواقعية وتقاطع المصالح مع حكومة يصفونها بالعالمية، بمعلم صف ابتدائي عاجز علي ثلاثة مستويات، الاول عجزه عن التعليم والثاني ضبط النظام في الصف والثالث هو فشله الذريع في الفوز برضي مديره.انه المعلم الذي يستجيب لاوامرالمدير بمعاقبة التلاميذ كلهم اذا ما حدث وسبب تلميذ واحد بعض الضجة في الصف. وها هم مسؤولو حكومة الاحتلال يتخبطون في متاهة لعبة علي وشك ان تبتلعهم، يتصرفون مثل العميان في ضوء النهار متصورين بان افراد الشعب كله، مثلهم، لا يرون. ان اسباب سلوك المعلم في انزال العقاب بالصف كله بدون محاولة فهم الاسباب وماهية المشكلة او دوافعها كثيرة من بينها الشخصي والعام. الا ان اكثرها أهمية ، بلا شك، فضلا عن قصور ادراكه العقلي، هو خشيته من ان يلاحظ المدير ضعف ادارته للصف فيعاقبه عن طريق توجيه الانذار تلو الانذار ومن ثم طرده من وظيفته. وهذا هو ما يحصل بين صفوف مسؤولي الاحتلال في متاهتهم. فلتغطية عجزهم عن ادارة البلاد وترسيخ الامن وتوفير اساسيات الحياة والمحافظة علي حياة المواطنين والشروع ببناء (العراق الجديد) الموعود منذ سنوات، وللتستر علي نهبهم الاموال والموارد وتأسيس ميليشيات القتلة وتسليطها علي الناس، ولانقلاب حتي من انتخبهم ضدهم، ولاخفاء رعشة اجسادهم اللاارادية وتصبب عرق الخوف لمرأي مديرهم ـ سيدهم الامريكي في زياراته المفاجئة، ولكي لايفقدوا وظائفهم ومناصبهم ، يسارع مسؤولو المناصب الطائفية والعرقية بين الفينة والفينة بتنفيذ اجراءات العقاب الجماعي علي ابناء جلدتهم املا في الحصول علي رضا السيد وحمايته. هكذا أمر (الطبيب الانسان) د. أياد علاوي بمحاصرة الفلوجة وتهجير أهلها وتدمير70 بالمئة من بنيتها التحتية وخاصة المستشفيات حسب تقارير المنظمات الانسانية، كما حاصر مدينة النجف وجلس متفرجا علي قوات الاحتلال وهي تدنس الاماكن ذات الحرمة حالما سلمه بول بريمر منصب رئيس وزراء الاحتلال. هكذا أيضا جلس (الطبيب الانسان) د. ابراهيم الجعفري، رئيس حزب الدعوة، حالما تسلم منصبه بمباركة مرجعية بوش ورامسفيلد، متفرجا وقوات الاحتلال تمطر علي مدي اسابيع مدينة تلعفر بالقنابل والصواريخ والاسلحة الكيمياوية ثم تم تهجير سكانها وتهديم مستشفياتها وانزال العقاب الجماعي ، وفق الاسلوب الاسرائيلي، بكل من عارض سطوة الاحتلال. كما جلس (الطبيب الانسان) متربعا علي السجاد الايراني المفروش علي دهاليز التعذيب في الجادرية وعشرات المعتقلات التابعة لوزارة الداخلية في حكومته. ونظلم الطبيب الجعفري عندما نقول بانه جلس متفرجا فحسب لانه في الحقيقة كان متحمسا للعمليات الي حد انه سارع باطلاق التصريحات متباهيا ، مثل المعلم ضعيف الشخصية، بانه هو الذي أمر بمعاقبة سكان تلعفر وليس وزير الدفاع الامريكي رامسفيلد، وانه مسرور من نتائج العقاب. وتنفس العراقيون الصعداء عندما باركت مرجعية البيت الابيض الامريكي تعيين نوري المالكي رئيسا لحكومة الاحتلال بعد ولادة عسيرة استغرقت عدة شهور، وكان سبب الاستبشار واحدا وهو أن المالكي لايحمل لقب دكتور وانه ليس طبيبا حيث ذاق المواطن الامرين من الطبيبين السابقين اللذين لابد وانهما اقسما قسم أبقراط عند تخرجهما متعهدين بخدمة الناس وعدم