Sunday 1 June 2008

التنافس والتوافق بين ساسة الاحتلال في العراق


2007/12/16
هناك سباق يزداد احتداما بين الاحزاب المتنازعة علي السلطة في العراق ضمن العملية السياسية جوهره تقديم افضل الخدمات للمحتل مقابل كسب دعمه في تقاسم الغنائم.وتدرك هذه الاحزاب وميليشياتها جيدا بانها بذلك ليست الا بيادق في لعبة يحركها المحتل لانه هو الذي يقرر كيفية الحركة وتوقيتها، وأن غنائمها حسب حجم الخدمة التي يستفيد منها المحتل في مرحلة زمنية معينة. من هنا منشأ الاختلاف الظاهري بين الاحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية وشرعنة الاحتلال وحجم الصراعات الكلامية والاعلامية التي يشنها البعض ضد الآخر، وكأنهم في خضم سباق للفوز بجوائز تمديد فترة بقائهم في مناصبهم المحدودة العدد، وان كانت العملية كلها آيلة للسقوط في أية لحظة بفضل استمرار المقاومة الوطنية واستنزافها المستمر للاحتلال. وقد أثبتت سنوات الاحتلال التي يقترب من عامه الخامس ان التسابق المحموم في تقديم التنازلات والخدمات لقوات الاحتلال مغاير للفكرة الاولية التي جاءت الأحزاب بها مع المحتل. فهي قد قضت السنوات منذ التسعينات للتخطيط المبني علي التقاسم الطائفي والعرقي الذي تصوروه وصوروه علي الورق، وما يترتب عليه من مكافآت مضمونة موعودون بها، ضمن مخطط استراتيجي مضمون النجاح. كما اثبتت سنوات الاحتلال بان حسابات المحتل قد سقطت وأصبح متخبطا، يغير كل عام طاقم قياداته العسكرية والمدنية وبالتالي علاقاته العراقية، ومضطرا لتوسيع رقعةالبحث عن العملاء والشركاء. وهو اليوم في بحثه عن الخدمات المؤقتة لايقتصر علي الكردي دون العربي ولا علي السني دون الشيعي ولا علي الاسلامي دون العلماني. هذا تطوير أمريكي نوعي للتنافس المعروف منذ ان دخلت أحزاب المجلس الاعلي للثورة الاسلامية والدعوة، وهي احزاب اسلامية ـ شيعية مع دبابات الغزو، في حين كان احمد الجلبي واياد علاوي (علمانيان)، متعاونين مع اجهزة المخابرات الامريكية ـ البريطانية، يسابقانها علي ظهور دبابات أخري، لينافساها في الداخل علي حظوة بول بريمر ومحاصصته الحزب الاسلامي (سني) والحزب الشيوعي (علماني افتراضا)، بينما أدي قادة الحزبين القوميين الكرديين العلمانيين الدبكة علي أشلاء ضحايا الغزو من المواطنين الابرياء. هذه الجماعات القديمة بحاجة ماسة اليوم للتنافس الشرس فيما بينها من جهة ومع مجموعات جديدة من المتعاونين وأنصاف المتعاونين. ومقياس او مسطرة المحتل واحدة في التعامل مع هذه الاحزاب تتحكم بها درجة الاستفادة منهم وتوقيتها وفقا لمصلحة السياسة الامريكية وتوازناتها المحلية والاقليمية. فالجلبي الذي ادي خدمات هائلة للمحتل قبل الغزو واثناء عامي الاحتلال الاوليين، لم يعد الطفل المدلل عندما وعد أياد علاوي المحتل بالقضاء علي (المتمردين) في الفلوجة، ولم يرحم الاحتلال علاوي حين أوحي حزب الدعوة والمجلس الاسلامي الاعلي للمواطنين ان مرجعية السيستاني تدعم القائمة الشيعية، فصار الجعفري من حزب الدعوة الوجه المفضل الجديد لدي ادارة الاحتلال ليتم اقصاؤه