Sunday 22 July 2007

لن يرحم التاريخ من سيوقع علي قانون النفط العراقي

العراقيون جميعا، باستثناء من ربط نفسه بعقد العمل مع الاحتلال ورعاية مصالحه، واقفون ضد قانون النفط الجديد اوما يسمي بين اوساط المواطنين العراقيين بقانون النهب بعد ان أضحت مواده معروفة بعد كتمان شديد من قبل ادارة الاحتلال، وبعد ان باتت مقاومة تشريع قانون النفط مقياسا لتنامي الروح الوطنية الجامعة بين اطياف الشعب العراقي. ويعود فضل كشف خطة تمرير قانون النهب وتوعية المواطنين الي عدد من خبراء النفط العراقيين والاقتصاديين وبالتزامن مع حملة نقابة عمال النفط في الجنوب التي يرأسها حسن جمعة الاسدي وتشمل البصرة والعمارة والناصرية والسماوة. والمعروف ان النقابة قد بدأت بممارسة عملها بعد الاحتلال وتضم في صفوفها 26 ألف مستخدم، ولديها موقف واضح وصريح من محاولة حكومة الاحتلال تمرير قانون النفط، ويمكن تلخيص الموقف وبكلمات حسن جمعة بأن (التاريخ لن يرحم من سيوقع علي قانون النفط الجديد وان النسخة الاخيرة من القانون التي تم تقديمها للبرلمات للتصديق عليها هي الاسوأ اذ الغيت الملاحق وان شركة النفط الوطنية يجب ان تسيطر كلياً علي العمليات النفطية، وهي التي تعطي حقوق الاستثمار للشركات الاجنبية بحسب المصلحة العامة). ويمكن لمن يراجع عمل النقابة أن يلاحظ نمو وتصاعد الروح الوطنية لدي منتسبيها وبشكل طردي مع استمرار بقاء قوات الاحتلال واعاقة ادارة الاحتلال لاية مبادرة تتقدم بها النقابة او اي مشروع جماهيري يهدف الي تحسين الظروف المعاشية والحياتية لاعضاء النقابة وللمواطنين بشكل عام. وكان عمل النقابة خلال الشهور الاولي من الاحتلال عمالي يهدف بالدرجة الاولي الي حماية مصلحة منتسبيها. فشنت النقابة حملة كبيرة ضد سياسة الاحتلال في جلب الايدي العاملة من خارج العراق وبعقود مع شركات عالمية وعربية بينما كان العامل العراقي الماهر يعاني الامرين من البطالة والفاقة. ودعت الي مظاهرات لاسماع صوت العمال ونجحت في افشال مخطط استخدام العمالة الاجنبية لتواجه بعد ذلك احد قرارات الحاكم الامريكي بول بريمر والتي حددت اجور العمال والمستخدمين والموظفين ضمن جدول واحد للرواتب والاجور يتم من خلاله تجاهل الخبرة وطول فترة الخدمة. ولم تنقض علي الاحتلال غير فترة زمنية وجيزة حتي اتضحت صورته الاستغلالية القبيحة البعيدة كل البعد عن مزاعمه ومزاعم مستخدميه في انه دخل العراق محررا ومؤسسا للديمقراطية. اذ امتدت أذرع الشركات الاحتكارية كالاخطبوط لتسرق وتنهب وتمتص دماء ابناء الشعب حسب قوانين بريمر وعملائه من اجل تهيئة الاجواء لخصخصة الاقتصاد الوطني بحجة عجزه عن مواكبة السوق العالمي. فأفلست الشركات الوطنية المنتجة الواحدة بعد الاخري في ظل غياب الدعم والمساندة والتشجيع الحكومي وظل التخريب المخطط له مسبقا. وتعتبر شركة النفط الوطنية أكبرمشروع وطني تريد ادارة الاحتلال تخريبه وبأي شكل كان، والسيطرة علي مصادر النفط