22/04/2007
ربما لكي لا نصاب بالجنون لفرط اللامعقول الذي يعيشه اهلنا في العراق المحتل او لكي لا نموت هما وكمدا ازاء جسامة الكارثة التي غرزها الاحتلال ورعاها العملاء باشكال لايعرفها الا من ذاق طعم الاحتلال الانكلو امريكي، علينا البحث أحيانا في أكثر الجوانب ظلاما من حياتنا عن اللحظات المضحكة بعيدا عن المفخخات واستشراء وباء الميليشيات والانقسامات الطائفية. ولقد اكتشفت وأنا ابحث عن مفارقة ما تتيح لنا ولو للحظات وجيزة ان نستعيد مرحنا بأن في تصريحات ساسة حكومة الاحتلال كنزا من المفارقات والاكاذيب الواضحة التي تصلح للنشر علي نطاق واسع بين ابناء الشعب تشجيعا لهم علي الضحك في فترة المحنة الخانقة التي يحيونها خاصة وان الساسة يؤدون ادوارهم بحرفية عالية وبوجوه متصلبة تكاد ان تتفطر مثل أرض لم تعرف طعم المطر منذ سنوات، وبجدية يحسدهم عليها أي كوميدي بريطاني او امريكي متمرس في تمثيل الادوار الفكاهية واطلاق النكات المبنية علي مفارقات السياسة. ولعل اكثر العروض الكوميدية اثارة للضحك هذا الاسبوع هو العرض المزدوج المتضمن تصريح رئيس وزراء الاحتلال نوري المالكي يوم الثلاثاء وتهديد وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس له يوم الخميس.من ناحية المالكي، جاء عرضه الهزلي بشكل تصريح طويل في مؤتمر صحافي عقده يوم الثلاثاء الماضي ضمن أسوارالمنطقة الخضراء التي لا يغادرها الا ليزور بلدانا نائية تماما عن العراق مثل امريكا واليابان وكوريا الجنوبية ليضمن سلامته. وقد اختار المالكي اظهارا لروح الدعابة التي يتمتع بها ثلاثة موضوعات أساسية تهم المواطن العراقي. الاول هو موضوع المهجرين قسرا من وطنهم المشتتين بين العديد من البلدان في واحدة من اكبر المآسي التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط منذ تأسيس الكيان الصهيوني في عام 1948 وحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقد بلغ حجم الكارثة الانسانية حدا دفع ممثلي 60 دولة ومنظمة دولية وانسانية للاجتماع في جنيف يومي 17 و 18 نيسان (أبريل) للبحث في سبل مساعدة اللاجئين الذين تقدر المفوضية عددهم بحوالي مليوني شخص فروا إلي الدول المجاورة فضلا عن مليون و900 ألف شردوا داخل البلاد بسبب العنف. وبحث المجتمعون كيفية ايجاد الحلول وتقليل العبء عن الدول المجاورة وتخفيف مصاب المهجرين وتوفير الرعاية الصحية والتعليمية لهم خاصة وان اعدادهم في تزايد مستمر مما يعني، عمليا، بأن الحكومة العراقية (المنتخبة ديمقراطيا حسب مصادر في البيت الابيض الامريكي) لم تتخذ أيا من الاجراءات اللازمة لتوفير الامان والاستقرار وتوفير شروط الحياة الاساسية للشعب. وبينما أصبحت قضية اللاجئ العراقي، ابن البلد الغني بموارده وثرواته، حديث كل من هب ودب علي وجه الكرة الارضية يجمعون له التبرعات والمنح، انبري المالكي، مقلدا رؤساء المنظمات الانسانية ومبعوثي الدول الاجنبية، ليعلن وبالحرف الواحد: (عن تخصيص مبلغ 25 مليون دولار لدعم المهجرين العراقيين في الخارج). قارنوا المبلغ الذي خصصه المالكي لمليوني لاجئ عراقي يعيشون أحلك فترات حياتهم بعيدا عن بيوتهم وكل مايعرفونه ويألفونه بمبلغ الثمانية مليارات دولار التي أختفت في جيوب مسؤولي حكومات الاحتلال في الاربع سنوات الاخيرة الذين لايزيد عددهم ومهما تكاثروا علي الخمسمائة في أحسن الاحوال. قارنوه ايضا بمبلغ المليار دولار الذي سلمه بول بريمر الي البارزاني (رئيس اقليم كردستان)، قارنوه بمبلغ ال 750 مليون دولار الذي خصصه بول بريمرلمنظمات المجتمع المدني ومنها المنظمات النسائية، ومعظمها منظمات وهمية، حسبما بلغ اياد علاوي عشية تعيينه رئيسا للوزراء. قارنوه بمليارات الدولارات من عائدات النفط لمدة اربع سنوات وبدون عداد قياس او سجل رسمي يثبت مردود الصادرات. قارنوه بتصريح القاضي راضي حمزة الراضي رئيس هيئة النزاهة عن وجود قضايا فساد اداري ضد ثلاثة وزراء حاليين كما ان العام الحالي سيشهد حسم 400 قضية معروضة من العام الماضي. قارنوا واضحكوا لاننا ان لم نضحك علي مثل هذا التصريح قد يصدق المسكين نفسه. اما الموضوع الثاني فهو قرار نوري المالكي ( تشكيل لجنة مختصة بالنظر في شؤون المعتقلين والمحتجزين لدي السلطات العراقية والقوات متعددة الجنسيات للمباشرة بالإفراج عمن لم تثبت إدانتهم). والمضحك في القضية هو تقليد ساسة الاحتلال العراقيين لسادتهم في واشنطن ولندن من ناحية تشكيل اللجان المختصة. وهي مسألة ممتازة لو ان اللجان التي يتم تشكيلها حقيقية وتقوم بالنظر فعلا وليس ذر الرماد في العيون كما يحدث في (العراق الجديد). فهل يتذكر احدنا اللجان المختصة التي شكلت في ظل الاحتلال للتحقيق في القضايا المهمة؟ اليكم بعضها: للتحقيق في قضايا الاغتيالات شكلت لجنة تحقيق مكلفة من قبل إبراهيم الجعفري، لاحتواء نقمة الناس علي فضيحة التعذيب في معتقل الجادرية تم تشكيل لجنة تحقيق وزارية برئاسة نائب رئيس الوزراء روز نوري شاويش، تم تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في جريمة اغتصاب وقتل الصبية عبير الجنابي وافراد عائلتها، تشكيل لجنة للتحقيق في حادث تفجير المرقدين في سامراء ولجنة اخري للشروع في اعادة البناء، تشكيل لجنة للتحقيق في حادثة تفجير البرلمان. هذا غيض من فيض من اللجان وغرف العمليات. فهل أعلنت ولو لجنة واحدة عن نتائج تحقيقاتها؟ لا اظن ذلك. وهل سيكون مصير اللجنة الجديدة المختصة بالنظر في شؤون المعتقلين مختلفا عن سابقاتها؟ لا أظن ذلك. وتحدث المالكي بالجدية ذاتها عن نتائج زيارته إلي كوريا واليابان في الأسبوع الماضي والتي نتج عنها اثقال كاهل العراق بقرض سيدفع المواطنون فوائده غاليا، قال المالكي: (من أهم النتائج التي تحققت خلال الزيارة هي موافقة الشركات الكورية واليابانية الدخول للمشاركة في اعادة إعمار العراقي في جميع الجوانب الاقتصادية من زراعة وبني تحتية وتصفية نفط وبناء محطات كهرباء، حيث تم الموافقة علي رفع الحظر الذي كان مفروضا علي الشركات من دخول العراق). وبعد الضحك علي نكتة (المشاركة في اعمار العراق في جميع الجوانب الاقتصادية) والتي عجزت كل دول (القوات متعددة الجنسيات) عن انجاز ولو جزء بسيط منها، استوقفتني جملة (رفع الحظر الذي كان مفروضا علي الشركات) لاتساءل هل هذه هي قمة التنكيت لدي المالكي ام ماذا؟ ما الذي يعنيه بالحظر ومن الذي فرضه؟ هل يقصد الحظر المفروض من قبل امريكا وبريطانيا تحت ستار الامم المتحدة سنوات الحصار الجائر أم انه حظر فرضته الادارة الامريكية لاحتكار العقود الرئيسية من قبل الشركات المتعاونة والمؤيدة لها فقط؟ واختتم المالكي عرضه المضحك بتشكيله (لجنة مكونة من وزارة الصناعة والمعادن، ووزارة الاعمار والاسكان، ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية من اجل بناء جسر الصرافية في مدة اقصاها اربعة اشهر وبناء شارع المتنبي وفق طراز حديث). فلنتذكر جميعا تاريخ هذه الوعود علي الرغم من نوبة الضحك التي تثيرها ولنراجعها بعد اربعة شهور أي بتاريخ 14 تموز (يوليو) لنري كيفية الوفاء بها وعسي ان تثبتنا الايام مخطئين. هذه الوعود المضحكة تم اطلاقها يوم الثلاثاء بينما قدم غيتس، وزير الدفاع الامريكي، عرضه الخاص بعد يومين فقط. اذ وصل غيتس إلي بغداد يوم الخميس في زيارة مفاجئة بعد ان صرح للصحافيين قبيل مغاردته الكيان الصهيوني، الذي كان من المقرر أن يكون المحطة الأخيرة في جولته في المنطقة، إنه سيبلغ (الزعماء العراقيين) بأن التزام الولايات المتحدة العسكري في العراق لن يكون إلي ما لا نهاية وبأنه يريد ان يري إقرار قانون النفط، وان تحقيق ذلك سيؤدي إلي انحسار أعمال العنف. ويحق لنا ان نضحك علي تصريح غيتس بأن التوقيع علي قانون النفط سيؤدي إلي انحسار أعمال العنف لاننا نعرف جيدا بان ( العنف) المذكور وباء جلبه الاحتلال ولن ينحسر الا برحيل الاحتلال. كما اننا نعرف جيدا بان الشعب العراقي لاينظر الي توقيع قانون النفط كملهاة او ككلام فارغ يطلقه ساسة الاحتلال تشدقا وزيفا بل يري النفط ملكا مقدسا للشعب كله ولايجوز التفريط به باي شكل من الاشكال. ان الشعب العراقي يعرف جيدا كيف سيجيب المالكي علي تهديدات غيتس بسحب القوات الامريكية، وكيف سيسرع هو وأقرانه الي توقيع قانون النفط الكارثي بحق العراقيين والعراق وعلي مدي اجيال مقبلة، ظنا منهم بان التوقيع سيوفر لهم المساندة الامريكية الدائمة غير مدركين بان توقيعهم علي القانون سيكون بمثابة اصدار حكم غير قابل للتمييز بالتخلص منهم من قبل اسيادهم بعد انتهائهم من اداء الدور المطلوب منهم.