هو الآخر عن لوح لعبة الشطرنج الدموية واستبدل بنائبه المالكي عندما تبين لهم بان ثرثرة الجعفري عن الشفافية والمصداقية قد أصابتهم بالصداع ولم تحقق لهم شيئا علي ارض الواقع. وفي لعبة تحريك البيادق حسب كفاءة ادائها الوظيفي في خدمة الاحتلال، لعب الحزب الاسلامي دورا خطيرا في اضعاف الجبهة المضادة للاحتلال بل وانقاذ الاحتلال من العديد من المآزق الكبيرة، وتقديم الدعم السياسي المباشر وغير المباشر له. فكلما ازدادت مطالبة ابناء الشعب برحيل قوات الاحتلال انبري المالكي بمطالبتها بالبقاء مدركا بأن حياة حزبه الطائفي مرهونة ببقاء الاحتلال وديمومة بقائه. وهو يدرك جيدا بان منافسته في مجال تقديم الخدمات للمحتل هي التي قد تمنحه فرصة اداء دور البديل لحكومة المالكي الطائفية. وما تصريحه الاخير في سباق الخدمات الذي أكد فيه رفضه انسحاب القوات الامريكية من العراق في الوقت الحالي، قائلا: (هل من مصلحة العراق اليوم ان تنسحب القوات الاجنبية غدا الاجابة: لا. لان المشكلة هي من سيملأ الفراغ الامني لو تحقق الانسحاب، والكل قلق جدا ونحن نطالب بان يبقي انسحاب القوات الاجنبية ضمن الاجندة السياسية). وهو جواب مستنسخ طبق الاصل من تصريح الادارة الامريكية التي تهدف الي اثارة مخاوف الناس من بعبع الفراغ الامني الذي سيحدث بعد انسحابها غدا. وكأن الهاشمي لم يقرأ يوما ما كتب التاريخ وكيف ان انسحاب قوات العدو المحتل لاي بلد من الناحيتين اللوجستية والسياسية لايتم خلال يوم واحد فقط، وان خروجها بدباباتها وشاحناتها واسلحتها سيتطلب شهورا علي الاقل. متغابيا عن حقيقة جوهرية ستساعد علي تحقيق الاستقرار المطلوب وهي اعلان قوات الاحتلال طلب التفاوض مع المقاومة الوطنية لذلك البلد من اجل انهاء الاحتلال ومن ثم الاتفاق الصريح والمعلن مع ممثلي المقاومة علي وقف اطلاق النار وجدولة انسحاب قوات العدو. كما حدث اثناء مفاوضات انهاء الاحتلال مع قوات الغزو الامريكي في فيتنام وقوات الاحتلال الفرنسي في الجزائر والعكس غير صحيح اذ ان تحقيق الامن والاستقرار لن يؤدي الي انسحاب قوات الاحتلال.ولايخبرنا الهاشمي عن آلية تحقيق الامن في بلد بلغ فيه عدد أفراد القوي الأمنية العراقية مليونا و400 ألف منتسب مما يجعل نسبة رجال الأمن قياسا بالسكان في العراق هي الأعلي في العالم، حسب عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب عباس البياتي؟ وهل في نيته زيادة العدد الي مليونين مثلا بعد اضافة افراد الصحوة الذين بلغ عددهم الاربعين الفا حتي الآن حسب التصريحات الرسمية؟ ثم لماذا تنسحب قوات الاحتلال من بلد تنعم فيه بالهناء والامن والاستقرار، تستخلص فيه النفط مجانا لتمده بارخص الاسعار لمواطنيها بينما يكدح ابناء البلد المحتل بالعمل عبيدا لديها؟