Friday 17 August 2007

هرب مترجمي الاحتلال... أول الغيث قطرة

13/08/07
يهتم الاعلام البريطاني حاليا بالاضافة الي وباء الحمي القلاعية بقضية تمس مشاركة الحكومة البريطانية في غزو العراق وادعاءاتها في تبني سياسة خارجية أخلاقية تساهم من خلالها برعاية الانسان اينما كان.انها قضية المترجمين العراقيين الذين سارعوا للعمل مع قوات الاحتلال البريطانية والامريكية وغيرها اثر احتلالها العراق وساعدوها في تسهيل امورها وبضمنها المشاركة في مهامها العسكرية المسماة (بناء الديمقراطية في العراق الجديد)، وكانوا العين التي تري من خلالها قوات الاحتلال واللسان الذي تنطق به. وقد انخرط عدد من الشباب، اناثا وذكورا، من خريجي الجامعات العراقية، فروع اللغات الاجنبية وخاصة اللغة والادب الانكليزي في العمل مع قوات الاحتلال لاسباب عديدة من بينها وبالدرجة الاولي الرغبة في الحصول علي العمل والراتب المغري نسبيا خاصة في الفترة التي تلت الغزو مباشرة حيث كان المترجم الموظف لدي الحكومة العراقية سابقا يتقاضي راتبا لا يزيد علي ما يعادل الاربعة دولارات شهريا في ظل الحصار الجائر، فصار الراتب المعروض من قبل قوات الاحتلال أي 600 دولار شهريا مصدرا للاحلام الاستهلاكية والمعيشية. كما عمل البعض مع قوات الاحتلال لاحساسهم بالدونية العنصرية والرغبة في الصعود علي سلم يرونه يمثل الرقي الحضاري، فضلا عن سذاجة البعض او انتهازيتهم حين تصوروا بان العمل مع القوات الامريكية والبريطانية واثبات اخلاصهم لها سيوفر لهم فرص السفر والاقامة والدراسة في امريكا وبريطانيا وبقية البلدان الاوربية، اي انهم سيعاملون معاملة الشباب الامريكي والبريطاني، كما لعب عامل قلة الوعي وخلط الرغبة في التخلص من النظام الدكتاتوري بتذويب الروح الوطنية بل واعتبار مفاهيم الوطنية ووحدة الامة والدفاع عن الوطن ضد الاطماع الاستعمارية مفاهيم ارتبطت بالنظام السابق حصرا مما توجب التخلص منها عن طريق خدمة (قوات التحرير). الا ان الامتيازات الاولية التي حصل عليها المترجم سرعان ما تبخرت امام مقاومة الشعب العراقي لقوات الاحتلال وكل من يعمل معها مهما كانت حججه واعذاره. كما ان جرائم الاحتلال المتزايدة وبشاعتها واستهانة المحتل بكل مايحترمه العراقي ويعتز به من قيم واعراف واديان اوجبت علي المواطنين ان يتخذوا موقفا واضحا وصريحا من الاحتلال، خاصة بعد ان تبين من فضائح معتقلات الاحتلال ومنها ابو غريب بان المترجمين كانوا يساهمون في التحقيق مع المعتقلين وتهديدهم وتعذيبهم بابشع الاساليب وحسب اوامر المحققين الامريكيين والبريطانيين، كما تحدث عدد من المترجمين عن مساهمتهم في الهجوم علي (المتمردين) وقتلهم اثناء مصاحبتهم دوريات قوات الاحتلال وكان اعتراض المترجمين الوحيد خلال عمليات الهجوم والقتل هو ان القوات الامريكية لم تعاملهم بالمثل من ناحية التزود بالملابس والخوذ الواقية وان كانوا قد تدربوا علي حمل السلاح للمشاركة الفعلية في القتال. هذه الخيانة اليومية المشينة أوضحت ملامح الصورة علي ارض العراق أكثر فأكثر. وصار الوضع المأساوي انعكاسا لسياسة ادارة بوش التي لخصها بقوله اما ان تكون معنا أو ضدنا. فصار بالامكان تلخيص المواقف في الواقع العراقي تحت الاحتلال بانه أما ان تكون مع الاحتلال وتتحمل معه مسؤولية الجرائم المرتكبة بحق العراق واهله او ان تكون بجانب الشعب وحقه في المقاومة دفاعا عن حريته وكرامته. فترك عدد من المترجمين عملهم مع قوات الاحتلال حرصا علي حياتهم وحياة عوائلهم. وبقي عدد منهم طمعا بالمال واملا في ان تقدم له الفيزا من قبل الحكومة الامريكية او البريطانية مكافأة علي خدماته واخلاصه لهما، الا ان ماغاب عن أذهان المترجمين هو ان لكل واحد منهم فترة صلاحية معينة تنتهي حالما يترك العمل او حالما تنتهي الحاجة الي وجوده. ويكفينا ان نستعيد صورة طائرات الهليكوبتر الامريكية المحلقة علي سطح السفارة