Monday 6 August 2007

انسحاب كتلة التوافق العراقية ومسرح الدمي الياباني

2007/08/06
كيف ننظر الي انسحاب كتلة التوافق العراقية من الهيكل الفارغ المدعو الحكومة العراقية وهي الكتلة التي اختارت بمحض ارادتها الدخول في عملية سياسية افتراضية وجعلت من تهديدها بالانسحاب بين الحين والاخر مسرحية لاتستدعي اهتمام الناس؟هناك وجهات نظر مختلفة سائدة بين العراقيين، أولها مثلته الرسالة الالكترونية التي ارسلها العالم العراقي عماد خدوري من موقعه (أبو تمام) المعروف علي الانترنيت بمتابعته المتميزة للشأن العراقي والذي يزوره آلاف الزوار بإنتظام. وقد لخص د. عماد انسحاب كتلة التوافق بتعليق ساخر وبليغ وهو: شر البلية ما يضحك. وقد اختزل عماد خدوري مهزلة المساومة علي أرواح العراقيين بين الميليشيات في المنطقة الخضراء، باقتطاع بضع فقرات من كتاب استقالة التوافق المعلن وهي: (تعلن جبهة التوافق العراقية انسحابها من حكومة نوري المالكي وسوف يتقدم نائب رئيس الوزراء ووزراء الجبهة الخمسة باستقالاتهم هذا الاربعاء، الأول من شهر آب ِ
من عام 2007.... وختاما فان الجبهة وهي تغادر الحكومة تتمني للسيد المالكي أن يستفيد من هذه الفرصة التي أصبحت متاحة امامه الآن لإدارة شؤون البلاد بعيدا عما يعتبره ضغوطا لجبهة التوافق وكما ورد ذلك في بيان الحكومة المؤسف حيث اتهم الجبهة بكونها جزءا من المشكلة وليست جزءا من الحل!) وتشير وجهة النظر الثانية الي ان كتلة التوافق، حالها حال بقية الاحزاب في اللعبة السياسية، لا تزيد عن كونها مجموعة دمي لاحول لها ولا قوة وان توهمت ذلك. هنا سأعقب علي نقطتين لهما علاقة بعروض المماحكات والمراوغات المرشوشة ببودرة التقية أحيانا بين مختلف الاحزاب والقوي السياسية التي اختارت أداء دور في منظومة الاحتلال وحسب جدولة اولوياته. النقطة الاولي هي عن علاقة طبيعة مسرح الدمي المعقد بادارة الاحتلال والثانية عن مدي حرية الدمي في تقرير مصيرها انطلاقا من نماذج عملية مستوحاة من سلوك ساسة الاحتلال علي اختلاف طوائفهم واعراقهم علي أرض العراق المحتل. أولا ان مسرح الدمي الذي استخدمه كنموذج لتشابك العلاقات بين مستويات السلطة المختلفة ضمن ادارة الاحتلال الامريكية بالتحديد هو ليس عرض الدمي المنتشر عربيا باسم القرقوز بل هو أقرب مايكون الي البونراكو أي مسرح الدمي التقليدي الياباني، الذي تصاحب عروضه مقطوعات للموسيقي التقليدية اليابانية. وخطوات العرض وحسب موسوعة الويكيبيديا الشعبية هي: يقوم شخص واحد بقراءة كل نصوص العرض، يبلغ حجم الدمي المتر تقريبا، ويشرف ثلاثة أشخاص علي التحكم في حركات كل واحدة منها. يتحرك الأشخاص المتحكمون بالدمي (أو أصحاب الدمي) أمام أنظار الجمهور، ويقومون ببعض الإيماءات حسبما تمليه عليهم ظروف المشهد. يصنف هؤلاء الأشخاص ترتيبا تصاعديا حسب درجة خبرتهم في فن البونراكو. يقوم المخضرم فيهم الذي لاتقل خبرته عن العشرين عاما بتحريك الرأس وطرف اليد اليسري، ويحرك الثاني اليد اليمني فيما يشرف الأخير علي حركات الأرجل. ولكي تحرك بسهولة، تزود الدمي بعصي متصلة بالأطراف المختلفة من الدمية. أثناء أدائهم العرض، يتحرك أصحاب الدمي بطريقة تكون فيها سيقانهم نصف مطوية، ويتوجب عليهم القيام بالكثير من التمارين الرياضية حتي يمكنهم القيام بهذه الحركات بسهولة ويسر. ما نفهمه من تطبيق نموذج مسرح الدمي الياباني هو ان السيد الحقيقي او من يصدر الاوامر هم أصحاب الدمي الثلاثة أي ادارة الاحتلال الامريكية ـ البريطانية ـ الصهيونية علي اختلاف اتجاهاتها الاستخباراتية والعسكرية والمؤسسات الاحتكارية. أما الدمي فهي مستخدمو الاحتلال من الساسة العراقيين علي اختلاف انتماءاتهم السياسية والطائفية