ان تبريرات الهاشمي وهو النموذج للجناح الطائفي السني المتصارع علي منافسة الحكومة الطائفية الشيعية مشينة وتحمل في طياتها استهانة لا حد لها بالمواطن العراقي الذي تستخدم آلامه اداة للمساومة السياسية وللحصول علي منافع اكبر. ولا يشكل حزب الهاشمي غير متسابق بين عدة متسابقين آخرين يتفنن كل واحد منهم بابتكار السبل لنيل رضا المحتل. فها هي لجنة التنسيق التي تضم حركة الوفاق الوطني برئاسة اياد علاوي ومؤتمر اهل العراق برئاسة عدنان الدليمي وجبهة الحوار الوطني برئاسة صالح المطلك ومجلس الحوار الوطني برئاسة خلف العليان يكتبون رسالة الي الرئيس الامريكي جورج بوش (وكأنه صديق عزيز وليس قائدا لقوات العدو المحتل) مطالبين بوقف الدعم عن حكومة المالكي في حال عدم اتخاذها قرارا بوقف التدخل الايراني في العراق محذرة في الوقت ذاته من الفاشية الدينية، كما اشارت الرسالة الي ان الوقت قد حان لاجراء انتخابات مبكرة لعرض الارادة الحقيقية بغالبية ابناء شعبنا بحيث اذا فقدت المليشيات وفرق الموت التي تحكم بلدنا اليوم حرية عملها فسوف لن تنال الاحزاب الموالية لايران اي دعم يذكر في انتخابات نزيهة تحت رقابة دولية. ويحول مضمون الرسالة العازف علي النغمة التي تريد الادارة الامريكية سماعها وهي ان ايران هي المسؤولة عما يجري في العراق الانظار عن العدو الاول وهو قوات الاحتلال الامريكي. ولا تشير الرسالة الي ان الادارة الامريكية تجري وبمساعدة حكومة المالكي المباحثات مع الحكومة الايرانية! ولكي لايقال ان من فاز بالسباق النهائي في خدمة الاحتلال هو فريق الاحزاب الطائفية ـ العربية، سارع فريق الحزبين الكرديين بارسال وفد الي واشنطن ليطلب من الادارة الامريكية، باسم (حكومة اقليم كردستان) توقيع اتفاق تفاهم علي غرار اتفاق التفاهم الذي وقعه جورج بوش مع نوري المالكي المتضمن منح الولايات المتحدة قواعد ثابتة في العراق. و قال عمر فتاح نائب رئيس الوزراء في حكومة الاقليم بعد عودته الي اربيل، لقد (أبلغنا الامريكيين ارتياحنا للاتفاق المبرم بين بغداد وواشنطن). كما قام بتوضيح مخاوف حكومة الاقليم، قائلا: (نخشي ان يتفق العراق وامريكا مرة اخري فنتعرض الي مظالم). وقام اعضاء الوفد بالتذكير بان حكومة الاقليم قد وقعت عقودا مع شركات امريكية لاستثمار النفط وأن الاتفاق سيضمن حقوق الاكراد ويشعرهم بالاطمئنان. وغني اعضاء الوفد مع الادارة الامريكية والمالكي والهاشمي قائلين: (لسنا مع الانسحاب المبكر للقوات الامريكية ونطالب ببقاء هذه القوات الي حين بناء عراق ديمقراطي). ان ما يحدث في العراق في ظل الاحتلال مسؤولية مشتركة لقواته وادارته في واشنطن من جهة، والادارة العراقية ومليشيات الأحزاب الطائفية التي تخدمه من جهة أخري مهما حاولت تزويق تصريحاتها والفاظها، ومهما تبادلت من اتهامات وانسحبت يوما من ذا المنصب او ذاك او من هذه المفاوضات او تلك. وتنطبق عليهم مقولة : انهم في خدمة المحتل اذن انهم موجودون. لذلك من الضروري ان نقوم برصد افعالهم وانتهاكاتهم وجرائمهم المباشرة من خلال ميليشياتهم وفرق موتهم او غير المباشرة كل علي حدة، مثلما نقوم برصد وتسجيل جرائم جيش الاحتلال وجيش المرتزقة من متعاقدي شركات الحماية ومجرمي الدول الاجنبية. فان الجرائم ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم، ولا بد للجيل المقبل من العراقيين من كشف واضح بالحساب.