Saturday 21 February 2009

الظاهر والخفي في الاعلانات الدعائية للفضائيات العراقية والعربية

19/10/2008
تبث الفضائية الشرقية، يوميا، مجموعة من الاعلانات الدعائية الموجهة للمشاهدين العراقيين، تحديدا، لان المشاهد الاساسي للقناة هو المشاهد العراقي. والشرقية هي القناة التي توصف، عادة، بانها الاكثر شعبية بين المشاهدين العراقيين على الرغم من كثرة القنوات العراقية في داخل وخارج العراق منذ غزو العراق في عام 2003.
ولا يقتصر بث الاعلانات الدعائية الموجهة على قناة الشرقية لوحدها بل يستمر بثها من قبل قنوات عربية اخرى مثل 'العربية' و'روتانا' وقنوات لبنانية اخرى بالاضافة الى قنوات دول الخليج وصحافتها، غير انني اخترت الكتابة عن الشرقية لانها القناة المفضلة لدى المشاهدين العراقيين واشتهرت منذ تاسيسها بقدرتها على مخاطبة المشاعر والاحاسيس من خلال الكوميديا والسخرية وتبني العلاج الطبي لبعض الحالات المستعصية وجذب الشباب من خلال برامج المسابقات الرياضية والغنائية. وساهمت حكومة الاحتلال، بشكل غير مباشر، في ان ينحاز المواطن الى جانب 'الشرقية'، خاصة، بعد ان اغلق مكتبها في العراق اكثر من مرة. 
يتراوح عدد الاعلانات الدعائية الموجهة التي تبثها 'الشرقية' بشكل متتال ما بين 5-7 اعلانات، وتتضمن رسائل مختلفة، من بينها تعريف من هو العراقي، وادانة النزاع والعنف بين العراقيين لانه سيؤدي الى خسارة الجميع ومثال ذلك الاعلان عن لعبة جر الحبل بين فريقين عراقيين متنازعين الى حد الاقتتال، واعلان عن وجوب مساهمة الجميع في البناء والوقوف صفا واحدا كل حسب مهنته. ويحذر صوت مهندس، في احد الاعلانات، بان بناء العراق لن يتم ما لم يتصالح الجميع. ويرينا اعلان آخر عودة مهجر يرحب به. كما يقدم احد الاعلانات رجلا يتحدث بلغة عربية فصحى للدلالة بانه ارهابي عربي يحث شابا عراقيا على نشر اخبار كاذبة بواسطة الانترنت عن نجاحات (المتمردين أو الارهابيين) حسب الاعلان. كما يساهم اعلان قسم قوات شرطة وجيش (العراق الجديد) على تقديمها بشكل يدعم المواطنين ويساعدهم يوميا. 
وتختلف مستويات هذه الاعلانات الدعائية فنيا عما سبقها من اعلانات انتجت في 2006 و2007 أي في عز تصاعد عمليات المقاومة ضد الاحتلال وعندما كان هم الاعلانات الدعائية ليس الترويج لسياسة الاحتلال فحسب بل وبشكل خاص تشويه صورة المقاومة وتقديمها باعتبارها المسؤولة عن الارهاب المستهدف للابرياء. في حينها، تم بث الاعلانات المنتجة في استديوهات لوس انجليس وبميزانية تجاوزت عشرات الملايين وبتقنية فنية عالية تجمع ما بين جمالية اللقطة السينمائية وقوة التأثير المستندة الى كل ما يحبه ويتأثر به العراقي. وكان عنوان مسلسل الاعلانات التي تم بثها في البلاد العربية بشكل واسع هو (كلا للارهاب) وهو ذات العنوان المستخدم من قبل الادارة الامريكية واجهزة التوجيه الاعلامي العسكري ووحدة التوجيه السايكولوجي في البنتاغون والهادف الى تكريس الاحتلال. من بين تلك الاعلانات، كانت اعلانات التفجيرات في الاسواق المزدحمة وتطاير الاشلاء بشكل هوليوودي بطيء، وتلتها مجموعة الاعلانات التي صاحبت فوز الفريق العراقي ببطولة آسيا لكرة القدم وبمشاركة المغنية الشابة شذى حسون، وانتجت الاعلانات شركة متعاقدين في بيروت فضلا عن لوس انجليس ومعظم الاشخاص فيها من كومبارس غير عراقيين تم تجميعهم لقرب ملامحهم من العراقيين. 
