Sunday 1 June 2008

مثقفو الاحتلال وجيش راقصي الباليه الامريكي

18/11/2007
كان من بين البنود المهمة في برامج دعاة الاحتلال الانكلو ـ امريكي ـ الصهيوني للعراق المعلنة من مقراتهم ومؤتمراتهم في لندن وواشنطن، في أعقاب حرب الخليج الثانية، وجوب حل الجيش العراقي بحجة التخلص من آلته العسكرية التي تهدد العراق ودول الجوار وسلام العالم وأمنه، وكان من بين الدعاة الناشطين عدد من (المثقفين) الذين كتبوا العرائض الي الادارة الامريكية ملتمسين تحريرهم وكان ابرزهم ( المثقف) كنعان مكية المعروف بأنه الذي زرع أبصال الزهور وأعد الحلوي لينثرها علي جنود (التحرير والديمقراطية)، عند غزوهم العراق، وفاء بوعده الشخصي للرئيس بوش بأن العراقيين سيستقبلون الجنود الامريكيين بالزهور والحلويات. والمعروف، ايضا، أن كنعان مكية (كنيته العراقية الشائعة هي أبو الحلوي والزهور) الذي شنفت قنابل الغزاة الملقاة علي عاصمتنا بغداد أذنيه، وكان لها وقع الموسيقي علي روحه، قد انسحب من نشاطه السياسي العام في العراق، ليجتر من مكتبه في احدي الجامعات الامريكية أحزان خيبته في (الشعب العراقي الذي لم يكن مهيئا للديمقراطية) حسب الوصفة الامريكية. ولم يكن أبو الحلوي والزهور وحيدا في تأييد الغزاة ضد الشعب العراقي ومحاولة صب الشعب في قالب امريكي جاهز، الا انني اذكره هنا كنموذج يمثل ظاهرة ضمت العديد من (المثقفين) الاسلاميين والعلمانيين وبالاخص الشيوعيين. وقد تذكرت النموذج وبرامج (الديمقراطية والسلام ونزع السلاح)، منذ أيام، وأنا اقرأ خبرا أعلن فيه مسؤولون أمريكيون أن وزارة الدفاع الامريكية طلبت من الكونغرس تخصيص حوالي 88 مليون دولار لتطوير قنبلة ضخمة توجه بالقمر الصناعي تبلغ زنتها 13 طنا و600 كيلوغرام.وقالت متحدثة باسم سلاح الجو الأمريكي إن الوزارة ستعمل علي إدخال تعديلات علي قاذفة القنابل من طراز B-2 حتي تتمكن من نقل تلك القنبلة وإلقائها علي الهدف المطلوب، وان هذه القنبلة ستسمي (الكبيرة الزرقاء). وقد بلغ ما صرفته الادارة الامريكية 455 مليار دولار للبند العسكري المخصص لاحتلال العراق وافغانستان حتي الآن، حسب تقرير البنتاغون بتاريخ 25 تشرين الاول (اكتوبر) 2007. وطالب بوش بتخصيص 46 مليار دولار اضافي للعراق وافغانستان بعد ان تقدم بطلب سابق مقداره 150 مليار للبلدين، ولسنا بحاجة الي التوضيح بان هذه المبالغ الضخمة لن تصرف لصالح مواطني البلدين ولا للاعمار او تحسين الخدمات المعيشية والصحية والتعليمية أو اعادة المهجرين قسرا الي بيوتهم، بل ستذهب كلها الي جيوب الامريكيين انفسهم في مجالس ادارة شركات الاسلحة والتجهيزات العسكرية والامنية وعملائهم وميليشياتهم. وأفضل مثال علي ذلك هو وجود 180 الف مرتزق من شركات الحماية في العراق حاليا، وهو عدد تجاوز عدد قوات جيش الاحتلال الامريكي. ولشركة كي بي آر المتفرعة من شركة هاليبرتون ذات العلاقة الوطيدة بوزارة الدفاع الامريكية 50 الف مستخدم في العراق وافغانستان، وقد حصلت حتي الان علي مبلغ 20 مليار دولار من الميزانية العسكرية حسب صحيفة سياتل الامريكية. وانعكست رغبة كارتيلات انتاج الاسلحة بشكل كبير علي مجال البحوث العلمية فسخرت لتطوير الاسلحة القاتلة للانسان والمبيدة لكل اشكال الحياة، بدلا من صرف الاموال الطائلة علي تطوير نوعية الحياة الانسانية، والقضاء علي الاوبئة مثل مرض الايدز والسرطان بأنواعه. ومن بين البحوث التي تصرف عليها ملايين الدولارات رغبة وزارة الدفاع الامريكية علي تطوير القنبلة الكهرطيسية HPM والأسلحة المضادة للأشعة تحت الحمراء والمنظار خارق القدرات مثل المنظار النيوترينوي ومنظار الفوتون ومسدس المستقبل الذي سيكون بامكان الجندي حمله بخفة اثناء المعارك في المناطق المأهولة بالسكان، وقد بوشر فعلاً بتحقيقه منذ عام 2000، حيث تم الشروع بتصنيع مسدس سيكون قادراً علي إطلاق الرصاص وأشعة الليزر والموجات الضوئية في وقت واحد، أي تضمينه قدرات عمل القاذف المضاد للتحصينات والدروع، وبشكل يجعل المقاتل يستغني في المرحلة الأولي عن حمل القاذف المستعمل حالياً بوزنه الثقيل.