هي جوهرة الغنائم، لذلك كان من الطبيعي ان تهمل حكومات الاحتلال المتعاقبة، عمدا، تصليح وتطوير الشركة وتدريب موظفيها ومنتسبيها وتزويدها بالمعدات اللازمة لزيادة الانتاج وتحسينه، لتوحي لابناء الشعب بان الشركة عاجزة عن تحسين عملها وزيادة انتاجها وما يترتب علي ذلك من سوء الاوضاع المعيشية للمواطنين، وصار الخطاب الاستعماري الذي يكرره مستخدمو الاحتلال الاوفياء هو ان الحل الوحيد لتحسين الوضع المعاشي والحياتي للمواطنين هو زيادة ميزانية الحكومة التي لن تحدث ما لم تزداد كمية انتاج وصادرات النفط والتي لن تحدث ما لم يتم تشريع قانون النفط الجديد وفتح الباب امام الشركات الاحتكارية لتتولي ووفق عقود المشاركة في الانتاج وتقليص صلاحيات شركة النفط الوطنية ان لم يكن قتلها حل مشاكل العراق كلها. والمعروف ان عقود المشاركة في الانتاج أو عقود الادارة، ومعني الاثنين واحد، هي ورقة التوت التي يستخدمها الاستعمار للهيمنة الاقتصادية وسلب السيادة من الحكومة. فصارت شركة النفط الوطنية بعمالها وموظفيها ومستخدميها وليس الاحتلال وقواته ومرتزقته والميليشيات التي رباها هي العائق امام سير عجلة بناء (العراق الجديد)، وكأن المطلوب بالنتيجة ان يتم تفريغ العراق من العراقيين لتسيير امور الادارة الامريكية وحماية مصالحها الوطنية. هذا هو ملخص الصورة التي ترسمها حكومة المالكي وحسب تصريحات وزير النفط الشهرستاني علي ايقاع قانون النفط المكتوب وفق المصلحة الوطنية الامريكية، فضلا عن بعض المساهمات الترويجية المصبوغة باسم خبير نفطي علي غرار مساهمات د. فاضل الجلبي، أحد مدراء المركز العالمي لدراسات الطاقة، في تجميل صورة القانون وكان اخرها رسالته (السرية) الي خالد العطية، نائب رئيس ما يسمي بالبرلمان العراقي والتي تسربت الي بعض المواقع الالكترونية وقام خبير النفط فؤاد قاسم الامير بالرد عليها تفصيليا بشكل رسالة مفتوحة، بتاريخ 14 تموز، وصف فيها نصيحة الجلبي لاعضاء البرلمان بانها (ليست نصيحة صادقة من خبير، بل أقرب ما تكون من مصيدة مسوّق لعقود المشاركة بالانتاج، بغض النظر عن فائدة ام ضرر هذه العقود. يؤسفني ان عرضه لم يكن منصفا او صادقا فيما طرحه من استنتاجات ونصائح، اذ ان كل خبراء العالم المحايدين يعرفون ضرر عقود المشاركة بالانتاج خصوصا بالنسبة الي الحقول المكتشفة. ان كل ما جاء بالرسالة ليس بصحيح وغير مفيد للعراق، فهو من القلائل جدا من الذين يغردون خارج سرب الخبراء العراقيين.) وأكد الامير بانه لم يرغب بالدخول في مهاترات مع الدكتور فاضل ولا ان يكتب ملاحظاته حولها لولا (احتواؤها علي انصاف أو ارباع الحقائق، ولو كانت قد كتبت من شخص اعتيادي أو ارسلت الي شخص اعتيادي لاهملتها، ولكنها كتبت من قبل شخص يقول انه خبير وارسلت الي رئيس مجلس النواب للمساعدة في تمرير قانون النفط المشؤوم). ويناقش الامير في اربعة محاور رسالة الجلبي، ويبدأها عن طبيعة عقود المشاركة التي هي بمثابة