والعرقية الشوفينية. الا ان الصورة وحسب تركيبة المسرح ومن واقع الحال في العراق المحتل أكثر تعقيدا من العلاقة المباشرة الواضحة بين السيد ومستخدمه والتي تقتضي، عادة، ان يصدر السيد الاوامر وما علي المستخدم غير التنفيذ. اذ يتبين لنا بان أصحاب الدمي/ادارة الاحتلال هم اكثر من جهة واحدة ومن هنا تنبع الحاجة الي التنسيق المبني علي التدريب المشترك او المنفرد فضلا عن وضوح الادوار او تداخلها حسب النص المسرحي او هدف المسرحية. فصاحب الخبرة الاكبر في تحريك الدمي مسرحيا أي أمريكا في واقع الاحتلال هو صاحب الصلاحية في تحريك الرأس واليد اليسري بينما توزع بقية اجزاء الجسم علي الشخصين الاخرين او بريطانيا والكيان الصهيوني.ونلاحظ، أيضا، ان تقسيم الادوار ليس حديا بالضرورة ولا يتم خفية، فطبيعة العرض تماثل طبيعة الادعاء بتطبيق الديمقراطية، حيث يتم تنفيذ بعض المهام علانية امام الشعب وبمعرفة منه بل وفي معظم الاحيان تشكل لجان للتحقيق في الجرائم والانتهاكات والاختلاس لكي يوحي للمواطن بانه صاحب دور في صنع القرار وان سيرورة الكشف عن الحقيقة جزء من النظام الديمقراطي وان كانت حقيقة المعرفة المقدمة اليه مسيطرا عليها بدرجة او اخري من قبل اصحاب الدمي او النظام الرأسمالي والشركات الاحتكارية المهيمنة علي سوق العرض والطلب لتوحي للمواطن بانه يفعل ما يريده وبارادته بينما تكون حقيقة الامر انه انما ينفذ مايبدو له بانه يريده او يرغب فيه. ولننظر متفحصين ادوار الدمي أي أدوار المنخرطين في عملية الاحتلال السياسية سواء فيما يسمي بالحكومة او البرلمان. سنجد اولا ان الدمي ذات وجوه تشبه الاقنعة في ثبات ملامحها، ولعل نوري المالكي واياد علاوي والحكيم والدليمي هم أفضل الامثلة، ويتغير مكياجها بتغير الادوار وتوقيت استخدامها، وهنا يصلح الربيعي نموذجا، وانها ترتدي ملابس أنيقة جدا حسب المناسبة كما يفعل الجلبي والباججي، وان كل جزء من اجزائها او اطرافها وبضمنه الوجه يتحرك حسب مشيئة صاحب الدمية الذي يتبع بدوره نصا يقرأه الشخص الاول. طبقات تحريك الدمية والسيطرة عليها متعددة اذن. وقد تظن الدمية بفضل مهارة تحريكها وبتزويدها بالعصي الاضافية بانها قادرة علي الحركة بنفسها وهذه هي حالة مستخدمي الاحتلال اذ يظن كل واحد منهم بانه حر ومستقل بل ويتمادي في هلوسته حسب طول العصا المشدودة به، ليدعي بانه يمثل الشعب العراقي. وتؤكد النظرة الثالثة المماثلة في جوهرها النظرة الاولي علي ان المشاركين في عملية الاحتلال السياسية قد اختاروا الدخول فيها بمحض ارادتهم وحسب قناعاتهم ومصالحهم الشخصية والسياسية والاقتصادية، وقد أدت مشاركتهم حسب برنامج المحتل بدءا من كتابة الدستور وانتهاء بالانتخابات والدعوة الي تمديد بقاء قوات الاحتلال الي شرعنة الاحتلال وتقسيم وحدة صف معارضته وتكريس المحاصصة الطائفية المقيتة وتشويه دور المقاومة الوطنية. ان الخراب الشامل الذي يعانيه العراق وشعبه منذ الغزو بلغ حدا لم يشهده في تاريخه المعاصر كله وان جسامة الجرائم التي يتعرض لها ابناء العراق علي اختلاف انواعها من التصفية الجسدية الفاشية الي ارهاب المواطنين لاجبارهم علي ترك بيوتهم ومدنهم وبلدهم لتفريغ البلد من كل صوت حر يعتز بكرامته واستقلال ووحدة وطنه ستوثق في ذاكرة الشعب الجماعية. ويكفي ان تسأل أي رجل او أمرأة ممن يقطن خارج المنطقة الخضراء ليخبرك من هو المسؤول الحقيقي عما يجري، وليشير بوضوح الي ان المتعاونين مع الاحتلال يعرفون جيدا ما يفعلون وان تمثيليات التهديد بالانسحاب او الانسحاب او العودة بعد الانسحاب اثر تلقيهم مخابرة من سيدهم في لقاء مغلق عبر الاقمار الصناعية، لن يعفيهم من مسؤوليتهم بحق المليون شهيد والاربعة ملايين مهجر قسرا.