Monday 2 June 2008

ربيع بغداد السياسي وصولة الفرسان

أشاد جلال الطالباني، رئيس جمهورية الاحتلال، بالانجازات التي تحققت مؤخرا في مسار العملية السياسية، اثناء استقباله يوم الاثنين السفير الأمريكي رايان كروكر. ووصف الطالباني الجو الجديد الذي يسوده الأمل والارادة الوطنية بانه ربيع بغداد السياسي . وتعبير ربيع بغداد السياسي ليس نتاجا ابداعيا لمخيلة الطالباني أو نائبه الهاشمي وأن اصبح مثل كل مصطلحات سياسيي الاحتلال علكة يلوكونها بعد ان بصقها المحتل. فهم لايجرأون الا علي تكرار مايتفوه به السيد المحتل. اذ يرتبط تكرارمصطلح ربيع بغداد السياسي بضرورة انتقال الاحتلال الي مرحلة جديدة من التمويه والتضليل الاعلامي، البعيد كل البعد عن الواقع العراقي والقريب كل القرب من الحاجة الماسة الي تحسين صورة الادارة الامريكية، خاصة، الحزب الجمهوري في مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية. وتنبع ضرورة استنباط مصطلح جديد من الفشل الذريع لعمليات الاحتلال العسكرية والاعلامية السابقة مثل المصالحة الوطنية وخطة فرض القانون وزيادة القوات الامريكية والتخلص من القاعدة وتعاون المتمردين السنة مع ادارة الاحتلال. ويرتبط تعبير الربيع السياسي لدي الشعب الامريكي بالنجاح السياسي الذي حققته حكومتهم في بلدان المنظومة الاشتراكية سابقا. من هنا بات تكرار الطالباني وغيره لمصطلح الربيع السياسي لازمة لا تنفك تواجه كل من يصغي او يتابع الشأن العراقي، فهل سينجح استخدام مصطلح جديد لوصف الوضع الكارثي في العراق المحتل في تحقيق ما تصبو اليه الادارة الامريكية وعملاؤها وخلال الفترة السابقة للانتخابات؟ في الواقع العراقي، يختلط ربيع بغداد السياسي (ولا ادري لماذا لم يمتد كرم الاحتلال ليشمل العراق كله بربيعه ليسميه ربيع العراق السياسي) بالخطة العسكرية المسماة صولة الفرسان ، وهي خطة قدمها الجنرال ديفيد بتراوس والسفير كروكر باعتبارها من معجزات الاحتلال التي ستشفي كل العراقيين من نزعاتهم العنيفة ونزاعاتهم الطائفية والعرقية وتقضي في الوقت نفسه علي العصاة والمجرمين والقاعدة والعناصر المارقة والخارجة عن القانون. ولن اناقش هنا طبيعة هذه المفردات او ماهية القانون الذي يشار اليه في بلد محتل أهم ما يتميز به انه بلا سيادة أو قانون. صولة الفرسان، اذن، هي الدواء الناجع وهي أم الربيع السياسي حسب تصوير الاحتلال الامريكي. ولا يضاهي المحتل في حماسه لصولة الفرسان غير الفرسان أنفسهم أي عراقيي الاحتلال وساسته. فتحت راية الصولة ازدهرت مخيلة الفرسان فها هو وزير الدفاع عبد القادر العبيدي لا يعلق علي الفشل العسكري والسياسي هناك بل يصرح فرحا بان قوات الأمن اعتقلت غالبية قتلة النساء في البصرة خلال المرحلة الأولي من خطة صولة الفرسان. وان خالفه قائد عمليات البصرة الفريق موحان الفريجي قائلا ان قوات الأمن ما تزال مستمرة في اعتقال قتلة النساء في البصرة متعهدا بكشف اعترافات المعتقلين منهم عبر وسائل الإعلام بعد انتهاء إجراءات التحقيق. واكد قائد شرطة البصرة اللواء الركن عبد الجليل خلف ان المسلحين الذين كانوا يستهدفون الكفاءات العملية في المحافظة غادروا البلاد باتجاه ايران او الخليج، مبشرا في الوقت نفسه أهل البصرة بوصول عدد جديد من الوية الجيش العراقي للمشاركة بعملية صولة الفرسان. ولم يتفضل أحد القادة او المسؤولين بالتوضيح للمواطنين المغلوبين علي أمرهم والمتعطشين للاستقرار والأمان عن سبب فشل (حكومة العراق الجديد) في احلال الامن في العراق وحماية نسائه وخيرة ابنائه من الاكاديميين خلال الاربع سنوات الاخيرة ولماذا لم تشن صولة الفرسان في فترة أبكر لتتخلص من المارقين اذا كانت تعرفهم بهذه الطريقة الحميمة.كذلك لم يتفضل أحدا من سياسيي الاحتلال بتوضيح معني الربيع السياسي في بغداد وليس هناك محافظة أو مدينة واحدة في العراق وبضمنها بغداد وضواحيها لا تعاني من جرائم القتل والقصف الجوي الامريكي والبريطاني والحصار وهجوم الفرسان وغير الفرسان. ففي الاسابيع الاخيرة، مثلا، هوجمت مدينة البصرة برا وجوا وحوصرت وقصفت مدينة الثورة والشعب وغيرها من المناطق ببغداد وقتل ما لا يقل عن ثلاثة وستين شخصا واصيب عشرات آخرون في محافظتي ديالي والانبار.