Sunday 1 June 2008

الاعتراف بخطأ احتلال العراق انطلاقاً من برامج التسلية الأميركيّة

al-akbar.com
الأخبار-عدد الأثنين 11 شباط 2008
من يراقب برامج التلفزيونين الأميركي والبريطاني يعرف أن هناك جمهوراً واسعاً لبرامج معينة تنتج وفق نمطية محدّدة، حيث يعترف فيها شخص ما بما ارتكبه من أخطاء في حياته أمام جمهور الاستديو الذي يتابع اعترافه بمزيج من الاستنكار والتعاطف والأسى المصحوب بذرف الدموع، من الشخص والجمهور معاً، بينما تدور مقدّمة البرامج بمايكروفونها، بشكل سريع، بين الجانبين لتلتقط الحسرات وصرخات الانزعاج أو همسات التماهي مع المعترف. وتشمل حالة الهستيريا الجماعية التلفّظ بالكلمات البذيئة واللعنات أو الحماسة الضاجة بالتعاطف ومساندة المعترف ليتمكّن من تجاوز محنته. وتتراوح أخطاء الضيف المعترف ما بين السرقة والاختلاس إلى الاعتداء الجسدي على آخرين وممارسة الجنس مع صديقة زوجته أو شقيقتها.الملاحظ أنّ نمط برامج الاعتراف بالخطأ قد تسرب إلى خارج الاستديوهات، منطلقاً من السيناريو المكتوب إلى واقع الحياة. حيث بات العالم الغربي يتعامل، حالياً، مع جريمة غزو العراق واحتلاله المنظمة والمخطّط لها على مدى سنوات، والتي سبقتها جريمة الحصار المدمر، بمنطق برامج الاعترافات المسلية والمريحة لجمهوره.فبعد مرور ما يقارب خمسة أعوام على غزو العراق واحتلاله، وبعد قتل مليون مواطن عراقي، وتخريب البنية التحتية، وتحطيم الاقتصاد، وبناء الأسوار الطائفية العازلة بين المدن وأحيائها السكنية، وبعد نهب المتاحف وحرق التاريخ وتحطيم كل ما له علاقة بهويتنا وحضارتنا، وتسليط حفنة من الأميّين الطائفيين والعرقيين وميليشياتهم على رقاب الناس... صار انتقال السياسيين والمثقفين الغربيين ممن أيدوا غزو العراق واحتلاله وطبّلوا لسياسة «تحريره»، مألوفاً وإن اقتصر على مجرّد الاعتراف، مثل ضيوف برامج الاعترافات بأن غزو العراق كان خطأ، مع إصرار البعض، حتى النفَس الأخير، على نفخ الحياة في التبريرات التي دفعته إلى اتخاذ ذلك الموقف الشائن بحق شعب بكامله. ولا يتركز سبب الاعتراف بالخطأ في معظم الحالات، على ما سببه الاحتلال من خراب بشري وعمراني واقتصادي هائل، بل لأن الحكومتين الأميركية والبريطانية قد كذّبتا بشأن العثور على أسلحة الدمار الشامل.والأمثلة على الاعتراف بالخطأ عديدة، من بينها اعتراف الحكومة الإسبانية السابقة، منذ أيام، بأنها ارتكبت خطأً فادحاً في دعم القوات الأميركية والبريطانية في غزوها للعراق. وجاء الاعتراف على لسان زعيم الحزب الشعبي الإسباني المعارض ماريانو راخوي الذي شغل منصب نائب رئيسها حينها.وقد برّر راخوي قرار الحكومة الإسبانية استناداً إلى «أن المجتمع الدولي بأسره اعتقد بأن العراق كان لديه أسلحة دمار شامل، وأن إسبانيا كانت شأنها شأن بقية دول العالم الأخرى وقد بلغتها معلومات خاطئة عن هذا الموضوع»، مضيفاً أن «الحكومة الإسبانية لو علمت بحقيقة الموضوع، بأنه لا أسلحة دمار شامل في العراق، لما كان لها أن تؤيّد عملية الغزو التي قامت بها الولايات المتحدة في عام 2003».