خطر في ذهني، وانا أقرأ هذه الاخبار المخيفة، أن سعادة كنعان مكية، وغيره من مثقفي الاحتلال، بموسيقي القصف والخراب كانت ستتضاعف حتما في عام 2003 والسنوات التالية، لو أن الغزاة استخدموا في قصفهم لبغداد القنبلة الكبيرة الزرقاء وباقي الاسلحة المتطورة، ولم يكتفوا باليورانيوم المنضب والقنابل العنقودية والفسفورية والأي كي 77 أو النابالم المتطور، حيث كان بامكان هذه القنبلة ان تكون ذات فاعلية أعم وأشمل، وان تسبب زيادة كبيرة في عدد القتلي والمصابين وبالتالي أن يبلغ أنين المصابين وصرخات القتلي الأخيرة، نوتات موسيقية عالية كانت ستضيف الي روح مكية، المولع بموسيقي الاوبرا الكلاسيكية، متعة حداثية جديدة، وهي سماع نغمة الموت حية مباشرة صادرة من افواه الضحايا أنفسهم. ومثل مكية، المصاب بخيبة أمل في العراقيين وليس سادته الامريكيين، سكت كثيرون من دعاة (ان العنف طبيعة عراقية) وان الجيش العراقي هو جيش ابادة وقتل بينما يرون ان الجيش الامريكي بعدته وعتاده وحملات ابادته الجماعية ماهو الا فرقة راقصي باليه ارسلتها الادارة الامريكية الي العراق لتسلية المواطنين، وربما شعر بعضهم بأن من العار مواصلة الحديث عن نزع السلاح بعد ان رأوا بأم أعينهم زيف ادعاءات الدولة التي تبنوا (ديمقراطيتها) وكيف حولت ارض العراق واهله الي حقل تجارب لاكثر الاسلحة فتكا. أو لعلهم سرقوا واختلسوا ما فيه الكفاية من صفقات الأسلحة والعمولات والمنح والمساعدات فآثروا الانسحاب ليعيشوا في بحبوحة ما نهبوا ماديا ومعنويا. فكم من مركز للدراسات الاستراتيجية ومعهد للسلام وبناء الديمقراطية قد افتتح خارج العراق وداخله مدعوما من الدول الغازية باسم العراق، وكم مؤتمر انعقد، وايفاد دبر، وعقود وقعت باسم العراقيين وهم لايرون غير المصائب والكوارث ويعيشون شظف العيش وامتهان الكرامة. وتبقي مسألة حل الجيش العراقي ونزع سلاحه مهزلة مضحكة مبكية ازاء ازدواجية معايير دعاة الغزو، اذ لم نقرأ، منذ فترة التسعينات وحتي اليوم، أية عريضة مكتوبة من قبل مكية أو غيره من (المثقفين) يطالبون فيها الادارة الامريكية، صاحبة أكبر قوة عسكرية في العالم، والتي تملك لوحدها 44 بالمئة من مجموع القوة العسكرية لكل العالم، بنزع سلاحها وحل جيشها وايقاف حملات عدوانها علي عشرات الدول في العالم منذ اعقاب الحرب العالمية الثانية، وبعضها ذو انظمة ديمقراطية منتخبة من قبل شعوبها. ويعيش دعاة البراغماتية أو القبول بالأمر الواقع سياسيا، من مثقفي الاحتلال، تحت غطاء الذرائعية المبررة للاحتلال بجرائمه وانتهاكاته اما بشكل مباشرأي عن طريق تكرار شعارات الاحتلال المزيفة بحجة الحرب علي الارهاب، أو بشكل غير مباشر عن طريق الترويج لشعار القبول بالامر الواقع ووهم تقاطع المصالح. ان مكية وغيره من مثقفي الاحتلال ومن بينهم مثقفو الحزب الشيوعي ـ الاسلامي، يتميزون بانهم صم بكم وفاقدو بصيرة، عندما تتعلق برامجهم وتصريحاتهم وكتاباتهم بطبيعة المحتل، وجرائمه البشعة، وانتهاكاته لحقوق الانسان، وقتله لأية مبادرة نابعة من صميم الشعب العراقي. انهم، لفرط دونيتهم الثقافية واستقرار روح العبودية في دواخلهم، لايتجرأون علي الوقوف بجانب المواطن العراقي وهو يدافع عن حقه في التمتع بروح الوطنية العراقية بينما يستميتون دفاعا عن حق المواطن الامريكي في الدفاع عن أمنه، وزيادة ميزانية التسلح، واقفين وراء مجرم الحرب جورج بوش الذي يعتبر ان (الدفاع عن امن امريكا واجب مقدس وان علي القوات المسلحة الامريكية والادارة الامريكية محاربة الارهابيين في الاراضي البعيدة لئلا يحاربونهم في امريكا نفسها)، حسب آخر تصريح له في الاول من تشرين الثاني من هذا العام، مطالبا الكونغرس الامريكي بزيادة ميزانية الدفاع الأمريكي لبرامج التسلح العسكري التي تجاوزت منذ الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2001، أقصي معدلاتها، وباتت السياسة التوسعية للامبراطورية بحجة محاربة الارهاب مسوغا مقبولا لانتاج اشد الاسلحة فتكا بالبشرية.