Sunday 1 June 2008

أمريكا تقترح القوة الهادئة لانقاذ جيشها المدجج بالسلاح

2007/12/02
هل بامكاننا التعامل مع أمريكا وهي اقوي دولة عسكرية في العالم كما نتعامل مع مراهق يتعلم من أخطائه غيرالمقصودة؟ وهل بامكاننا اعتبار عدوانه العسكري الغاشم علي العراق وما ترتب عليه من مجازر وابادة جماعية تجربة أخري لمراهق سيكبر ويتلافي ارتكاب (الاخطاء) ذاتها؟ ان الفرق بين قيادة امبراطورية توسعية، هائلة الميزانية، تهيمن علي 44 بالمئة من مجموع القوة العسكرية في العالم، وتجارب وأخطاء مراهق في طورالنمو، شاسع وقد تبدو المقارنة غريبة بعض الشيء. الا اننا، غالبا، ما نواجه ونحن نتحدث مع مؤيدي الاحتلال والمتعاونين معه عن جرائم الاحتلال في العراق وفلسطين وافغانستان، بمحاججة مفادها ان الادارة الامريكية ارادت للدول المحتلة وخاصة العراق (التحرير وبناء الديمقراطية)، غير ان وجود الارهابيين وعدم استعداد العراقيين لاستيعاب (الديمقراطية) عرقلا مسيرة النوايا الحسنة للقيادة الامريكية. ثم تنتقل المحاججة الي مستوي وجوب قبول (أخطاء) القيادة الامريكية، ان وجدت، لانها أخطاء مبنية علي حسن النية والرغبة في التعلم والاستفادة من الاخطاء، وأن امريكا تتعلم وتستخلص الدروس يوما بيوم وأثناء وجود قواتها العسكرية في (البلد المضيف)، ويضيف آخرون أن البراغماتية وقبول الامر الواقع عسكريا هو الحل الوحيد الي أن نثبت للمراهق قدرتنا علي تسيير أمورنا بأنفسنا! لقد أثبت وجود قوات الاحتلال وجيشه الثاني المكون من مرتزقة متعاقدي شركات الحماية وجيشه الثالث من متعاقدي العملاء والميليشيات وفرق الموت بأن محاججة تعلم ادارة الاحتلال من (أخطائها) وهي تمتد باخطبوطها العسكري ـ الارهابي في العراق محاججة فارغة وجدل بيزنطي لاطائل من ورائه. كما أثبت، بما لا يقبل الشك، بان قوات الاحتلال المجهزة بأحدث تقنيات صناعة الموت العسكرية، ليست حفنة من المراهقين، وأن كانوا لعوقبوا من قبل ذويهم ومدارسهم وقوانين دولتهم. وأخيرا، لقد أثبت ارهاب الاحتلال، بمستوياته المتعددة، ان البراغماتية هي العبودية بعينها كما ان تقاطع المصالح المبني علي عدم التكافؤ هو محض هراء وغطاء آخر للعبودية الحديثة. ويمكن قراءة خطاب وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس الأخير الذي ألقاه في جامعة كنساس ستيت في مانهاتن، يوم 26 من الشهر الحالي، من منظور تعلم المراهق من أخطائه في العراق المحتل أو الذي يمكن تلخيصه بالمثل العراقي المشهور(بعد خراب البصرة). وجاء خطاب غيتس بعد اعلان بوش توصله والمالكي، رئيس حكومة الميليشيات، الي برنامج يحدد وجود وبناء القواعد العسكرية الامريكية في العراق والمعاهدات الاقتصادية، بضمنها قانون النفط، والشكل السياسي لحكم (البلد المضيف) اثر اعلان حكومة الميليشيات عن رغبتها في بناء علاقة دائمة مع ادارة الاحتلال. مما يمكن ترجمته علي ارض البراغماتية بأن الشعب العراقي سيترك عاريا أو ربي كما خلقتني اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. ثم يأتي برنامج غيتس الجديد ليوسع من استهداف البقية الباقية أو بنية المجتمع العراقي ونسيجه الاجتماعي من خلال ما يسمي بالاحتلال الناعم وما يسميه غيتس بالقوة الهادئة ويتطلب تطبيق برنامج القوة الهادئة زيادة الاموال المخصصة ( للجهود المدنية لتعزيز موقع الولايات المتحدة كقوة هادئة عن طريق العمل الدبلوماسي والمساعدات الخارجية والعلاقات العامة). وقد يبدو من خطاب غيتس، ظاهريا، أن المراهق الامريكي المدجج بالسلاح، علي وشك تجاوز مرحلة المراهقة والاخطاء ليصل الي ما هو أبعد حيث طرح غيتس وجوب تركيز (طاقاتنا علي ما هو ابعد من اسلحة العسكريين ومن الجنود والبحارة ورجال سلاح الجو الشجعان). مذكرا بان هناك (اخطاء) قد ارتكبت في العراق وافغانستان اذ لم يخصص لبرامج السياسة الخارجية غير 36 مليار دولار بالمقارنة مع الميزانية العسكرية التي تبلغ حوالي تريليون دولار سنويا في الوقت الحالي. فما هو الحل من منظور الامبراطورية الامريكية التي وضعت المقاومة العراقية حدا لتوسعها الامبريالي؟ يؤكد غيتس علي (ضرورة مشاركة مدنية اكبر لانجاح العمليات العسكرية التي تجري في بلدان مثل العراق وافغانستان وكذلك لمعالجة المشاكل قبل ان تتحول الي نزاعات والدعوة الي تعزيز قدرتنا علي استخدام القوة الهادئة لتتكامل بشكل افضل مع القوة الصارمة). وتحدث غيتس خصوصا عن فشل الولايات المتحدة في اطلاع بقية العالم علي (مجتمعنا وثقافتنا واننا نحتاج الي تطوير اطار دائم من اجل نشر فوري لخبراء في مختلف القطاعات للعمل مع العسكريين في مناطق الاضطرابات). ويمكن تلخيص ملامح البرنامج الذي يطرحه غيتس لتحقيق الانتصارالعسكري الامريكي في الدول المحتلة بثلاث نقاط اساسية وهي: أولا، علي العسكريين الامريكيين ان يتكيفوا مع واقع انهم سيضطرون علي الارجح لمقاتلة عصابات وارهابيين اكثر من الجيوش التقليدية وثانيا ان هذه الحروب ستكون اساسا سياسية بطبيعتها وتتطلب تطبيق كل عناصر القوة الوطنية وثالثا ان النجاح لن يكون بفرض ارادة طرف علي آخر بقدر ما سيكون تحديد سلوك الاصدقاء والخصوم. ويري غيتس ان الاهم من ذلك كله ان وجود 6600 موظف محترف في الشؤون الخارجية لا يكفي للتحديات المعقدة التي ظهرت منذ انتهاء الحرب الباردة. ويستدعي الوضع مؤسسات مدنية جديدة لنشر القوة الهادئة لامريكا! وتدفعنا قراءة خطاب غيتس الي التساؤل عن الجديد في برنامج غيتس الهادف الي تفادي أخطاء مرحلة المراهقة العسكرية الامريكية؟ ألم تعلن القيادة العسكرية الامريكية المرة تلو المرة وعلي اختلاف متحدثيها بأنها تحارب منظمات أرهابية في العراق وافغانستان لئلا تحاربها داخل أمريكا نفسها وان هذه المنظمات تستخدم أساليب مختلفة خطط الجيوش التقليدية؟ ألم يتم الاعتماد فعلا علي حرب المعلومات وعمليات الاعلام العسكري المتجذرة مع الخطط العسكرية وضمن شبكة التنظيم السياسي علي مدي أعوام الاحتلال؟ ألم يتم تحديد الخصوم والاصدقاء منذ ان اعلن بوش عن شعاره القائل (اما ان تكون معنا أو ضدنا) وتم تطبيقه فعليا علي ارض الواقع في العراق المحتل عندما رسمت الادارة الامريكية خطوطا حمراء واضحة تنص علي ان كل من يقبل بالاحتلال هو (صديق لنا) وكل رافض له هو(خصم لنا)، مما ادي الي جعل معظم ابناء الشعب العراقي المناهضين للاحتلال خصوما مع شرعنة حق التخلص منهم قتلا وتهجيرا واعتقالا؟ أما بالنسبة الي برنامج زيادة الخبراء وبناء المجتمع المدني كحل لاخراج امريكا من الوحل الذي تكاد تختنق فيه، فالسؤال هو ألم توظف ادارة الاحتلال ما يكفي من خبرائها والعملاء العراقيين لترويج مشروعها؟ ألم يطرح بول بريمر، حاكم الاحتلال الامريكي السابق، البرنامج ذاته عندما خصص 750 مليون دولار المسروقة من ميزانية الشعب العراقي لبناء (منظمات المجتمع المدني ) وسلم المبلغ نقدا لكل من هب ودب من المتكالبين علي المنفعة الشخصية والربح السريع عندما سلم عصا (السيادة) الي اياد علاوي؟ ألم تؤسس ادارة الاحتلال ما يزيد علي 2000 منظمة مجتمع مدني عشية ما يسمي بالانتخابات الديمقراطية لتحث الناس علي انتخاب القوائم الطائفية وتبين بعد الانتخابات مباشرة انها مجرد تنظيمات وهمية ذات هدف آني فتلاشت حالما انتهت الحاجة اليها؟ ألم تدرب قوات الاحتلال قوات الشرطة والجيش باسلوبها الخاص؟ ألم تخصص ما يكفي من الميزانية للصحافيين والاكاديميين والكتاب المأجورين والصحف والاذاعات والقنوات الفضائية الموالية لسياستها؟ يقول غيتس، بأن الادارة الامريكية لم تفعل ما فيه الكفاية بعد. وأن السبب هو عدم تخصيص ما يكفي من الميزانية لتحقيق النصر. الا ان ما يتعامي غيتس ومن معه من قوات الاحتلال ومخططي سياسته وواضعي البرامج عن ذكره هو وجود الشعب العراقي ومقاومته الوطنية الباسلة غير المعروضة للمساومة في سوق النخاسة السياسية، مسارعين لطرح برامج جديدة ( لتحقيق النصر) كلما عانت القيادة العسكرية من فشل ذريع آخر. فيتم استخدام طرح البرامج الجديدة ومراجعة السياسة القديمة كغطاء سياسي لتحاشي غضب الرأي العام الامريكي علي الادارة الامريكية التي لم تحقق النصر بالسرعة الموعودة وبسبب تجاوز عدد المعاقين من جنود الاحتلال في العراق المئة ألف حسب صحيفة (يو أس تودي) ليوم 27 من الشهر الحالي وعجز الادارة الامريكية عن دفع مخصصات الاعاقة اليهم، وهي مسألة تحاول الادارة الامريكية بقيادة الحزب الجمهوري تحويل الانظار عنها في الفترة السابقة للانتخابات الرئاسية.