وفي بعقوبة قتل اربعون مواطنا واصيب حوالي تسعين اخرين بينهم نساء واطفال. وتشهد مدن العراق المختلفة محاولات اغتيال وخطف وتفجير عديدة. وفي الوقت الذي يتباهي فيه الطالباني بالربيع السياسي ويسهب البارزاني، رئيس اقليم كردستان، في الثناء علي أمن كردستان وكونه نموذجا لديمقراطية العراق الجديد وسيادته، يتعامي الاثنان وطاقمهما من الحزبين الكرديين وقوات البيشمركة التي من المفترض ان تدافع عن حدود الوطن وسيادته، عن القصف الايراني والتركي المستمر للمنطقة الشمالية، وكأن القصف موجه نحو بلد آخر لايعنيهما اطلاقا. مما يجعل العراق مقسما، حسب مناطق القصف واختلاف الجهة المنفذة للعمليات الي أربع مناطق. فمحافظات الشمال العراقي تتعرض لقصف بلدين هما تركيا وأيران بينما تتعرض محافظات الوسط والجنوب الي قصف أمريكا وبريطانيا. وفي ظل قصف القوات الجوية للبلدان الاربعة تتحرك علي الارض قوات الغزو والاحتلال بانواعه فضلا عن بيادق الاحتلال من العراقيين كل حسب ولائه الخاص للدول الغازية.وبحماية صولة الفرسان وظلمة ليل الربيع السياسي تقوم قوات الاحتلال الامريكي ببناء الحواجز الاسمنتية التي يتراوح ارتفاعها بين 3 ـ 4 أمتار في مدينة الثورة بين الاحياء السكنية. ومن مفارقات الاحتلال ان الشروع ببناء الحواجز في مدينة الثورة بعد مرور عام علي بناء قوات الاحتلال جدار الأعظمية العازل بطول خمسة كيلومترات وارتفاع ثلاثة أمتار ونصف المتر، بحجة حماية (الحي السني)، وهو الجدار الذي قال عنه نوري المالكي، متوهما بانه رئيس وزراء حكومة مستقلة، في مؤتمر صحافي بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة في يوم الاحد 22/4/2007: (أنا اعترضت علي بناء هذا السور وسيتوقف بناؤه). وبطبيعة الحال لم يتوقف بناء الجدار بل وبنيت نظائره في اماكن اخري.أما عذر بناء الاسوار في مدينة الثورة حسب القوات الامريكية فانه لحماية الأمن ومنع قصف المنطقة الخضراء والقضاء علي العناصر المارقة، أي قادة التيار الصدري وافراد جيش المهدي. لم يكفهم ان التيار الصدري قد شارك في عملية الاحتلال السياسية وله ثلاثون من اعضاء برلمانه وهم زوار دائمون لمنطقته الخضراء واعضاء في لجانه ومصوتون علي قوانينه. فهل القضية أن الصفقات القديمة قد إنقضت آجالها، ولم يعد الأحتلال، وهو يعيد ترتيباته شهريا، يقبل حتي برفع الصوت المؤدب، كالبقية، بين الفينة والفينة، وبمن يندد ببعض القوانين والمطالبة برحيل قوات الاحتلال وبرفض الفدرالية وقانون النفط؟ ان سلوك بعض قادة التيار الصدري وبالتحديد الذين نراهم علي شاشات اجهزة التلفزيون والذين يصرحون لمختلف اجهزة الاعلام باسم التيار الصدري، في غياب مقتدي الصدر المتفرغ لاكمال دراسته وقرض الشعر، لا يختلفون في طائفيتهم المقيتة وتوفيرهم الغطاء الشرعي لحكومة الاحتلال عن بقية المنخرطين في عملية الاحتلال السياسية، كما الحزب الاسلامي بقيادة الهاشمي والدعوة لصاحبه المالكي والمجلس الاعلي للحكيم. انهم يحاولون مد جذورهم، قسرا، في المجتمع العراقي مستغلين محنة الشعب عموما وبؤسه وما تعرض له عبر عقود من قمع فضلا عن وطنيته وكراهيته الحقيقية لقوات الاحتلال، مداعبين مشاعر المواطنين بشعارات انهاء الاحتلال (تذكروا بأن بوش نفسه صرح، ضمن التصريحات الهوائية، بانه ضد الاحتلال وان قوات الاحتلال باقية لحين اعتماد القوات العراقية علي نفسها) وتوفير بعض الخدمات البسيطة التي هي من حق المواطنين جميعا ومن واجب الحكومة توفيرها ليغطوا علي الفساد ونهب ثروة الشعب الكبيرة. ان تذبذب الافعال وتراشق الاتهامات والمماحكات والاقتتال الجانبي والشعارات الطنانة الكاذبة وانسحاب البعض وعودة البعض الآخر من المساهمين في عملية الاحتلال السياسية ما هو الا خلاف علي السلب والنهب واشغال لابناء الشعب بامور ثانوية وتضليل اعلامي، فضلا عن حرمانه من اساسيات الحياة اليومية وترويعه وارهابه، لئلا يري بشكل واضح عدوه الاول وهو قوات الاحتلال الغازية لبلده والناهبة لمصادره بمساعدة العملاء والموشكة علي توقيع الاتفاقيات العبودية بعيدة المدي التي ستحرمه هو وابناءه من حقه في الحياة الكريمة علي مدي اجيال. ان كل كذبة جديدة يطلقها سياسيو المنطقة الخضراء وكل تقية سياسية او دينية وكل التواء براغماتي يكلفنا، في كل ساعة حياة مواطن بريء، والعثور علي قبر جماعي جديد، في وقت يحتاج فيه الشعب الي الخطاب الوطني الواضح الداعي الي انهاء الاحتلال المتطابق مع العمل علي انهاء الاحتلال ووضع حد للعقاب الجماعي الذي يتعرض له ابناء الشعب المطالبون بحقوقهم الاساسية وحق الحياة بكرامة ووضع حد ومحاسبة المطبلين بربيع الاحتلال السياسي علي اختلاف اعراقهم وقومياتهم وطوائفهم.