Sunday 29 June 2008

العراق: اذا لم يكن زواجا قسريا فهل هو زواج متعة؟

حذر آدم أرلي المتحدث باسم قوات الاحتلال في العراق من استباق الامور والشعور بالغضب تجاه المعاهدة الامريكية
العراقية طويلة الامد، المفترض الانتهاء من صياغتها نهاية الشهر المقبل لان (من يصرح ويكتب عنها غير موجود معنا في غرفة المفاوضات).واستخدم أرلي في تصريحه الغاضب اوصافا علينا ان نعترف بانها جديدة وبالامكان القول بانها مستلة من مدرسة الليبراليين الجدد في صف ما بعد الحداثة. اذ يخبرنا أرلي انه لا يحق لنا الحكم علي المعاهدة التي ستربطنا بادارة الاحتلال الجاثمة علي صدورنا ومصدر الارهاب في بلادنا لاننا لسنا موجودين في غرفة المفاوضات. يخبرنا أرلي متلاعبا باللغة ومعانيها بأنه لن يكون هناك احتلال. ويؤكد اقواله تابعا الاحتلال المطيعان هوشيار زيباري وبرهم صالح. وكأن وجود مئات الآلاف من قوات الاحتلال والمرتزقة ومجرمي شركات الحماية الخاصة والموساد والمخابرات الامريكية والبريطانية المتحكمة بحياة المواطنين هو مجرد استقبال لفرق الباليه الغربية الراقصة للترفيه عنا، وكأننا لا نعلم بانهم في غرفة مفاوضاتهم لا يخططون لإحتلال جديد، ولسبب بسيط جدا وهو ان الاحتلال موجود عسكريا واقتصاديا وسياسيا. وما يفعله سياسيو الاحتلال في الغرفة المغلقة مع سادتهم هو تصميم القيود وزخارفها التي ستوضع في اعناق ابناء الشعب العراقي علي مدي عقود مقبلة.ومن الطبيعي الا يكون احد غير المحتل وصنائعه حاضرا في غرفة المفاوضات. ومن الطبيعي ان تصدر الفقاعات الهوائية من افواه ساسة الاحتلال بالادانة والاستنكار كترضية اعلامية وتسكينا لغضب ابناء الشعب بينما يفعلون عكس ما يصرحون في الغرف المغلقة. وهناك من الامثلة علي زيف ادعاءات ساسة الاحتلال وخنوعهم وفسادهم ومحاصصاتهم منذ عام 2003 وحتي اليوم ما تعجز عن استيعابه مئات الكتب. وصرح أرلي أيضا قائلا بلغة ايحائية لا اظنه كان سيتجرأ علي النطق بها لولا ادراكه بان الموجودين مع ادارة الاحتلال في الغرف المغلقة قد فقدوا الاحساس بالكرامة وعزة النفس منذ أمد، اذ قال: نحن نقدر قلق البعض علي استقلال وسيادة العراق. لذلك لن ندفع شيئا قسرا في بلعوم احد ما. لن يكون زواجا قسريا لان الزواج القسري لن ينجح. اذا كانوا لا يريدونك لن تستطيع اجبارهم .في اعقاب هذا التصريح الغاضب من قبل آرلي، ادلي وزير النفط حسين الشهرستاني بدلوه في الغمز واللمز من المعاهدة المحاطة بالسرية، متصرفا مثل صبية تغطي نفسها بعباءة سوداء لئلا يراها غريب. والغريب الذي جري التخفي منه في هذه الحالة هو المواطن العراقي، كل المواطنين العراقيين. فمن مفارقات نزاهة وشفافية ديمقراطية الاحتلال انه لم يتم الاعلان رسميا عن اسماء واختصاصات المشاركين في المفاوضات علي الرغم من انها المعاهدة الاخطر بالنسبة الي مستقبل العراق. وجاء تصريح الشهرستاني لاقناع المواطنين بالقبول لأن (أمد المعاهدة يدوم لمدة عامين كحد أقصي ويمكن إنهاؤها من قبل أي من الطرفين)، مما يعيد الي الاذهان وعود ساسة الاحتلال في الشهور السابقة والتالية للاحتلال بأن بقاء قوات الاحتلال لن يدوم أكثر من ستة أشهر وان هذا السقف الزمني خط احمر ليس بالامكان تجاوزه! فهل جاء اقتراح الشهرستاني بتحديد مدة العامين، جوابا من حكومة الاحتلال علي تصريح أرلي بصدد الزواج القسري؟ واذا لم تكن المعاهدة زواجا قسريا فهل سيتم الاتفاق عليها باعتبارها زواج متعة؟ اذ ترتبط مدة استمرار زواج المتعة برغبة الطرفين المعنيين. فقد تكون مدته ساعة واحدة او تسعة وتسعين عاما وعند انتهاء مدة العقد، يستطيع احد الطرفين الافتراق من دون الحاجة الي اجراءات الطلاق)، حسب الدراسة الاكاديمية للدكتورة شهلا حائري، حفيدة آية الله حائري، المنشورة في كتاب (المتعة: الزواج المؤقت عند الشيعة، حالة ايران 1978 ـ 1982)، وهو واحد من الكتب الممتازة في مجالي البحث والتوثيق التاريخي في دراسة هذه الظاهرة التي انتشرت في الاعوام الاخيرة في العراق كذلك. وقد استخدمت الاقتباس المذكور لوصف المعاهدة لا لأن جل المشاركين في مفاوضات المعاهدة هم من ساسة الائتلاف، اذ اننا نعلم بان من بين ساسة الاحتلال المتحمسين لاية مبادرة امريكية هم من الحزبين القوميين الكرديين والحزب الاسلامي فضلا عن الحزب الشيوعي المتمايل حسب الايقاع. الا انني تابعت خيط تصريحات آرلي والشهرستاني عن الزواج ومدة المعاهدة فكانت الصورة الواقعية (ومعظم ساسة الاحتلال مغرمون بالقول بانهم واقعيون) المقترحة لمستقبل العلاقة بين السيد المحتل وتابعه مماثلة لزواج المتعة. فمثل المعاهدة، يبدو زواج المتعة، ظاهريا، (بسبب الشكل التعاقدي للزواج، بامكان الطرفين وضع الشروط التي يرغبان بها)، الا ان الحقيقة مغايرة تماما، اذ تشير د. شهلا حائري الي وجود ثغرة في طريقة التفكير هذه تتمثل في ان الطرفين يتفاوضان انطلاقا من موقعين غير متكافئين علي الاصعدة الشرعية، الاقتصادية، النفسية والاجتماعية. وهنا يكمن موقع الخلل ذاته بالنسبة الي مفاوضات توقيع المعاهدة مع الادارة الامريكية اذ يروج ساسة (الحكومة العراقية) لفكرة بانهم يتفاوضون مع الادارة الامريكية، بينما يؤكد واقع الحال انهما طرفان غير متكافئين علي الاصعدة العسكرية والشرعية والسياسية. لذلك تبقي احاديثهم عن السيادة والاستقلال اللذين تخليا عنهما منذ لحظة قبولهم بسيادة المستعمر محض هراء. ان خروقات السيادة والاستقلال تتكرر بشكل يومي مؤلم مثل القذي في العيون، وسببها الحصانة من المساءلة القانونية والعقاب التي يتمتع بها المحتل ومرتزقته وشركات حمايته وبعض عملائه والتي لم يتخذ أي من ساسة الاحتلال اجراء فعالا تجاهها. فخلال الاسبوع الماضي فقط، اعتدي افراد من شركة ساندي كروب للحمايات الأمنية علي نائب رئيس تحرير صحيفة الشرق العراقية اليومية ناظم العكيلي وأفراد عائلته في شارع أبي نواس وسط بغداد ما أدي إلي تعرضه لإصابات بالغة. كما لقي خمسة اشخاص وطفل من عائلة واحدة، يوم الخميس، مصرعهم بعد ان صدم رتل عسكري امريكي سيارتهم في جنوب مدينة الحلة. وقال مصدر في شرطة بابل أن الرتل لم يتوقف بعد إصطدام إحدي مركباته بالسيارة، ولم يقم أحد من القوات المرافقة له بعملية فحص أو نقل الضحايا. هذه الاحداث المفجعة والمأساوية تتكرر عشرات المرات يوميا في العراق ولا تفعل (الحكومة المنتخبة ديمقراطيا) بشأنها شيئا باستثناء، في بعض الحالات النادرة، الاعلان عن تشكيل لجنة للتحقيق في الحادث ثم تختفي اللجنة ويتم تناسي الحادث. ليصبح الضحايا الابرياء مجرد ارقام او صور تنشر في بعض الصحف. صور تمثل رجلا يحتضن تابوت ابنه وهو يبكي أو امرأة تولول حزنا علي احد احبائها المضرجين بالدماء. ان حكومة المالكي مسؤولة عن الجرائم المرتكبة بحق المواطنين ثلاث مرات. اولا لانها قبلت ان تكون اداة تنفيذية بيد سلطة الاحتلال. ثانيا لانها مشاركة صمتا او بشكل مباشر او غير مباشر عن جرائم الاحتلال وتبعاته. ثالثا لانها وبعد مرور خمسة اعوام علي الاحتلال البشع لم ترتدع وتعلن طلب المغفرة من ابناء الشعب العراقي بل واصلت استجداء ابقاء قوات الاحتلال وها هي تعمل حاليا علي تمهيد الطريق لعقد معاهدة ستكسر ظهورنا لتوفر لها زواج متعة لن يطول.