Saturday 5 May 2007

مؤتمرات المحتل وفتنه الطائفية تفشل باجهاض حلمنا بالحرية

05/05/2007
لم يكن لمؤتمر شرم الشيخ الذي عقد في مصر منذ يومين علاقة بالعراق والعراقيين الا بالاسم ولم يكن بالامكان توقع
غير ذلك مهما كانت (واقعية) النظر اليه، لأن الجهات المنظمة له تهدف، علي الرغم من كل الادعاءات المغايرة، الي انقاذ الاحتلال وحكومته وليس الشعب العراقي. كان المؤتمر معنيا ببرنامج ابتكرت له اسماء بنود جديدة بمحتوي قديم مثل كل برامج المؤتمرات السابقة المنعقدة تحت مظلة الاحتلال، وقد صرف علي تهيئته ملايين الدولارات، والاغلب ان ميزانيته الضخمة من طعام ومكان ومواصلات وشركات أمن وحماية، ستقتطع من ميزانية العراق مثلما حدث اثناء فرض الحصار المدمر، حيث تم استقطاع تكلفة ادارة برنامج النفط مقابل الغداء لموظفي ومستخدمي الامم المتحدة وغيرهم من مرتادي المؤتمرات من ميزانية العراق الشحيحة. وتذكرنا مشاركة الامم المتحدة في رعاية مؤتمر شرم الشيخ جنبا الي جنب مع حكومة الاحتلال وادارته بدور المنظمة سيئ الصيت في اضفاء الشرعية الدولية علي أطول وأقسي حصار اقتصادي مفروض علي شعب في التاريخ المعاصر، اعتبره البعض بانه قرار ابادة تم تنفيده بمرأي من العالم كله، وكانت واحدة من نتائجه قتل نصف مليون طفل عراقي، وصفت مادلين اولبرايت، وزيرة الخارجية الامريكية حينئذ، استشهادهم بانه ثمن يستحق الدفع للتخلص من نظام صدام حسين. ويا ليت جريمة الابادة اقتصرت علي ذلك، فقد حصد اعصار بناء (العراق الامريكي الجديد) حياة ما يقارب المليون عراقي تقريبا منذ (تحريره) وحتي اليوم واعداد الضحايا في تزايد مستمر برعاية الاحتلال. كيف يري المواطن العراقي مؤتمر شرم الشيخ وهو المبتلي في يوم انعقاد المؤتمر، كما هي ايامه الأخري، بالعثور علي عشرات الجثث وتفجير السيارات المفخخة واستخدامه ووطنه كحقل تجارب لانواع جديدة من الاسلحة يتم تطويرها من قبل الدول ذاتها الحاضرة في المؤتمر فضلا عن كونه مواطنا في بلد محتل تعرض للخراب والدمار المتعمد وتتحمل مسؤولية هذا الخراب والدمار الاقتصادي والبشري معظم الدول المجتمعة بشكل مباشر وغير مباشر؟ حكم الناس علي المؤتمر واضح: انه مؤتمر آخر يضاف الي كل المؤتمرات السابقة التي عقدت في السنوات الاربع الاخيرة وصنفت تحت مسميات متنوعة مثل الثنائية والثلاثية والرباعية ومؤتمرات دول الجوار والدول المانحة ودول الخليج والمصالحة والميثاق .. الخ، مع العلم ان مؤتمرات دول جوار العراق لوحدها كانت قد بلغت 11 مؤتمرا ولم تصل الي أي نتيجة ملموسة ومفيدة للشعب العراقي. ويشبه مؤتمر شرم الشيخ بحضوره المكثف والممثل لستين دولة التفاف 60 شخصا حول سرير مريض في ردهة مستشفي بدون ان يتجرأ احدهم علي ذكر الحقيقة، وهي: أولا، انهم ليسوا أطباء وثانيا ان المريض مصاب بمرض عضال لاشفاء له وثالثا ان من الاجدي للمريض المحتضر ولمن حوله توفير ظروف الرحيل وليس اطالة الاحتضار. المريض، في هذه الحالة، هو ادارة الاحتلال الامريكية وحكومة الاحتلال المحلية. ان الشعب العراقي الذي تم تهجير ما يزيد علي الاربعة ملايين من ابنائه قسرا في داخل وخارج العراق والذي استشهد منه مئات الالاف خلال اربعة اعوام