Sunday 29 June 2008

وقائع استشهاد رائد محمود عجيل في المدائن

28/06/2008
وددت لو نعرف اسماء الشهداء جميعا، العراقيين، الوطنيين، المقاومين، المدنيين، النساء والاطفال والشيوخ والشباب. وددت لو نعرف اسماء المليون شهيد وقصص حياتهم. لنحفرها اسما اسما وقصة قصة علي جدارية من المرمر تنصب في الجانب الثاني من ساحة التحرير، في وسط بغدادنا، بموازاة نصب الحرية لجواد سليم. الاسماء المحفورة باللون الابيض علي الرخام الاسود ستشع ليلا ونهارا في ارواحنا وذاكرتنا.سنحملها من جيل الي جيل، لتكون جدارية للروح التواقة للحرية للمقاومة وللشهداء جميعا، العامل والشاعر والكاتب والمهندس والخباز ومنظف الشوارع والطبيب. لكل من حفظ الجميل للبلد الذي رباه وعلمه وأطعمه ورعاه. لكل من دافع عن كرامته لانها كرامة الوطن. لكل من غسل نفسه من أدران الانتقام الشخصي ليسمو علي الاضغان. لكل من أدرك، ولو بعد تلكؤ، ان لاحياة ولا أباء ولاكرامة مع وجود الاحتلال. ستكون جدارية تضم بين اسماء المليون شهيد، اسم رجل يدعي رائد محمود عجيل. فمن هو رائد محمود عجيل؟ خلافا لسياسيي الاحتلال، اناثا وذكورا، المنصوبين امام الكاميرات التلفزيونية طوال ساعات البث، لم يسمع معظم العراقيين باسم رائد، ولم يروا ملامح وجهه أو يسمعوا صوته، قبل ظهيرة يوم الاثنين المصادف 23 حزيران (يونيو)، الا ان ما فعله، خلال دقائق قليلة، أبرزه الي المقدمة ليوصف بانه بطل وشهيد. ومثل كل حدث ومأساة تقع اليوم في العراق المحتل، تعددت المصادر والحكايات حول رائد وما فعله. اذ يخبرنا تقرير لاذاعة البي بي سي العربية، يوم 24 حزيران (يونيو)، انه كان مسؤولا في مجلس بلدية المدائن (سلمان باك)، التي تقع علي بعد نحو 40 كيلومتراً (25 ميلاً) إلي الجنوب الشرقي من مركز العاصمة بغداد، وانه أطلق النار، بعد ظهر الاثنين، علي جنود أمريكيين كان يقومون بزيارته، فقتل ثلاثة منهم وجرح عدد آخر. وأتم مسؤول بوزارة الداخلية العراقية سرد الحكاية قائلا بأن القوات الأمريكية المحتله ردت بإطلاق النار علي المهاجم، الذي لم تكشف عن هويته، فأردته قتيلاً علي الفور. بينما ذكر أحد المسؤولين الذي رفض ذكر اسمه، أن (الحادث) وقع بينما كان عدد من الجنود الأمريكيين ومسؤولون عراقيون يشاركون في احتفال بمناسبة افتتاح حديقة عامة في المدائن. وأضاف أنه بعد دخول المشاركين في الاحتفال إلي مبني مجلس البلدية، قام أحد أعضاء المجلس بإطلاق النار علي الجنود الأمريكيين، باستخدام بندقية من طراز AK-47، مما أدي إلي مقتل ثلاثة جنود وإصابة أربعة آخرين. ونقلت وكالة انباء ماكلاتشي الامريكية صورة تفصيلية عن حياة رائد الشخصية. بدأت الوكالة تقريرها علي جودته، مثل كل اجهزة الاعلام الغربية ومعظم العربية، بذكر انتمائه الطائفي أولا، باعتباره النقطة التي يراد تركيزها في الاذهان قبل أي شيء آخر. فعرفته بانه سني، في الاربعين من عمره، من عائلة كريمة معروفة ومحترمة في المنطقة وان شقيقه يعمل كمسؤول عن الامن في وزارة العدل وابن عمه قاض هناك. متزوج ولديه ثلاثة اطفال. تخرج من جامعة بغداد وتم تعيينه مديرا لثانوية في المدائن الي ان تم انتخابه عضوا في المجلس البلدي في عام 2003.