والملاحظ ان الاعلانات الدعائية في وسائط الاعلام المختلفة تتماشى مع جدولة العملية السياسية للاحتلال ولا يبخل عليها بالميزانيات الكبيرة لانها الاكثر تاثيرا وقدرة على تبليغ الرسالة الى المشاهد من الشعارات والتصريحات السياسية، وحتى المقالات التي كتبها جنود الاحتلال ونشرت في الصحف العراقية باقلام عراقية مأجورة وبثمن يتراوح ما بين 30 ـ 100 دولار للمقالة.
وتكمن خطورة الاعلان الدعائي التلفزيوني في استناده الى اللقطة السريعة التي يسهل تقبلها من قبل المشاهد فورا وبدون ان يمتلك الوقت لتمحيصها ويساعد الاخراج الجيد على تضمين الرسالة عنصرا جماليا يسهل تقبلها مهما كانت. وقد استخدمت في الاعلانات الدعائية رموز مرتبطة في ذهن المشاهد العراقي بكل ما هو جميل ورائع عن وطنه الذي تربى في احضانه مثل تآخي الناس وتعاونهم وملابسهم المختلفة من العقال والدشداشة وملابس الطبيب وحضور المرأة وضحك الاطفال، فضلا عن استخدام الاناشيد الوطنية والموسيقى التقليدية التي تدخل الروح بلا استئذان وتخاطب كل ماهو عميق ومتجذر في نفس الانسان. فمن منا لم تدمع عيناه وهو يصغي لنشيد موطني مرددا الكلمات العزيزة على قلوبنا منذ الطفولة؟ ومن منا لايتأثر لمرأى خارطة العراق بنهريها، وهي التي تعلمنا رسمها في اول درس للجغرافيا، وبغدادها التي تحتل مكانة القلب فيها؟ 
وقد قامت 'الشرقية'، خلال الشهور الاخيرة، بعرض اعلانات دعائية من نمط جديد تبدو للمشاهد وكأنها تتماشى مع متطلبات العملية السياسية داخل العراق من جهة والعد التنازلي لانتخابات الرئاسة الامريكية وحاجة الادارة الامريكية الماسة الى توقيع الاتفاقية العسكرية بعيدة المدى باسرع وقت ممكن من جهة ثانيا فضلا عن العامل المادي. حيث وقع البنتاغون الامريكي عقدا مع اربع شركات امريكية بقيمة 300 مليون دولار لانتاج مجموعة من الاعلانات الدعائية للبث والنشر في اجهزة الاعلام العراقية والعربية تهدف الى تغيير نظرة العراقيين الى الوجود العسكري الامريكي واظهار (الجوانب الايجابية) لاستمرارية بقاء قوات الاحتلال. وهو العقد الثاني للبنتاغون خاصة مع شركة لنكولن. وتركز الاعلانات الدعائية، التي نشر بعضها في صحف دول الخليج، على ان الوجود العسكري للقوات الامريكية ضروري للدفاع عن العراق ضد الوجود او الغزو او التدخل الايراني. وتبين بعضها خارطة العراق وتحتها رسائل مختلفة تنص حرفيا: ألاتفاقية الامنية كفيلة بطرد قوى الارهاب الايراني وبسط سيادة العراق على كامل ارضه، والاطلاعات تشوه بنود الاتفاقية الامنية لابقاء خنجر ايران المسموم في خاصرة العراق. وهي اعلانات تهدف الى جعل الناس يعتقدون ان العدو الاول هو ايران وليس امريكا وان توقيع اتفاقية العبودية مع امريكا هو الحل الوحيد للخلاص والدفاع ضد ايران. 
واذا ما تفحصنا ثلاثة اعلانات قدمتها قناة الشرقية خلال الشهرين الاخيرين ولا تزال تواصل المزيد منها لوجدنا انها تدعو الى التساؤل في ما يخص طبيعتها وتوقيت بثها على الاقل. 