ويرى العالم البريطاني دايفيد كيلي، مستشار وزارة الدفاع البريطانية بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق، حالة استثنائية بين المعترفين بأخطائهم، إذ إنه الوحيد الذي دفع حياته ثمناً لجرائم الحكومة البريطانية، فقد تمّ العثور على جثّته على مقربة من غابة قريبة من بيته في نهاية تموز 2003، وبقي «انتحاره» مغلّفاً بالغموض بعدما تداولت أجهزة الإعلام البريطانية أنه كان مصدر تقرير جاء فيه أن الحكومة البريطانية بالغت في معلوماتها بشأن الأسلحة العراقية لتبرير الحرب.وكان وزير الخارجية الأميركي كولن باول، أذكى من كيلي عندما اعترف في 3 نيسان 2004، بأنّ الأدلّة التي قدّمها إلى الأمم المتّحدة لتبرير الحرب على العراق «قد» تكون خاطئة. ولا يزال العالم يتذكّر كيف قام كولن باول بتقديم عرض مسرحي أمام مجلس الأمن في شهر شباط من عام 2003، أكّد فيه أن العراق قد طور معملين متنقلين لتصنيع أسلحة بيولوجية. وجاء اعتراف كولن باول، حتى بعد فضح الجريمة وإبعاده عن منصبه، مغلّفاً بالتبريرات التي ستوفّر له الحماية مستقبلاً من المساءلة والعقاب، مكتفياً بالتصريح بأنه «يبدو أنّ هذه المعلومات لا تستند إلى أساس قوي»، ومحوّلاً مسؤوليّة ارتكاب الخطأ إلى أجهزة الاستخبارات الأميركية، متسائلاً ببراءة الذئب عمّا إذا كان لدى أجهزة الاستخبارات تبرير لدعم هذه المزاعم.كذلك اعتذر البريطاني روري ستيوارت، بأنه لم يكن يعلم بأنّ «بعض العراقيّين يكرهوننا»! وستيوارت هو الموظف في وزارة الخارجية البريطانية، الذي عيّنه مجلس الحكم، وهو في الثانية والثلاثين من عمره وبلا تجربة أو خبرة بالعراق ولم يزره سابقاً، محافظاً على محافظتي العمارة والناصرية في جنوب العراق عامي 2003 و 2004. وإلى قائمة المعترفين بالخطأ، يُضاف العديد من الصحافيين والكتّاب وعدد من المجلات والصحف اليمينية واليسارية الأميركية. فقد اعترف الصحافي كريس وينكوف من صحيفة «لوس أنجليس تايمز» وهو أحد المدافعين بقوة عن الغزو، في 20 آذار/ مارس 2007، بأنه وبمناسبة اقتراب الذكرى السنوية للحرب، يريد أن يقرّ بأن «الحرب كانت بلا شك خطأ». ونشرت صحيفة « نيويورك تايمز» كلمة بقلم رئيس التحرير عن خطأ الحرب، وسبقتها مجلة «نيو ريبابليك» اليسارية التي خرجت عن إجماع اليسار في مناهضته لسياسة بوش لتعلن، في 19 حزيران/ يونيو 2004، أنه «كان من الخطأ دعم الحرب استناداً إلى ادعاء الإدارة أن صدام حسين كان يخفي أسلحة الدمارالشامل».هذه أمثلة قليلة مأخوذة من قائمة أسماء طويلة تضمّ سياسيين وكتاباً وصحّافيّين أميركيين وبريطانيين، يتفقون جميعاً على أن الحرب كانت خطأ لأسباب عديدة، أهمها عدم العثور على أسلحة الدمار الشامل وفشل الاحتلال في تحقيق النصر السريع الموعود وتزايد تكلفة الحرب المادية والبشرية على دافعي الضرائب في أميركا وبريطانيا، وهو مما يجعل عملية الاعتراف بالخطأ، تتماشى مع مقولة «إنّ للنصر آلاف الآباء بينما الهزيمة بلا أب». ويزيد الطين بلة أن هذه الاعترافات، من السياسيين خاصة، تتوقّف عند حدّ الاعتراف المجرد المريح للنفس والظهور أمام الجماهير بأنهم ذوو حسّ أخلاقي وشجاعة أدبية بدون الاسترسال للإقرار بالمسؤولية القانونية خوفاً من التعرض للعقاب والمساءلة أو خشية الاعتراف بحق الشعب بالاعتذار الرسمي ودفع التعويضات المستحقة ضمن برامج العدالة للشعب العراقي عن كل الخسائر وبأنواعها التي تعرّض لها عبر سنوات الاحتلال.