09/04/2007
اتصلت السيدة كاثي ماكين من منظمة قلم (بن) العالمية، فرع لندن، التي تتبني الدفاع عن سجناء الرأي وحرية التعبير، طالبة المساعدة في ترويج حملة للدفاع عن المترجمين والكتاب العراقيين الذين (تتعرض حياتهم للخطر المباشر من قبل المتمردين المسلحين والاسلاميين المتطرفين) حسب رسالتها والتصريح المرسل من قبلها بتاريخ 31 تموز (يوليو) 2006. وكانت كاثي ماكين قد ذكرت في رسالة سابقة وبتاريخ 15 ايار (مايو) 2006 بان المنظمة قد تبنت خمس قضايا لثلاثة مترجمين وصحافي وكاتب، ومن بينهم مترجمة واحدة، وان المنظمة قد نجحت في مساعدة مترجمين اثنين علي الحصول علي اللجوء في النرويج وتبحث عن بلدان اخري توفر اللجوء لاعداد متزايدة من المترجمين الهاربين. ويتبين من تفاصيل القضايا المتبناة بان المترجمين الثلاثة قد سارعوا للعمل منذ ايام الغزو الاولي مع قوات الاحتلال الامريكي في مدينة الموصل وانهم من الشباب المتخرجين حديثا، اما الصحافي والكاتب فقد عملا علي اصدار صحيفة محلية ناطقة باسم قوات الاحتلال واسمها الامل الجديد. فكان جوابي علي طلب المساعدة والعمل ضمن حملة للدفاع عن القضايا المعنية مختصرا مفاده ان من حق اولئك المتعاقدين للعمل مع قوات الاحتلال، حالهم حال أي متعاقد آخر، ان يوفر لهم رب عملهم الحماية بكل اشكالها وبضمنها الترحيل من موقع الخطر. أي ما معناه توفير الاقامة والعمل في امريكا بعيدا عن العراق. وهذا هو أحد اسس شروط العمل ومن حقوق المتعاقدين، خاصة وان جنود الاحتلال والمتعاقدين معهم يتمتعون بالكثير من الامتيازات وبضمنها الحصانة من القوانين العراقية والدولية، فلم لا يتمتع المترجم الخادم للاحتلال بحق الحماية من غضب شعبه؟ ولان المترجمين و(الكتاب) العراقيين قد تطوعوا للعمل مع المحتل فان من حقهم علي المحتل ان يوفر لهم اللجوء. ونصحت السيدة بان تركز جهودها وجهود منظمتها علي ملاحقة الادارة الامريكية لحثها علي قبول عدد اكبر من الهاربين كلاجئين لديها وان توفر لهم الرعاية مدي الحياة هم وعوائلهم لما ادوه من خدمات لصالح الادارة الامريكية. والمعروف ان منظمة قلم لم تتبن ايا من قضايا الكتاب والصحافيين الذين اعتقلتهم واهانتهم وعذبتهم قوات الاحتلال ومنهم من كان بعضنا قد كتب لها عنهم بالإسم دعما لجهود رفاقهم أوعوائلهم. ولنعد الي قضية المترجمين. ان استهداف المترجمين العاملين مع قوات الاحتلال والمقيمين معهم في معسكراتهم لاعلاقة له باستهداف حرية الصحافة والرأي، كما تحاول منظمة قلم وغيرها من المنظمات المتباكية علي الحرية والديمقراطية ان توهمنا. ان سبب استهداف المترجمين هو لانهم يعملون مع المؤسسة العسكرية للاحتلال وبابشع صورها، وقد قاموا بالتطوع للعمل فيها ولم يجبروا، طمعا بمغريات العمل الكثيرة كما ساوضح ادناه. اذا ما تفحصنا حال المترجمين العاملين في منظومة الاحتلال داخل العراق لوجدنا بان هناك نوعين. النوع الاول هو من المواطنين الامريكيين من اصل عراقي او عربي أو اللاجئين منهم الي امريكا وتم تجنيدهم وفق شروط عمل الموفدين من الخارج اما النوع الثاني فهو من العراقيين الذين تم استخدامهم محليا بعد الغزو. بالنسبة الي النوع الاول، لقد قدموا طلباتهم للعمل في الاجهزة الامريكية المختلفة وأولها الاستخباراتية والعسكرية كمترجمين بعد ان أعلن جهازا المخابرات الداخلية اف بي آي والخارجية السي آي