الامريكية في فيتنام الجنوبية لالتقاط مسؤوليها ورجال السي آي أي وعدد محدود جدا من عملائها الفيتناميين المخلصين وتركهم عشرات الالاف من العملاء ممن اختاروا العمل مع قوات الاحتلال الامريكية ضد ابناء بلدهم ليواجهوا مصيرهم لوحدهم لنفهم مدي احترام المحتل لخدمه من ابناء البلد المحتل. ودفاعا عن حق المترجم في الحماية وتكفيل حق اللجوء له اهتم مقدمو البرامج السياسية البريطانية وعدد من الصحف بتقديم (القصص المأساوية ومعاناة) المترجمين باعتبارهم، حسب تصريحاتهم، قد ضحوا بالكثير وهم يساعدون القوات العسكرية في اقامتها ودورياتها الا انهم وبدلا من مكافأتهم علي خدماتهم و( تضحياتهم الجسيمة) هاهم يواجهون المخاطر لوحدهم بعد ان خذلتهم دول الاحتلال وتركتهم وعوائلهم ليواجهوا تهمة التعاون مع العدو والنبذ والتهديد بالقتل من (الارهابيين).وقد شنفت اسماعنا اذاعة البي بي سي خلال الايام القليلة الماضية بقصص مترجمين يتباكون علي الولاء الضائع والامال التي اجهضت وخذلانهم من قبل دائرة الهجرة البريطانية. ففي افتتاحية صحيفة التايمز قرأنا عن المترجمين العراقيين الذين سيكون وجودهم مهددا في حال انسحاب القوات البريطانية التي كانوا يعملون لديها، مذكرة بان من واجب الحكومة البريطانية أن تظهر شيئا من العرفان في تعاونها مع حالاتهم. الا ان موقف الحكومة البريطانية المعلن هو انها لن تمنح اللجوء بشكل تلقائي للتسعين مترجما الذين يعملون مع قواتها ويرافقون الجنود في المداهمات والدوريات، وكثيرا ما يخفون وجوههم خشية تعرضهم للانتقام اذا تعرف عليهم السكان المحليون. وكتب العديد من المترجمين الي الجيش البريطاني يطلبون بحث منحهم لجوءا خاصا هم وعائلاتهم قائلين ان خطر تعرضهم للاضطهاد سيزيد حالما تنسحب القوات البريطانية. وقد سارع عدد من سياسيي الاحزاب المعارضة بتبني قضية المترجمين كموقف اخلاقي بينما لم نسمع اطلاقا من يذكر مساهمة هؤلاء المترجمين في تعذيب المعتقلين والاعتداء عليهم والقتال جنبا الي جنب مع القوات الغازية في قتل ابناء العراق كما لم يتطرق أي منهم بالتفصيل ذاته احتجاجا علي اغتيال مليون مواطن عراقي وتشريد اربعة ملايين واستهداف الاف العلماء والاكاديميين والاطباء كنتيجة مباشرة للغزو اللااخلاقي للعراق. مما يثبت بان لا اخلاقية مستخدمي الاحتلال ومن بينهم المترجمون، لايوازيه غير رياء سادتهم. ويعمل مع قوات الاحتلال المتعددة الجنسية حوالي 2745 مترجماً يتقنون لغات مختلفة، وتشير الاحصاءات الأخيرة لـجمعية المترجمين العراقية الي مقتل أكثر من 240 مترجماً منذ عام 2003. وكانت شركة تايتان ومقرها سان دييغو قد حصلت علي عقد بملايين الدولارات من الجيش الامريكي استخدمت بواسطته حوالي 5000 مترجم وعامل في مجال نقل المعلومات من العراقيين. وفي وضع الرعب الحالي والهرب الجماعي للمتعاونين مع العدو لم توفر الحكومة الامريكية حق اللجوء الا لحفنة من المتعاونين خوفا حسب ادعاء الادارة الامريكية من نقل الارهاب الي امريكا. ولم يحصل غير 63 متعاونا فقط علي الفيزا الامريكية في الشهرين الماضيين وبالواسطة المكثفة. بينما نقلت القوات الدنماركية جويا 200 عراقي، 80 منهم كانوا مستخدمين و120 من عوئلهم. ان قصة المترجمين المتعاونين مع قوات الاحتلال تستحق ان تدرس وان يقرأها كل العملاء بدءا من الساسة وانتهاء باصغر متعاقد لتساعدهم علي معرفة افق المستقبل امامهم وليأخذوا بنظر الاعتبار ان ابواب الغرب غير مشرعة امامهم لحصد الاستحقاقات التي يظنونها تنتظرهم، وان تقاطع المصالح وهم كالسراب، وان منح العملاء الفيزا خلافا لما يظنون لن يكون تلقائيا مكافأة لخدماتهم. وان المستقبل الحقيقي سيكون باعلان الندم علي ما اقترفت ايديهم والوقوف في صف الشعب ومقاومته الباسلة من اجل التحرير والاستقلال بعيدا عن روح الانتقام ودائرة العنف التي رسخها عملاء الاحتلال علي مدي السنوات الاربع الماضية.