فقط في سباق قتل لم يشهد له تاريخ العراق الحديث مثيلا، والذي يموت اطفاله جوعا وجهلا وتشويها، لاعلاقة له بشرم الشيخ ومؤتمرات الاحتلال الانكلو امريكي السابقة. هذه المؤتمرات، وعلي الرغم من نوايا البعض الحسنة الساذجة والنبيلة، خاصة بين العاملين في المنظمات الانسانية العالمية المحايدة حقا مثل منظمة الصليب الاحمر الدولي، غايتها البراغماتية انقاذ الاحتلال من غيبوبة موته. الكل يعلم ان لا جدوي من المحاولة ومع ذلك يستمر في عملية الانعاش . وقد حدث الشيء ذاته اثناء الغزو الامريكي لفيتنام، اذ دامت محاولة انعاش الاحتلال المتأرجح ما بين الغيبوية والموت، عشر سنوات مريرة دمرت خلالها القوات الامريكية الخاسرة وبمساعدة عملائها، كل ما هو حي في البلاد من الاراضي والحقول والغابات الي الناس. ان مؤتمر شرم الشيخ بأعلام دوله الكثيرة وحضور المنظمات العالمية والمراقبين الدوليين، فاشل لانه مثل كل المؤتمرات التي سبقته قد رتب وفقا لمتطلبات وشروط المحتل التي تنص علي تسمية الاحتلال تحريرا، والعبودية السياسية والاقتصادية سيادة، والوجود العسكري المهين حماية. ان معظم المدعوين الي المؤتمر من العراقيين هم ذاتهم من فتحوا ابواب مدننا وبيوتنا للغزاة وقالوا لهم تمتعوا بما تشاؤون ما دمتم توفرون لنا الحماية. ولم يختلف خطابهم كثيرا في شرم الشيخ عن غيره اذ ما يزالون يرددون نغمة الحرب علي الارهاب وابقاء قوات الغزو الانكلو ـ امريكي ـ الصهيوني واستجداء القروض التي سيتقاتلون فيما بينهم علي محاصصتها ونهبها، بينما ستكبل الشعب العراقي بقيود جديدة وفوائد متراكمة سيستمر هو وابناؤه في دفعها. ومن الجدير بالذكر انه في يوم انعقاد مؤتمر شرم الشيخ وتكرار شعار (وثيقة العهد الدولي .. شراكة جديدة مع العراق)، شكل البيت الأبيض لجنة خاصة للتحقيق مع ستيوارت بوين المفتش الأمريكي الخاص بمشاريع إعادة الإعمار في العراق والذي قام في العامين الماضيين بكشف الكثير من حالات الفساد في الجانبين العراقي والامريكي. وقد تم تعيين ستيوارت بوين في كانون الثاني (يناير) من العام 2004، وُيصدر مكتبه تقريرا ربع سنوي حول مشاريع إعادة الإعمار في العراق، يتم رفعه إلي الكونغرس، وفي تقريره الأخير قال بوين إن 7 من كل 8 من مشاريع الاعمار والتي كلفت 150 مليون دولار قد أخفقت وهي الآن إما مغلقة أو غير صالحة للاستخدام. وهذا غيض من فيض من الفساد المالي والاداري المستشري في جسد حكومة الاحتلال بالاضافة الي نهب الثروة النفطية والتحضير لتوقيع اتفاقية النفط والغاز والتهام كل ريع او مورد مادي تعود ملكيته للشعب العراقي. ان وثيقة العهد الدولي للعراق الذي تم التوقيع عليها في شرم الشيخ هي تكريس للاحتلال وحكومته وميليشياته التي تتنقل بهمجية الامبريالية في شوارع ومدن العراق واجوائه مستمتعة بلذة القتل والتنكيل، انها الختم الرسمي الدولي الجديد للفحوي القديم وهو استمرار حصانة جنود الاحتلال في قتلهم وقصفهم وانتهاكهم الاعراض، انها أيضا وثيقة الامداد المادي للميليشيات والمرتزقة وحراس المنشأت بالرواتب والاجور، وهي وثيقة لا تحترم رغبة الشعب العراقي ومقاومته الوطنية الباسلة في تحرير العراق وتحقيق الاستقلال والسيادة بل تنص