أيه عن حاجتهما الماسة الي تشغيل مترجمين يجيدون اللغتين العربية والانكليزية في اعقاب الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، اما وزارة الدفاع الامريكية فقد اصدرت الاعلانات المتتالية علي موقعها في الانترنت مباشرة او من خلال مكاتب التشغيل الخاصة، عن توفير فرص العمل المغرية للناطقين باللغة العربية وذلك اثناء الاعداد لغزو العراق. حيث انتبهت اجهزة المخابرات الداخلية والخارجية الي ان أكوام المعلومات الاستخباراتية التي تم تجميعها عن (الارهابيين العرب) والوثائق والمكالمات الهاتفية المسجلة للناطقين بالعربية المقيمين في داخل وخارج امريكا لغرض استخلاص الخطط وبناء استراتيجية محاربة الارهاب وملاحقة الارهابيين ما هي غير أكوام من شرائط واوراق لاقيمة لها ما لم تتم ترجمتها وقراءتها وتصنيفها لانها جميعا باللغة العربية. كما ادي تزايد النشاط الاعلامي المحموم وعقد المؤتمرات تهيئة للغزو الي ادراك الادارة الامريكية بأن نقص الناطقين باللغة العربية العاملين ضمن دوائرها ومؤسساتها سيعيق عملها في البلد الذي تريد تحويله الي نموذج للديمقراطية. حيث تبين بان عدد من يجيد اللغة العربية في وزارة الخارجية هو اقل من 60 موظفا من بين 279 يعرف بعض العربية وخمسة فقط منهم بامكانهم التعليق علي شؤون الشرق الاوسط بمواجهة متحدث اخر في برنامج تلفزيوني عربي. اما علي مستوي الجيش الامريكي كله فليس هناك غير 1300 جندي يقرأون او يكتبون بعض العربية. وكان أحد حلول القيادة المركزية الامريكية المقترحة طلب تشغيل الجنود الكويتيين كمترجمين فضلا عن الصهاينة الاسرائيليين الناطقين بالعربية. وكان من بين شروط العمل، بداية، ان يكون المتقدم حائزا علي الجنسية الامريكية والشهادة الجامعية وبراتب اقصاه 80 ألف دولار سنويا. أما الان وبعد ان تبخر وهم استقبال المحتل بالزهور والحلويات وهرب االعملاء ومن بينهم المترجمون فان شروط العمل تغيرت لقبول خريج المتوسطة او الثانوية وحامل الكارت الخضر اذا كان ناطقا (بالعراقية) او حتي من ليست لديه الاقامة بعد. فحسب اعلان مؤسسة بينا سولوشينس عن حاجتها لتوظيف المترجمين لصالح الادارة الامريكية، بتاريخ 19 آذار (مارس) 2007، تتضمن المغريات: التأمين الصحي والتأمين علي الحياة والاستثناء من الضرائب مع اجازة مدفوعة الراتب ومعدل الراتب صار ضعف ما كان عليه في العام الاول للغزو وهو 160 الف دولار سنويا. ويعزف اعلان لوزارة الدفاع الامريكية علي نغمات الوطنية الامريكية لجذب المترجمين من الشباب العراقي اذ يشير الي انهم بحاجة ماسة الي مترجمين ناطقين بالعربية من اجل المساعدة في (بناء العراق). ويتطلب العمل (ناسا مخلصين لمساندة ودعم الحكومة الامريكية والجيش الامريكي)، لتوفير (الدعم اللغوي للعمليات العسكرية وقراءة وتحليل الوثائق والمعلومات اثناء وجودهم في القواعد الامريكية في العراق) و (محاربة الارهاب). وتتضمن مغريات الوظيفة: الاعفاء من الضريبة ودفع كل الديون الشخصية واجور الدراسة الجامعية وكل المصاريف في العراق ودعم اي مشروع تجاري برأسمال معين، والحصول علي عمل بعد انتهاء العقد في العراق، والسفر مجانا الي الدول المجاورة اثناء العطلة. وقد ينبري احدهم ليقول بان في تسليط الضوء علي هذه المعلومات تشجيعا علي استهداف المترجمين الذين يضحون بحياتهم لاداء عمل تكنوقراطي لا اكثر ولا