Sunday 1 June 2008

مواصفات العمل الديمقراطي ضمن خطوط الاحتلال الحمراء

2007/12/30

شارك في برنامج بالعراقي الذي بثته قناة الحرة بتاريخ 25 كانون الاول (ديسمبر) 2007 اربعة ضيوف للحديث عن منظمات المجتمع المدني في العراق. من بينهم كانت الآنسة عبير السهلاني، الامين العام للجمعية العراقية للامم المتحدة، والآنسة ميسون الدملوجي نائب رئيس لجنة منظمات المجتمع المدني في البرلمان. تحدثت السهلاني والدملوجي أكثر من الآخرين وبالتفصيل عن أهمية تأسيس المجتمع المدني ونشر الثقافة الديمقراطية واتفقتا بان قلة الوعي باهمية استقلال المنظمات منتشر في العراق. غير ان السهلاني والدملوجي احتدتا مرتين. احتدت الاولي عندما تساءل مقدم البرنامج عن اهمية معرفة مصدر التمويل فاجابته بحدة قائلة: ان الحديث عن مصدر التمويل هو تخلف. المهم هو مراقبة الاداء والخدمات . ولم تعقب الدملوجي مباشرة علي هذه النقطة الجوهرية أما خوفا من ان تبدو متخلفة امام السهلاني أو لانها تتفق معها بان الحديث عن مصدر التمويل لمنظمات المجتمع المدني هو موقف متخلف حقا وفيما بعد أثارت مسألة الرقابة، لا مسالة مصادر التمويل. واحتدت الدملوجي عندما ذكر المقدم بان البعض يقول بان منظمات المجتمع المدني لا تنتقد سياسة الحكومة عموما فصححت له الدملوجي قائلة: ان المنظمات النسوية تنتقد منذ البداية . تمويل المنظمات وما تقوم به فعليا مسألتان مهمتان اثارتهما سيدتان تعملان ضمن المنظومة السياسية للاحتلال لتأسيس مجتمع مدني ديمقراطي حسب تصريحاتهما المتكررة، كما تطمحان حسب تصريح سابق للدملوجي أطلقته عندما كانت وكيلة لوزارة الثقافة في حكومة الاحتلال الثانية، حيث قالت: نحن نعمل علي بناء المواطن العراقي الجديد ، علي غرار الخطاب الايديولوجي للمحافظين الجدد والليبراليين الجدد وقتها، وكانت في حديثها وتصريحاتها اكثر طموحا وتقديرا لقدراتها وامكانياتها من المحتل نفسه الذي بدا متواضعا ازاءها مكتفيا بطموحه في بناء العراق الجديد فحسب. وسأترك سبب احتداد النائبة ميسون الدملوجي جانبا لكي اركز علي عبير السهلاني لانني اعتبر مصدر تمويل منظمات المجتمع المدني هو الاهم باعتبارة المظلة العامة التي ينضوي تحتها نشاط كل المنظمات وبضمنها المنظمات النسوية وسأعود الي مناقشة خصوصية المنظمات النسوية وآلية عملها وفرز طبيعتها واهدافها في العراق المحتل وعمل السيدة الدملوجي تحديدا مستقبلا. ولكي نفهم طبيعة تصريح السهلاني سيساعدنا القاء نظرة سريعة علي نشاطاتها وارتباطاتها علي الصعيدين السياسي والمدني في خارج وداخل العراق. فقد كانت عبير السهلاني ناشطة سياسيا في السويد كسكرتيرة لحزب السويديين الجديد وهو حزب ديمقراطي للاجانب تأسس عام 1998 وقد تم اختيارها حسب بيان حزب السويديين الجدد المنشور علي موقع الحوار المتمدن بتاريخ 2006/7/26 للتأكيد علي المساواة واحترام حقوق المرأة الا ان أمرا مفاجئا قد حدث للسهلاني. وحسب بيان الحزب اختفت السيدة رئيسة الحزب ذات يوم كالدخان دون ان تبلغ أحد مخلفة وراءها العديد من الخروقات التنظيمية وللعمل الديمقراطي ولم يعرف احد عنها شيئا الي ان وفجأةَ نسمع من خلال الراديو السويدي بأن رئيسة حزبنا عضوة في حزب الوسط السويدي وانتقلت الي العراق لنشر الديمقراطية هناك وتعمل لحزب عراقي