Sunday 1 June 2008

أنواع الاحتلال والصعوبات التي تواجهها المقاومة العراقية

2007/11/11

لفهم طبيعة الصعوبات الهائلة التي تواجهها المقاومة الوطنية الباسلة لتحرير العراق علينا ان نفهم أولا مستويات الاحتلال المتعددة وكيفية استهدافه الشعب العراقي. المستوي الاول هو الاحتلال العسكري، وهو أكثر انواع الاحتلال وضوحا في شراسته وعنفه حيث يتبدي بوجود القوات العسكرية علي اختلاف جنسياتها بعدتها وعتادها علي أرض المدن وأجوائها. ويهدف الاحتلال العسكري الي بناء القواعد في جميع ارجاء البلاد وخطوط الامداد لجعل العراق قاعدة عسكرية دائمة للتحرك الي البلدان المجاورة وغيرها من البلدان لتوسيع حدود الامبراطورية الامريكية ـ الصهيونية ورسم خارطة المنطقة الجديدة. ويفرض الاحتلال العسكري شكل النظام السياسي ونظم التحالفات الانية والمستقبلية التي تلائم مصلحته بالدرجة الاولي.ويدخل ضمنها رسم صورة العلاقة مع الكيان الصهيوني الذي تعتبر سلامته والحرص علي أمنه واستقراره واحدا من المرتكزات الاساسية التي مهدت لغزو العراق واحتلاله. فأمن امريكا هو أمن اسرائيل أو العكس بالعكس حسب تصريحات الرئيس الامريكي بوش ونائبه تشيني، وغيرهما من المحافظين الجدد، والساسة الامريكيين سواء كانوا جمهوريين او ديمقراطيين. وقد برزت الي السطح وضمن تشكيلة الاحتلال العسكري ومستلزماته من قوات وعتاد ظاهرة خلق جيش مكون من شركات الحماية الخاصة والمرتزقة ليكونوا جيشا موازيا لجيش الاحتلال التقليدي. وهو الجيش الاقل وضوحا في حضوره وتحركاته مما يمنحه القدرة علي التحرك وتنفيذ المهام التخريبية خفية وحسب الطلب، وما يزيد من قوته ومرونة حركته تمتع افراده بالحصانة من القوانين العراقية والامريكية والدولية معا. المستوي الثاني من الاحتلال هو الهيمنة الاقتصادية وبمختلف الاساليب المباشرة وغير المباشرة كالخصخصة واغراق الاسواق ببضائع رخيصة تؤدي في النهاية الي انهاء الصناعة الوطنية غير القادرة علي المنافسة. وتتبدي سيطرة الشركات الاحتكارية بأوضح صورها في محاولتها الهيمنة علي النفط العراقي باعتباره الثروة التي يجب ان يستحوذ عليها الاحتلال كغنيمة حرب. وقد استماتت حكومة الاحتلال لتمرير قانون للنفط والغاز الذي يمنحها حقوقا ما كان بامكانها الحصول عليها في ظل القانون الوطني الحالي.وستنعكس السيطرة علي مصادر الطاقة والتحكم بانتاجها علي الشعب العراقي وطبقته العاملة لتحولهم الي ما يسمي بعمال مصانع الانتاج الرخيصة أو مصانع العبودية الحديثة حيث تتركز التقنية ووسائل الانتاج بيد الشركات الاحتكارية الكبري المحركة للشعوب عن بعد وبارخص الاسعار. المستوي الثالث للاحتلال هو ما أسميه الاحتلال الناعم أي التاسيس الاخطبوطي لمنظمات المجتمع المدني وبضمنها المنظمات النسوية ذات التمويل الانغلو ـ امريكي ـ الصهيوني الهادفة الي تفعيل وتكريس سياسة الاحتلال بأيد عراقية. أما المستوي الرابع فهو حملة الابادة الحضارية والهيمنة الثقافية التي تهدف الي نهب وبالتالي مسح تاريخنا العريق. وقد ظهرت هذه السياسة المنظمة بوضوح منذ أيام الغزو الاولي حيث اشرفت قوات الاحتلال علي نهب وسلب وحرق وتدمير المتاحف والمعارض والجامعات ودور العلم وكل ما يمت بصلة الي حضارة شعبنا العريقة. ولاتزال حملة الابادة الحضارية مستمرة يوميا بلا هوادة وبتعاون تام مع حكومة الميليشيات ومافيا سرقة الآثار والتحف العالمية. فالآثار العراقية التي لاتقدر بثمن ولن يكون بالامكان تعويضها معروضة في اسواق التهريب في اوروبا وامريكا وبعض الدول المجاورة بأبخس الاسعار. كما يتم حفر المواقع الاثرية التي يبلغ عددها 10 آلاف موقع أثري والمتروكة بلا حراسة بعلم من حكومة الميليشيات الهمجية، ويتم تهريب كل ما يعثر عليه من كنوز الي خارج العراق .. هذا التدمير والنهب المتعمد هو محاولة لمسح ذاكرة العراقي المعتز بتاريخه العريق وحضارته التي مهدت للبشرية انطلاقتها في مجالات التدوين والاختراعات والادب والشعر والفنون والذي يري نفسه امتدادا طبيعيا للسومريين والاشوريين والبابليين، والتي يعتبرها المحتل وميليشياته الظلامية عائقا أمام تحقيقه الهيمنة الكلية علي الشعب العراقي. ويدرك المحتل جيدا بأنه ما لم يتم مسح هذه الذاكرة الحية التي يطلق عليها الكاتب ارثر كوستللر مصطلح ( الذاكرة المضيئة) لفرط وضوحها لدي حاملها، لن يتمكن يوما من الوصول الي غايته