علي تمديد ابقاء الاحتلال وحكومته عن طريق التضليل والخداع والتلاعب بمشاعر الناس وتحويل انظارهم عن السبب الحقيقي لكل ما يعانيه المواطن العراقي الا وهو الاحتلال وما ولد من رحم الاحتلال من حكومة ميليشيات، مبررين بأن ما يجري في العراق سببه الارهاب، متناسين في غيبوبة الموت بان الارهاب صناعة أنكلو ـ امريكية ـ صهيونية وان العديد من الشعوب قد مرت بالتجربة ذاتها، وما الجزائر وفيتنام وايرلندا الشمالية وفلسطين غير بضع امثلة علي زرع الارهاب والفتنة. وبلغ التضليل الاعلامي وبرامج الاعلام الدعائي والزيف العالمي ذروته عندما وقف نوري المالكي المنغمر، اليوم، حتي عنقه في دم الشهداء العراقيين العارف ان لم يكن مشاركا في الاجهزة السرية المستهدفة للمواطنين، المحتضن لقوات المرتزقة والمتعاقدين الامنيين، الذي صارت، في ظل حكم حزبه اي الدعوة الاسلامي، جريمة اغتصاب المرأة والرجل حدثا عاديا لايستحق حتي الاستهجان، وقف امام أنظار العالم كله ليتاجر بمأساة المواطن العراقي كما تاجر، في الامس القريب، بمعاناة افراد عائلته وأقاربه وضحايا حزبه، متحدثا عن: (اشاعة ثقافة الحوار والتسامح ومواجهة كل مايعرض النسيج الاجتماعي الي الخطر)! لقد نجحت حكومة حزب الدعوة، باستخذائها، في تحويل الوطن الي ساحة للارهاب العالمي وورقة لعب للمقايضات والصفقات الامريكية الصهيونية في المنطقة، وهي تنحر المواطن العراقي قربانا في المؤتمرات. ان حضور وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس المؤتمر لم يتم من أجل سواد عيون العراقيين كما ان وجبات الطعام المهيئة لم تطبخ للعراقيين. انها طبخات محلية واقليمية لتغذية شرايين الامبراطورية الكبيرة علي حساب النزيف العراقي. الا ان سنوات الاحتلال المريرة قد أثبتت بان الشرايين قد بدأت بالانكماش علي الرغم من كل المؤتمرات والعمليات العسكرية المستهدفة لحياة المواطنين. لقد فشلت خطة بيتراياس ـ المالكي بكل عنجهيتها العسكرية فشلا ذريعا مسببة قتل المزيد من الابرياء والاعدامات والعقاب الجماعي وبناء جدران العزل الطائفي غير الممثل لتركيبة ونسيج الشعب العراقي. لقد حاول المحتل ان يكرس نظرية عزل المقاومة عن الشعب وبطرق مختلفة ليسود ويفرق. فاستخدم مصطلحات المثلث السني، والسني يقاتل الشيعي، ثم الشيعي يقاتل الشيعي، والسني يقاتل اليزيدي، وأخيرا الكردي يقاتل الشيعي. كما حاول عزل المقاومة عن الشعب واتهامها بقتل الابرياء، واطلاق التصريحات باسماء وهمية تدعي تمثيل المقاومة، ولم يحصد غير الفشل. ان حكم المواطن العراقي علي المؤتمر ليس مبنيا علي طوباوية الوهم او الرغبة في معاداة العالم، فالمواطن يعرف جيدا ان حياته مرتبطة بحياة الناس في بلدان اخري وان احلامه وتطلعاته تشبه احلام وتطلعات مواطني العالم الا ان حكمه مبني علي ذات الواقعية التي يطالبنا عبيد الاحتلال بتبنيها، انها واقعية تجربته المريرة تحت الاحتلال المهين المبني علي امتصاص الحياة من كل نسغ ليتجذر في العراق ويهيمن علي كاهل ابنائه لبناء امبراطوريته التوسعية، وهو فعل ينافي روحا وفكرا وواقعا حرية الانسان، اينما كان، وتطلعاته نحو بناء مجتمع يستند الي العدالة والسلام واحترام كرامة المواطن.