خصخصة لثروات النفط وسلب لثروات الشعب العراقي. ويشير خاصة الي ما يعتبره تبرع (الدكتور فاضل بسخاء بحقل مجنون العملاق ليكون ضمن عقود المشاركة بالانتاج، وهو امر لم يتجرأ عليه أحد من قبل... وسخاء الدكتورفاضل لا يقف عند هذا الحد، فهو يريد ان يتبرع ايضا بحقل غرب القرنة وغيره من الحقول العملاقة لانه يقول بصراحة ان الانتاج الذي يتجاوز 4 ملايين برميل يوميا يجب ان يتم من خلال عقود المشاركة). وهنا تجدر الاشارة الي تصريح حسن جمعة في لقاء جمعة بعدد من العراقيين المغتربين في لندن بان رئيس شركة نفط البصرة اجاب عند سؤاله عما اذا كان بامكاننا تصعيد الانتاج الي ثلاثة ملايين برميل يوميا: نعم، انها مسألة سهلة كما بامكاننا زيادة الانتاج الي 4 ملايين برميل يوميا اذا ما تم تزويدنا بالمعدات المطلوبة. مما يعني ان حجة اننا لانستطيع تصعيد الانتاج هزيلة. وينطبق الامر ذاته علي ماورد في رسالة الجلبي (نحن نريد عقود المشاركة لان لا يوجد لدينا النقد). ويتطرق الامير الي مدي الحاجة الي عقود المشاركة بالانتاج مستخلصا بان الجلبي (يضع حلا واحدا امام مجلس النواب وهو عقود المشاركة... الم يسأل نفسه اذا كانت السعودية والكويت والامارات تستطيع ان تعمل بدون عقود مشاركة لماذا لا يستطيع العراق ان يعمل الشيء نفسه؟) كما يناقش امكانيات العراق للتمويل الذاتي للاستثمارات النفطية والكوادر التقنية العراقية التي يقول د. فاضل في رسالته: (ان الحروب والحصار شتتا هذه الكوادر. الامر الهام في هذا الصدد هو ان العراق ظل طيلة اكثر من عقدين من الزمن معزولا بشكل تام عن التطور التكنولوجي في صناعة النفط... ففي ظروف كهذه يكون القول باستغناء العراق عن الخبرة التكنولوجية للشريك الاجنبي امرا غير واقع، اذا ما اريد التطوير السريع للطاقات الانتاجية للبلاد). فيوافقه الامير علي هذه النقطة باستثناء كلمتي (الشريك الاجنبي)، موضحا بان (الخبرة التكنولوجية كلها تشتري وبصورة علنية وقانونية وبدون تهديد بالمقاطعة من قبل امريكا... طبعا ان اية حكومة وطنية تريد ان تخطط وتنفذ منهاجا نفطيا وطنيا عليها اولا ان تجلب الكادر العراقي المشتت... ان الخبراء والمعرفة ليس لهما علاقة بعقود المشاركة بالانتاج. ان الاجنبي المتعاقد بهكذا نوع من العقود هو نفسه يشتري المعرفة والكادر التقني، لماذا اذن لانشتري نحن ذلك؟) ان ماكتبه فؤاد الامير هو ذاته الذي سمعته شخصيا من رئيس نقابة نفط الجنوب حسن جمعة النقابة التي تتبني فضلا عن المطالبة المشروعة بحقوق منتسبيها هدفا استراتيجيا هو الحفاظ علي الثروة الوطنية. وهو ذاته الذي تضمنته مذكرة خبراء النفط العراقيين التي نشرت قبل ايام وهو ذاته الذي يؤمن به عموم الشعب العراقي. ان التاريخ لن يرحم حكومات الاحتلال لقتلها ما يقارب المليون شهيد وتخريبها المتعمد للتعليم والصحة والبنية التحتية ولن يغفر، حتما، كل من سيوقع علي قانون النفط مكبلا مستقبل ابنائنا واحفادنا بقيود العبودية