كان رائد تربويا جيدا معروفا بين الاهالي ومحترما من قبل الجميع. وكان قد عاد منذ اسبوع تقريبا من الهند حيث واصل دراسته هناك وحصل علي شهادة الماجستير. ونقلا عن ابن عمه وزملائه (من الضروري تمحيص شهادة ابن عمه لانه يعمل رئيسا للامن وكذلك زملاؤه لانهم يواصلون العمل مع قوات الاحتلال) فانه كان محبوبا من قبل (الامريكيين) وانه كان يجيد اللغة الانكليزية وقد منحوه مناقصة تنفيذ مشروع قدمه اليهم. وأكد زملاؤه بان ما قام به اثار ذهولهم ولايعرفون له سببا. وان كان ابن عمه قد ذكر بانه كان يعاني من الكآبة الحادة (سبحان من لايعاني من الكآبة في العراق الجديد)، تبريرا لسلوكه ضد القوات الامريكية. ويشير تقرير ماكلاتشي في خلاصته الي ان مشاعر العداء تجاه المحتل سائدة بين المواطنين الذين وجدوا في التواجد الامريكي تدخلا سافرا في حياتهم وشؤونهم.ولاحظ مراسل الوكالة انه حالما انتشر خبر قتل رائد من قبل قوات الاحتلال اعتبره اهل المنطقة بطلا طالبين له الرحمة من الله واشار سائق التاكسي الذي ينقل المراسل الي دماء الامريكيين علي الارض قائلا (الخنازير يستحقون هذا).وكانت الجهة الوحيدة التي بينت سبب هجوم رائد علي قوات الاحتلال هي هيئة علماء المسلمين في خبر لها جاء فيه بان المهاجم سحب سلاحه الشخصي نتيجة للاستفزاز الذي تمارسه قوات الاحتلال. وهو تحليل معقول خاصة وان من بين اسباب الحقد علي قوات الاحتلال وبالتالي شن العمليات ضدهم ما يلحق الفرد وعائلته من اهانات شخصية وبحضور الآخرين، وعنجهية المحتل الامريكي وسلوكه المهين بحق العراقيين، بضمنهم من قبل بالتعاون معهم، معروفة. غير ان مهاجمة قوات الاحتلال في المدائن لم تكن وحيدة بل تلاها بعد يوم واحد، هجوم تم في المجلس البلدي ايضا، في مدينة الثورة (الصدر). اذ قتل عشرة أشخاص بينهم جنديان ومدنيان أمريكيان، احدهما موظف في وزارة الخارجية الأمريكية بينما الآخر موظف في وزارة الدفاع جراء انفجار قنبلة أثناء اجتماع المجلس المحلي في المدينة. هذه المرة، لم يكن منفذ العملية (سنيا) كما في المدائن بل سارعت قوات الاحتلال لاتهام (مجموعة مارقة شيعية) وقتل، في اليوم نفسه، رئيس المجلس البلدي في منطقة أبو دشير علي يد مسلحين مجهولين أمام منزله قرب بغداد. وتزامنت الاحداث مع اصدار الادارة الامريكية لتقريرها الفصلي عن العراق والذي اعلنت فيه عن تحسن الاوضاع الامنية، وكان القائد العام لقوات الاحتلال الجنرال دافيد بترايوس قد ابلغ قواته عن استراتيجيته الجديدة (لمكافحة المتمردين) المتضمنة ان يقوم الجنود الامريكيون بالمساهمة في مشاورات عملية الاعمار والا يركبوا الدبابات والمدرعات بل عليهم السير بين ابناء البلد (المضيف) ليفوزوا بقلوب وعقول العراقيين! وهذه نصيحة ممتازة نتمني علي بترايوس الاستمرار في تنفيذها لتصبح ايام المحتل كلها مماثلة لايام الاسبوع الماضي.ان محاولة قوات الاحتلال التغلغل في تركيبة المجتمع الاهلي والمدني سواء من خلال تنظيم الصحوات وتجمعات ابناء العراق وبنات الفلوجة وبنات العراق ومنظمات المجتمع المدني المدعومة ماديا واعلاميا من قبل حكومة الاحتلال فضلا عن عمل عناصر القوات الامريكية الخاصة وتنفيذها عمليات الابادة والعقاب الجماعي ضد المواطنين وتواجد المستشارين الأمريكيين في الوزارات والمكاتب الحكومية بحجة المساعدة في تحسين الأداء، ان هذا كله يصب في مجري ادامة الاحتلال وتطوير اشكاله الحرباوية لاستعباد أهلنا، وان كان يخلق في الوقت نفسه نقيض الاحتلال أي المقاومة المتنوعة الاطياف كما بات واضحا بشكل خاص في الشهور الاخيرة بعد انقشاع ضباب الطائفية، المصنعة في معامل احزاب الاحتلال.لقد وصف البعض رائد محمود عجيل، بعد رحيله، بانه بطل بينما وصفه آخرون بانه شهيد ولعل ما اراد اثباته في لحظة ثورته الأخيرة انه كان انسانا معتزا بكرامته.