وبنفس الوقت أخذت تعلق عن الأوضاع في العراق . ولابد ان انتقال السهلاني للعمل في منظومة الاحتلال القاتل لابناء العراق قد اصاب اعضاء حزبها بصدمة شديدة، خاصة، وان الحزب يعتبر رئيس الوزراء ورئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الراحل أولوف بالمه نموذجا يحتذي به في دعم حركات التحرر الوطني في العالم متحديا السياسة الامريكية وحربها ضد فيتنام وبادر بالاعتراف بجمهورية فيتنام الشمالية وخلال فترة حكمه دعم حكومة سلفادور الليندي في شيلي وتم منح بابلو نيرودا جائزة نوبل للآداب عام 1971 وأدان الانقلاب الفاشي في شيلي وحكومة بينوشيه . وكما يبدو فان انتقال السهلاني الي العراق المحتل حمل في طياته مفاجأة مذهلة أخري. حيث يخبرنا الكاتب الشيوعي رشيد كرمة في مقال بعنوان تحية للشغيلة نشر علي موقع صوت كردستان بتاريخ 1 ايار (مايو) 2007، كرسه كتحية للعاملات في عيد العمال العالمي ومن بينهن عبير السهلاني التي وصفها بانها آنسة عراقية قضت معظم طفولتها فـــي السويد، وللظروف الاستثنائية للعراق التي اتسم بها أثناء حكم الدكتاتورصدام حسين من قتل واغتيال وغدر وقمع ووحشية طالت المعارضين لم تر العراق كما انها لم تلتق بأبيها ولذا وبعد 9 نيسان (ابريل) 2003 قررت عبير وبعد لقائها بوالدها التي ظنت انه قد غادر الحياة العودة الي منبع الحياة حيث الجذور الأولي في قرية السهلاني . ويبلغنا الكاتب كرمة بأن كل شيء في العراق كان جديدا علي عبير الا انها استطاعت ان تتأقلم مع الوضع الجديد . ومن يومها والسهلاني منخرطة في بناء نظام ديمقراطي ذي مؤسسات مدنية وان كانت خيبة أملها في البناء واضحة لاننا لانملك طريقة ديمقراطية في تعاملنا في هذه المنظمات . ويبدو ان لقاء السهلاني بوالدها الذي لم تلتق به سابقا في العراق الذي لم تره أيضا قد أثمر وبسرعة لامثيل لها عن تأسيس حزب شارك في الانتخابات الديمقراطية وكانت عبير عضوا في اللجنة القيادية للتحالف الوطني الديمقراطي. وكان تأقلمها السريع وشروعها ببناء النظام الديمقراطي وتأسيس المجتمع المدني من خلال الحزب انعكاسا لسياسة الاحتلال المنطلقة من نظرة ان العراق أرض قاحلة بلا شعب وتاريخ. ولأن الحزب الذي تم تجميع اشخاصه قبل انتخابات 2005 لغرض الاستعداد بجدية ونشاط للانتخابات التي ستبدأ استحقاقاتها في الاسابيع القليلة التالية .لم يحقق لاعضائه طموحاتهم، تخلت الآنسة السهلاني عن العمل السياسي المباشر لتتفرغ، حسب تصريحها، لبناء منظمات المجتمع المدني الديمقراطية . وتعتلي السهلاني الآن منصب الامين العام لاحدي المنظمات وتتحدث بطلاقة واسهاب عن الشفافية والمصداقية والديمقراطية الا انها تعتبر الحديث عن مصادر التمويل تخلفا. فهل لهذا علاقة بتاريخها السياسي وتقلبها من حزب الي آخر أم ان له علاقة مباشرة بمصدر تمويل التحالف الوطني الديمقراطي أو منظمتها الحالية؟ ان معظم منظمات المجتمع المدني في العراق المحتل، كما هو معروف، اما منظمات وهمية تتلقي الدعم بلا خدمات، او ملحقات باحزاب تستظل بالاحتلال أو منظمات تتلقي الدعم والتمويل من ادارة الاحتلال مباشرة لتقوم بمهمة معينة تخدم سياسة الاحتلال أما آنيا كما حدث في الفترة السابقة للانتخابات حيث بلغ عدد المنظمات المتكاثرة بسرعة الأرانب الالاف من بينها 2000 منظمة نسوية وهمية، أو لتخدم استراتيجيتها علي المدي البعيد كما هو حال منظمات عهد العراق و اصدقاء الديمقراطية الامريكية . وتدل الدراسات الاكاديمية والبحوث العديدة في مجالات التنمية ومراحل ما بعد الاستعمار الاستيطاني بان احد اوجه الكولونيالية الجديدة هو السيطرة علي منظمات المجتمع المدني من خلال التمويل الخارجي والذي يؤدي بالضرورة الي فرض شروط العمل ومواصفاته علي هذه المنظمات وبدرجات متفاوتة. وتعتبر المساعدات الامريكية، خاصة الحكومية منها وهي الاكبر عالميا ومن خلال وكالة العون، الأكثر تحديدا لنوعية العمل. وتعتبر الوكالة وتفرعاتها هي الانشط في العراق المحتل وان لم تكن الوحيدة اذ تشاطرها التحديدات الجهات المانحة البريطانية والاوربية. الا ان نموذج الوكالة الامريكية هو المتميز، والمعروف ان رئيس الوكالة السابق اندرو ناستيوس كان واضحا تجاه الجهات المتلقية للدعم من الوكالة عندما أعلن بان علي المنظمات ان تعلن صراحة تأييدها للسياسة الامريكية والا قام بنفسه بتمزيق العقود، وصرح كولن باول في خطاب له بان منظمات المجتمع المدني ذراع للسياسة الامريكية . لهذا قامت عدة منظمات انسانية عالمية من بينها منظمة اوكسفام وأنقذوا الاطفال برفض التمويل الامريكي محافظة علي استقلال عملها من اي تأثير خارجي قد يجعلها حبيسة شروط وتحديدات تتعارض مع اهدافها ومبادئها.لقد شهدنا في العراق المحتل انبثاق احزاب وتنظيمات فقاعية سرعان ما تلاشت حال انتهاء الحاجة الي وجودها، كما نشاهد برامج في قنوات فضائية تتحدث فيها كائنات مشوهة عما يجري للمواطن العراقي وكأن العراق قد اصيب بكارثة طبيعية وليس احتلالا قد تم التخطيط له منذ فترة التسعينيات للهيمنة علي العراق وشعبه ومصادره الطبيعية.لقد دخل بعض العراقيين في المهجر السوق السياسية والثقافية الكولونيالية الجديدة في التسعينات في الغرب واستفادوا من التمويل المتوفر للأقليات والجاليات، سواء الذي يمنح بحسن نية أم بهدف مبيت، مساهمين في تمزيق النسيج الاجتماعي لدول العالم الثالث، وتأجيج الطائفية والعرقية بين جالياته المهاجرة. بعضهم مارس أو ابتلع الخداع الأيديولوجي عن الديمقراطية وحقوق الانسان، ولم يتورع عن المساهمة في تبرير الغزو، أو شرعنة الاحتلال بحجة الواقعية وبناء العراق الجديد بعد أن رافقوا الاحتلال، ملحقين بذلك أكبر الأذي بنضال شعبنا ضد الديكتاتورية ومن أجل الديمقراطية في اطار الاستقلال والكرامة الوطنية. أن من حق شعبنا أن يري انخراط هؤلاء أما انتهازية ومتاجرة بدماء العراقيين ومستقبل البلاد، أو غباء لا مثيل له. فمن الصعب الاقتناع أنهم لا يرون انفضاح السياسات الاستعمارية الجديدة أمام الرأي العام العالمي بأسره، وبضمنه في داخل الولايات المتحدة وأوروبا، وبضمنه انكشاف الدور المقرر لما يسمي بمنظمات المجتمع المدني التابعة للاحتلال. أو أنهم لا يرون ان الرقابة الذاتية التي يفرضها الاحتلال علي كل من يعمل في اطاره وضمن خطوطه الحمر، لا تختلف، بل ربما هي أكثر أذي، من العمل المباشر كموظفين رسميين في أجهزته. وقد تصدق عن هؤلاء مقولة : أن كان يدري فتلك مصيبة، وأن كان لا يدري فالمصيبة أعظم. لكن مسؤوليتهم، مهما كان سبب انخراطهم، هي مسؤولية المشارك في الجريمة أو المتستر عليها. وهي مسؤولية تتجاوز المسؤولية الاخلاقية بكثير.