في السيطرة العسكرية والسياسية. وقد يصح القول هنا بان احد اسباب الغزو الحقيقية هو ليس النفط وتأمين أمن الكيان الصهيوني فحسب بل الاستحواذ علي الثروة الحقيقية للعراق وهي المواقع الاثرية بكل كنوزها التي لا تقدر بثمن والتي يقدرها علماء الاثار بمائة ألف موقع أثري لم يتم تنقيب معظمها بعد. المستوي الخامس للاحتلال هو عملية مسح مكون الهوية العربية ـ الاسلامية للعراق. وتتم هذه العملية عن طريق تحطيم كل ما له علاقة بالهوية من حواضر وأواصر اسلامية وقومية. حيث تتم تقوية أحد المكونات علي حساب الغاء مكون آخر لغرض التجزئة والتقسيم مجتمعيا وسياسيا بحيث لا يعود العراق غير بلد ألصق المحتل البريطاني اجزاءه بالقوة في بداية القرن الماضي وعلي المحتل الامريكي الآن ان يعيده الي أجزائه الاصلية حسب ادعاء المحتل وسياسييه الطائفيين والعرقيين الذين اختاروا التعامي عن الحقائق التاريخية الدالة وبوضوح شديد علي ان العراق هو البلد ذاته الذي احتضن الحضارة العراقية منذ آلاف السنين وأن اسم العراق مذكور في وثيقة عثر عليها في موقع كيش حوالي 1200 عام قبل الميلاد وان كل الممالك والدول التي حكمت العراق كانت منذ اقدم العصور تقطن مساحة الارض ذاتها التي تشكل عراق اليوم وباختلاف بسيط.ويريد المحتل المنقاد وراء رغبته العمياء في تقسيم العراق ألا يعود الكردي مسلما يرتبط مع بقية ابناء الشعب بالموروث الحضاري والثقافي الاسلامي والجوار المجتمعي وعلاقات التصاهر وتركيبة العائلة، ولا يريد ان يكون العربي مسيحيا كان ام مسلما حاملا لموروث اللغة العربية المرتبطة بكينونة العراقي وتواصله مع الامة العربية والاسلامية. وتعتمد ادارة الاحتلال في مشروعها المستهدف لهوية العراق علي سلاح الميليشيات المتخندقة في حفر التقسيمات الطائفية والعرقية البغيضة الجامعة بين المصلحة الفردية وعبودية الاحتلال التي ساهمت في فتح ابواب بلدنا أمام الغزاة. ان تحديد ملامح هذه المستويات العامة يبين حجم المخطط الاستعماري التخريبي والتقسيمي الذي يواجهه العراق ويوضح في الوقت نفسه جسامة المهمة الملقاة علي عاتق القوي المشاركة في المقاومة العراقية الباسلة والحاجة الماسة الي توحيد الصفوف التدريجي النابع من فهم طبيعة الصراع مرحليا واستراتيجيا، فالعدو واحد ومستويات عمله ومحاولته تفرقة صفوفنا وتقسيم بلادنا متعددة. كما انه يمتلك المال لاغراء ضعفاء النفوس والسلاح والعتاد لانزال العقاب بأهلنا، كما كان يفعل في فيتنام حين كان حرق القري والمنازل والمزارع سياسة تطبق، يوميا، كوسيلة للعقاب الجماعي ضد ابناء الشعب وحالما تنجح المقاومة في مهاجمة العدو او قتل احد افراده. وهو ذات الاسلوب الذي اتبعه الاستعمار الفرنسي بحق ابناء الشعب الجزائري حيث تصفه الكاتبة الجزائرية زهور ونيسي التي كانت احدي مناضلات جبهة التحرير الوطني في كتابها (من يوميات مدرسة حرة) قائلة: (انها هذه الحرب غير المتكافئة، لصالح هذا الشعب الذي اشتدت ازمته، وضاقت عليه السبل حتي في المدن الكبري. ان الادارة العسكرية كلما زاد نشاط الفدائيين زادت هي في التنكيل بالابرياء العزل وتقتيلهم ومحاكمة العجزة والنساء بأحكام ظالمة طاغية. ان المحتل يطرق الباب ليلا ... ليلا... في الليالي الدامسة، يطرقها بالأرجل وأعقاب البنادق ليتسلي بتعذيب الانسان، مستعذبا هلع الآباء وفزع النساء وبكاء الاطفال وقنوط العجائز).ألا تشبه هذه الصور التي تصفها المناضلة الجزائرية تماما ما يحدث لأهلنا في العراق المحتل؟ ان المحتل، مهما تغيرت ازياؤه واسماء عملائه، واحد. همه الاول هو الهيمنة علي السكان وخيرات البلاد وكسر روح التحدي عند ابنائه، متبعا كل الطرق المتاحة سواء كان البلد هو العراق أم فلسطين ام الجزائر، وتلخص زهور ونيسي اساليب المستعمر المتعددة بقولها: ( أن في كل حي مكتب فرنسي يستعمل طرقا جديدة في التأثير علي السكان، طرقا سايكولوجية منها المساعدة بالمواد الغذائية والحوار مع بعض وجهاء الحي وبث الطمأنينة والأمن بين السكان، ولم القوة وقد خلا الحي من معظم شبابه الفدائي الجسور ولم يبق فيه سوي العجزة والاطفال؟). ولا تنسي المناضلة التي حاربت مع رجال الثورة ضد ارهاب المحتل الفرنسي ان تذكر المرة تلو المرة باهمية توحيد الصفوف والثأر للشعب كله من جرائم المحتل لتنفس المقاومة (عما تعتمل به الصدور وتشقي به النفوس، نفوس الثكالي والارامل والمعذبين).