اقل. هنا، علينا القاء بعض الضوء علي طبيعة عمل (المترجم) في واقع العراق، ففي تصريح لناطق من بيرسكوم او دائرة الذاتية العسكرية للجيش الامريكي: بان الجيش سيحتاج الي 850 محققا عربيا ليتمكن من تنفيد مهمته في التحقيق مع الاف المعتقلين وكل ما لديه حاليا هو 70 محققا ولم يتم نقلهم جميعا الي العراق. فمن الذي يقوم بالتحقيق واستجواب وتعذيب المعتقلين الذين يزيد عددهم علي الثلاثين الف معتقل في المعسكرات والمعتقلات الخاضعة للاشراف الامريكي؟ كيف سيقوم الخمسون محققا بذلك كله ومعظم عمليات التحقيق تتطلب استجواب المتهم الواحد مدة 24 ساعة متواصلة مع اخضاعه للاهانة وانواع التعذيب؟ وكما تشير كل الوثائق الرسمية المنشورة بعد فضيحة ابو غريب فان طبيعة عمل (المترجم) العراقي والعربي تتماهي مع المحقق والجلاد بحيث لا يمكن الفصل بينها. فالمترجم هو المجسد للمحقق والجلاد. من هنا نشأت الحاجة لاستخدام المترجمين العراقيين المحليين ليغطوا نقص الوافدين من الخارج بامتيازاتهم الضخمة ولينفدوا ايضا مهام الضرب والتعذيب وتوجيه الاهانات وتوجيه النصح للقوات الامريكية بأنجع الطرق لاهانة المعتقل العراقي وتسريع عملية اجباره علي الاقرار بما يراد منه. وقد التقيت اثناء وجودي في بغداد بخريج في العشرين من عمره عمل كمترجم لقوات الاحتلال، حدثني متفاخرا كيف كان يضرب المعتقل اثناء استجوابه لانه يرفض الاجابة علي (اسئلته). نلاحظ هنا ومن تعابير الشاب بانه تماهي مع آلية التعذيب ولم يعد شخصا يقوم بعمل تكنوقراطي بل برر ضربه للمعتقل بانه يستحقه لانه رفض الاجابة علي (اسئلته) هو ولم يقل اسئلة ضابط التحقيق الامريكي. وقد هرب الشاب الي سورية وهو بانتظار ان تتصدق امريكا عليه باللجوء بعد ان تم توجيه رسالة تحذير له من قبل المقاومة، مثبتة بان عملها مبني علي اسس حضارية ولا تستهدف المترجم لكونه مترجما بل لانه العميل الجلاد الذي شارك بعمليات التعذيب المريعة في ابو غريب وبوكا وكروبر وبقية معتقلات الاحتلال اما بشكل مباشر او غير مباشر عن طريق الصمت. كما شاركوا في سرقة المواطنين اثناء مداهمتهم البيوت ومشاركة بعضهم في تهريب الاثار. السبب الاخر الذي دفع الكثير من المترجمين المحليين علي ترك العمل هو قلة رواتبهم بالمقارنة مع الوافدين وقياسا بالمخاطر التي يتعرضون لها. حيث تم تعيين المترجم المحلي باجرة 5 دولارات يوميا، واعتبرها المحلي نعمة في عام 2003 بالمقارنة مع رواتب فترة الحصار الجائر، الا انه سرعان ما ادرك بانه قد قبل الفتات قياسا للمترجم العراقي ذي الجنسية الامريكية الذي كان يتلقي مبلغ 350 دولارا لكل يوم عمل. لقد تخيل الغزاة بانهم وما ان يحتلوا العراق بجيشهم وتقنيتهم العسكرية المتقدمة وحفنة عملائهم سيستحوذون علي الانسان العراقي بتاريخه وحضارته وثقافته ولغته وها هم اليوم يدورون كالعميان في غرف مظلمة خلقوها لانفسهم وعلي رقابهم اجهزة للترجمة الالية اخترعتها واهدتها اليهم شركة بي ام آي بعد ان باتوا لايطمأنون حتي لاكثر العملاء قربا منهم. اذ لم يعد هناك في السفارة الامريكية في المنطقة الخضراء الان غير ستة اشخاص فقط يعرفون اللغة العربية من بين ألف موظف. ان جهل عدونا بلغتنا وثقافتنا هو أحد جوانب ضعفه في معركة غير متكافئة. وحري بكل مواطن حريص علي استقلال ووحدة وطنه وشعبه الا يمد للعدو يد المساعدة وان كان عمله تكنوقراطيا.