Thursday 12 February 2009

شتاء الاحتلال في العراق وافغانستان بشهادات جنوده

12/10/2008
هناك في نفس كل عراقي مهجر، اينما كان، امل بالعودة الى الوطن، حيث تستقر روحه المتشوقة الى بيته واصدقائه وموطن ذاكرته وذكرياته وتاريخه. وحيث تستريح لهفته الى الحياة التي تركها وراءه عندما اجبر على مغادرتها هو وعائلته قسرا. ومعظم المهاجرين الموجودين الآن في البلدان المجاورة في سورية والاردن ومصر ولبنان وتركيا يعيشون في ذلك الفراغ الكائن ما بين البيت والخيمة، ما بين الحياة والموت، ما بين الامل بيوم افضل واحزان الواقع المرير.
انهم، يعيشون فترة انتظار ظهور بارقة امل، ليحزموا حقائبهم ويعودوا الى بيوتهم، الى شمسهم وكرامتهم باسرع وقت ممكن، ليضعوا حدا لمناحة القلب وذبول العقل. واعرف عددا من المهجرين العازفين حتى عن ترتيب ملابسهم في خزانات الملابس، في بلدان الهجرة، خشية ان يراودهم الاحساس بديمومة البقاء على ارض غريبة وتغويهم طول فترة الهجرة عن العودة. فاذا كانت احاسيس العراقيين بهذا الشكل، لماذا، اذن، لا يرغب المهجرون في سورية بالعودة الى وطنهم على الرغم من الرحلات المجانية والمنح المالية التي اعلنت عنها حكومة المنطقة الخضراء؟ لماذا لم يتقدم أحد من المهجرين المقيمين في سورية الى السفارة العراقية في دمشق، بعد مرورايام، على عرض السفارة تنظيم رحلات مجانية لإعادتهم إلى العراق؟
يقول المهجرون جوابا بانهم لا يثقون بالحكومة الحالية ويفضلون البقاء كما هم او اللجوء الى اي بلد كان بدلا من العودة الى العراق وهذا لاينقص من وطنيتهم وحبهم وشوقهم لوطنهم. وهو رد واضح وبسيط على المناورات وحملات التضليل الاعلامية التي تشنها حكومة الاحتلال لخداع المواطنين سواء كانوا في داخل العراق ام خارجه فضلا عن رغبتها في تحسين وجهها الكالح امام الرأي العام العالمي. وآخر الحملات منصبة على الايحاء بان الوضع الدامي الذي خلقه الاحتلال هو وضع يوفر للمواطن الامان وللبلد الازدهار وهو وطن حر شعبه سعيد، اذا ما استعرنا شعار الحزب الشيوعي قبل ان يصيبه فايروس الليبرالية الجديدة للاحتلال.
فالى اين يعود المهجر وهو الذي حمل حياته بين كفيه وهرب؟ الى بيته الذي لم يعد بيتا والذي احتله آخرون ويا ويله ان طالب بحقه ام الى منطقته المسيجة بجدران ارتفاعها ثلاثة امتار ونصف ولا يستطيع الدخول اليها او الخروج منها الا عبر نقاط تفتيش وكلاب حراسة وهويات وبصمات اصابع وقزحية العين؟ هل يعود الى اهانات قوات الاحتلال ومداهمتها البيوت مع قوات الشرطة والميليشيات واعتقاله بلا تهمة لينام في المعتقلات السرية والعلنية بلا قانون يحميه؟ او لعله يعود مع أطفاله ومن يعيلهم من كبار السن الى بلد بلا تعليم حقيقي ومستشفيات بلا دواء ومياه تختلط بمياه المجاري والامراض؟ هل يعود الى سرطان القصف باليورانيوم المنضب واماكن الاشعاع التي لا يريد احد الاعتراف بوجودها او وباء الكوليرا المستشري حاليا من مدينة الى اخرى؟ هل يعود الى البطالة والرشوة والفساد الاخلاقي والمادي والاداري؟ هل من المفروض ان يصبح رقما تستفيد منه حكومة الاحتلال في تحقيق الانجازات الوهمية بعد ان انتفخت بطنها قيحا وفسادا الى حد الانفجار؟ ان اجوبة المهجرين الرافضين للعودة هي افضل تلخيص لواقع الرعب والتمزق الذي خلقته حكومة الاحتلال والذي حقق نجاحا باهرا في تطبيق سياسة المحتل الامريكي، كما فعل في فيتنام، في تهجير المواطنين وعزل المناطق السكنية حسب الطائفة والعرق، وبقوة سلاح وهمجية العدو الامريكي وميليشيات الطوائف والاعراق. ومن يتابع تصريحات قادة العدو وقواته، وخاصة من الجنود الذين رفضوا العودة للقتال في العراق وافغانستان، يجد انها الجواب الافضل على ادعاءات ساسة العراق المحتل بانهم بناة العراق الجديد وان من يعيق عملية البناء والتطور الديمقراطي هم الارهاب العالمي والقاعدة و(المتمردون والعصاة)، حسب تعبيراتهم المستنسخة من سيدهم الانكلو امريكي الصهيوني، والجاهزة ابدا لتشويه صورة كل من يقاوم المحتل سلاحا أو كتابة أو فنا أو من خلال نشاطات المجتمع الاهلي او تنظيمات المجتمع المدني المستقلة. 