الحاق الاذي بأحد ومعالجة المرضي ولو كانوا من الاعداء. وكان ما فعلاه، في فترة حكمهما، هو العكس تماما حيث شطا في خدمة القوات الامريكية في تهديم المستشفيات واهانة واعتقال الاطباء والمرضي. الا ان جلوس المالكي علي كرسي الحكم ولو كان مصنوعا من الكارتون أثبت للمواطنين بان مساحة الحلم في ظل الاحتلال لاوجود لها اطلاقا حتي ولو كان رئيس وزراء الاحتلال قد درس اصول الدين والادب العربي. لأن اولوية الموظف المسلوب الارادة هي ارضاء مديره وسيده حفاظا علي الوظيفة والراتب. ولان السادة الامريكان هم الاثبات العملي للتعريف القائل: (بأن الخرف هو ان تقوم بعمل الشيء ذاته المرة تلو المرة متوقعا نتيجة مختلفة)، سرعان ما ركب المالكي وحزبه دابة العمليات العسكرية الامريكية موهما نفسه، مثل علاوي والجعفري وطالباني والهاشمي، بانه صاحب قرار وسيادة، وفي أيام خرفه (ولن اقول حكمه) الاخيرة شرع بتبني المرحلة الاستعمارية الجديدة في حصار وتسييج واعتقال مدينة المدن ومشكاة النور والعلم والمعرفة، عاصمتنا بغداد من اجل (اعادة احتلال العاصمة) حسب تصريحات سادته والهادفة في الواقع الي تدجين أهل العاصمة الابية التي رفضت الخضوع ومنذ الايام الاولي للاحتلال لعبودية المحتل علي الرغم من جلبه أقوي جيش عسكري في العالم وآلاف المرتزقة وخدمه من العبيد العراقيين. في ظل المالكي، دارس اصول الدين والفقه ونائب رئيس حزب الدعوة الاسلامي، تعرفت بغداد علي وجه جديد للقتل والتعذيب. بات نهر دجلة مجري للجثث المشوهة. صارت الشوارع مقابر جماعية، واحتل العراق المنزلة الرابعة بين الدول المنفذة لاحكام الاعدام في العالم. وها هو قرار الحكم بالاعدام ينتظر كل هارب من الخدمة العسكرية. بينما تتنافس قوات الاحتلال وحكومة الميليشيات علي قتل المواطنين، حيث تستخدم الاولي اسلوبا (حضاريا) أي القتل قصفا وتهديم البيوت علي ساكنيها وبواسطة الاسلحة المحرمة دوليا، بينما تقوم الميليشيات المحلية باتباع الاساليب (غير الحضارية) مثل المداهمات العشوائية وتعذيب المعتقلين واغتصابهم سواء كانوا نساء أم رجالا ، ليحققوا بذلك، وبفضل حكومة المالكي، المساواة الجنسوية بين الرجل والمرأة التي وعدت بها الادارة الامريكية نساء العراق والشرق الاوسط. وقد نشرت صحيفة الانترناشونال هيرالد تربيون العالمية يوم 24 نيسان (ابريل) الحالي تقريرا عن كيفية تعذيب المعتقلين العراقيين بواسطة الضرب المبرح واستخدام التيارات الكهربائية والصلب من قبل قوات الشرطة والجيش (العراقيين) قبل نقل المعتقلين للاستجواب من قبل الامريكيين الذين ابدوا اعجابهم بتكنيك الشرطة والجيش في الاقناع وان تظاهروا بانهم لايؤيدون اسلوب التعذيب. وقد صرح رئيس المحققين الامريكيين معقبا علي الامر: (ما لااراه لااعرفه. لقد لاحظت خوف المعتقلين من السلطات العراقية الا اننا لانتدخل لان هذه ثقافتهم الاجتماعية). وهل نستغرب ان ينطق المحقق العسكري بمثل هذه التفاهة عندما ينبري موفق الربيعي المدعو مستشار الامن القومي، والذي وصفه بول بريمر في كتابه (عام في العراق)، ساخرا ، بانه مراسله مع السيد السيستاني، مصرحا لوكالات الانباء العالمية بان (الرقص حول جثث الموتي هو جزء من ثقافتنا الاجتماعية)! مما يدفعنا الي التساؤل عما اذا كان هناك من يعرف أين تربي هذا الربيعي؟ وفي ظل المالكي بلغ عدد المهجرين قسرا داخل وخارج العراق اربعة ملايين مواطن وصار اعدام مؤذني الجوامع الفوري عملا لايستدعي حتي اصدار تصريح رسمي. وفي أيام المالكي الاخيرة تم الاعلان عن قرب الانتهاء من بناء الجدار العازل المحيط بمنطقة الاعظمية في بغداد، ضمن (مبادرة المصالحة الوطنية)! ويعتبر بناء الجدران العازلة استراتيجية بدأتها قوات الاحتلال الامريكي في سامراء والفلوجة وامتدت لتشمل العديد من المناطق والاحياء السكنية في بغداد، حتي باتت مكتظة لكثرة الغوانتاناموات الامريكية المسيجة بالاسوار والتحصينات الكونكريتية والاسوار الشائكة المتناثرة مثل البثور الكريهة علي وجه المدينة الجميل. بمعني آخر تحويل العاصمة التاريخية الي سجن كبير مقسم الي قواطع وكل قاطع مخصص لطائفة او عرق. وانطلق المالكي مصرحا في القاهرة وازاء غضب أهل الاعظمية العارم والضجة الاعلامية الكبيرة التي صاحبت الاعلان الامريكي عن بناء الجدار العازل بانه سيأمر بوقف بناء الجدار، الذي أقترح تسميته جدار الدعوة الطائفي العازل لكي لا ننسي بان المالكي ليس مجرد فرد عادي أخطأ وستغفر له اخطاؤه بل انه نائب رئيس حزب طالما تباكي علي حقوق الانسان وحريته وهو من يدور ارجاء الكرة الارضية مقدما نفسه كرئيس للوزراء. والسؤال الان هو ما قيمة قرار المالكي الذي برر بناء الجدار، نصا، بانه (جاء من اجل حماية الاعظمية، خاصة وان الاعظمية منطقة عريقة وتحتاج الي الحماية)، بينما يعتبر جيش الاحتلال الأمريكي: (أن الهدف من بناء السور هو منع مسلحين شيعة من ارتكاب اعتداءات في هذا الحي لدفع سكانه إلي مغادرته، وأيضا منع انتقال المسلحين السنة الذين ينطلقون من هذا الحي لمهاجمة أحياء شيعية مجاورة). كما رفض المتحدث باسم خطة فرض القانون ما نقل عن نوري المالكي من انه امر بإيقاف بناء السور وقال العميد قاسم الموسوي لتلفزيون العراقية: ان الاجهزة الامنية تواصل بناء الحواجز الامنية وان المالكي متفق مع خططنا. وانتقد العميد قاسم (المبالغات الإعلامية) بشأن هذا السور قائلا إن السلطات ستواصل بناء الحواجز الأمنية في الأعظمية ومناطق أخري، ثم عاد عطا ليصرح بان قرار (رئيس الوزراء وقائد القوات المسلحة بوقف بناء الجدار سينفذ. وسيستبدل الجدار بطرق بديلة مثل الاسوار الشائكة والحواجز الترابية)! ان حكومة المالكي ـ الدعوة قد شارفت علي الاحتضار وستنتهي مهمتها حالما توقع علي قانون النفط والغاز، سواء شيدت جدار العزل الطائفي أم لا، الا ان مهمة الاحتلال الامبريالي لن تنتهي برحيلها بل سيعين الاحتلال مستخدمين عراقيين آخرين لانجاح ما فشلت حكومات الاحتلال في تحقيقه وهو تجزئة العراق وتفتيته وتحويل مدنه الي مناطق محاطة بالجدران العازلة والاسلاك الشائكة، تتحكم ببوابات الدخول اليها كلاب بشرية من حثالة المجرمين العراقيين والمرتزقة المتعاقدين من جميع انحاء العالم، ولن يتمكن ابناء وبنات العراق من تحطيم هذه الاسوار والتخلص من سلاسلهم الكونكريتية ما لم يكونوا واعين تماما بمؤامرات الاحتلال المستهدفة مقاومتهم الباسلة ووحدة نضالهم