الاعلان الاول عن مجموعة رجال يجلسون في مقهى بغدادي، يتبادلون الحديث عن مزايا ومثالب استيراد البضائع والمنتجات من ايران، ثم يحدث انفجار يهز المقهى فيتراكض الرجال الى الخارج. وهم وسط لقطة الخراب والموت يسألون رجل الشرطة الواقف عن المسؤول فيقول متعجبا الا تعرفون انها قوات القدس الايرانية؟ هذا الاعلان يحمل رسالة واضحة مباشرة وبلا تدخل فني معقد وهي رسالة خطيرة في فحواها ونتائجها اذ انها تقول بان مسؤولية التفجيرات الحاصلة في العراق تقع على عاتق ايران تماما. وليس هناك ولو لقطة بعشر الثانية تفسح مجالا للشك وامكانية وجود قوات او جهات اخرى مسؤولة عن التفجيرات، مع العلم، ان هناك 140 الفا من قوات الاحتلال و160 ألفا آخرين من المتعاقدين والمرتزقة، بالاضافة الى الميليشيات الطائفية والعرقية العراقية المتناحرة في ما بينها على المال والمنصب والاقاليم والمحافظات. انه اعلان دعائي لا يليق بثه من قبل قناة تلفزيونية تحترم مهنية وحرفية صحافييها حتى ولو قامت بوضع شريط تحته يبين بانه اعلان مدفوع وصادرعن وحدة التوجيه العسكري والاعلامي والنفسي للجهة الفلانية او العلانية، ومهما كان الثمن. 
ثم قامت 'الشرقية' ببث اعلان ثان ايام عيد الفطر وفيه يهنئ جنود الاحتلال، المبتسمون اللطيفون العطوفون، الشعب العراقي بالعيد السعيد، وكانت آخر لقطة في الاعلان الدعائي تمثل خريطة العراق وقد احتلها جندي امريكي ممسك بيد طفل عراقي. فهل هذا المحتل هو والد الطفل؟ أم انه والد الشعب العراقي أو انه يمثل قوات الاحتلال التي ستفتخر بأبوة اجيالنا المقبلة اذا ما توفرت لها فرصة البقاء وفق الاتفاقية العسكرية؟ وهل لـ'الشرقية' التي يفتخر مالكها بانها وطنية ولكل العراقيين بان توضح لنا ما خفي علينا، نحن المشاهدين، عن كيفية تطابق مفهوم الوطنية مع دلالة وجود الجندي الامريكي محتلا لخارطة العراق ولماذا يتم تسويق مثل هذا الاعلان الدعائي بيننا؟ 
وكأن جرح الاعلان الاخير لم يكن كافيا فقامت 'الشرقية' برش الملح على جروح المشاهدين لتقدم اعلانا يقول فيه صوت الراوي: (مرحبا بكم في احضان العراق ايها العراقيون) مما يوحي بانه اعلان للترحيب بعودة المهجرين قسرا الى ديارهم الى ان يتبين من اللقطات التالية بان الاعلان عبارة عن الترويج لمعتقلات الاحتلال وكيف ان فترة الاعتقال السعيدة تهدف الى تعليم العراقي مهنة النجارة و(تقوم هذه المراسيم الرائعة يوميا) حسب الاعلان. ويعود المعتقل العراقي الى احضان وطنه مؤهلا بعد ان يصافحه ضابط المعتقل. كما تظهر اللقطات النساء وهن يتحدثن مع ازواجهن المعتقلين والاطفال يلعبون وكأنهم في رياض صممت خصيصا لإسعادهم. فهل بث اعلان مثل هذا محض سذاجة؟ هل من المعقول ان جهاز 'الشرقية' الاعلامي وفيه عدد من الصحافيين المتمرسين والمهنيين الجيدين لا يعلم بان 70 بالمئة من المعتقلين في معسكرات العدو الامريكي هم من الابرياء وان معظمهم موجود فترة تزيد عن الثلاث سنوات بلا تهمة او محاكمة او حتى امكانية توكيل محام؟ وان زيارة الزوجة المعيلة للاطفال شبه مستحيلة وتشكل مأساة انسانية تفوق الوصف حسب منظمة الصليب الاحمر الدولي؟ 
ان تقديم الاعلانات الدعائية تلفزيونيا يهدف الى ان يتماهى المشاهد معها فلا يعود قادرا على التمييز ما بين المرئي واللامرئي أي ما بين الظاهر والمخفي. فالرسالة الظاهرة في هذه الاعلانات، وهنا مكمن خطورتها، هي ان العنف والاقتتال الذي كلفنا الكثير، على مدى السنوات الخمس الاخيرة، سببه الخلاف بين ابناء الشعب العراقي أنفسهم، والحل هو في ان يتصالحوا. أما الخفي غير المرئي فيها فهو مسؤولية المحتل ومرتزقته وساسة الاحتلال وميليشياته.