وكلنا يتذكر كيف ركز تضليل العدو الاعلامي، قبل عامين، على عمليات مقاومة الشعب الباسلة، ليخلط الاوراق ويقدمها باعتبارها هي المسؤولة عن قتل الاطفال، تفجيرا، في مختلف اجاء العراق بينما صور نفسه وعملاءه باعتبارهم حماة الطفولة والحياة. عن هذه الحملة الاعلامية المضللة التي صرف عليها ملايين الدولارات، عبر اجهزة الاعلام العراقية والعربية المختلفة، يخبرنا جندي المشاة سكوت أوين الذي قدم شهادته مع آخرين من الجنود المناوئين للحرب وفي حدث اطلق عليه اسم Winter Soldier جندي الشتاء على غرار شهادات الجنود المشاركين في حرب فيتنام، وقد تمت طباعة ونشر الشهادات في كتاب يحمل الاسم ذاته، يخبرنا أوين وهو الذي خدم ضمن قوات الاحتلال لمدة عام بين آذار (مارس) 2005 الى آذار (مارس) 2006 في مدينة تلعفر الواقعة غرب الموصل كيف ان القوات الامريكية نجحت وبمساعدة القوات العراقية على اجبار السكان على النزوح ومن ثم تقسيم المدينة بين السنة والشيعة. كما يتطرق الى استخدام اجنحة من المستشفى الرئيسي العام للمدينة الى مقر للقوات الامريكية ليوفروا لانفسهم الحماية ضد هجوم المقاومة الى ان اخبرهم احد المسؤولين في الفرقة بان سلوكهم يتنافى مع قوانين جنيف. ويقدم أوين صورة تفصيلية عن كيفية استخدام الاطفال كدروع بشرية لحماية الجنود ودرعاتهم ودباباتهم اذ يتم استدراج الاطفال الابرياء عن طريق توزيع الحلوى او اللعب الرخيصة فيسرعون للالتفاف حول الجنود والمدرعات اثناء تقدمها في الشوارع الخطرة والتي يعتقدون بانها مزروعة بالالغام او قد يتعرضون فيها لمهاجمة المقاومة. 
وعن حملة مداهمات البيوت واهانة السكان واعتقال المواطنين بحثا عن 'عناصر القاعدة والارهابيين' واسلحتهم الفتاكة، يوضح أوين مستخدما الصور التي التقطها بنفسه بانهم وخلال حملات التفتيش المكثفة لم يعثروا على اي شيء يثبت وجود القاعدة وكل ما تم تجميعه من قبلهم هو عدد من السكاكين التي تستخدم للطبخ ومناشير نجارة. وقد حاول قائد الفرقة اقناع الجنود بجدوى ما قاموا به من تخريب للبيوت لمجرد العثور على سكاكين المطبخ ومناشير النجارة قائلا بان وجود هذه (المعدات) يشير حتما الى انخراط اصحابها بعمليات مشبوهة!
ويشير الجندي جفري سميث في شهادته كيف انه توجه وعدد آخر من الجنود لمداهمة بيت احد المواطنين لانه بعثي فوجدوا امرأة مسنة في حديقة البيت ارتعبت عندما رأتهم وبدأت الصراخ فضربها باخمص سلاحه فوقعت على الارض وقام جندي آخر بتقييد يديها بينما توجه البقية الى داخل البيت الفارغ وحطموا كل شيء فيه ليدركوا فيما بعد بانهم داهموا البيت الخطأ! 
هذه شهادات شخصية تفضح وحشية المحتل بتفاصيل توجع القلب كما انها وبشكل غير مباشر تفضح انواع التضليل الاعلامي الذي يغلف المحتل وعملاءه من العراقيين افعالهم وسياساتهم وجرائمهم البشعة بها. وفي غياب الاصوات الصحافية الحرة المستقلة وتكريس الملايين من الدولارات لاستئجار القنوات الفضائية العراقية والعربية وكافة اجهزة الاعلام الاخرى، ونتيجة اعتماد اجهزة الاعلام أما غباء او سذاجة او سياسة منظمة، على مصدرين كاذبين هما قوات الاحتلال والمتعاونين معه يصبح من السهل جدا على شخص مثل الجنرال جيفري هامند قائد ما يسمى بالفرقة المتعددة الجنسيات في بغداد ان يظهر قوات الاحتلال بموقف الحريص على العراق وشعبه وان يعزو اسباب الخراب والقتل والتدمير الى افراد (تنظيم القاعدة الذين أخذوا على انفسهم عهدا بالاعتداء على المواطنين العراقيين ... ولكننا مع ذلك سنبقى متأهبين لهم. منبها إلى ضرورة اهتمام الحكومة العراقية بملف الخدمات لمنع تنظيم القاعدة من استثمار تراجعها لتحسين وضعه) على حد تعبيره.
أن إعترافات الاحتلال على ألسنة جنرالاتهم، ومنهم بترايوس نفسه، ووزرائهم ومنهم غيتس ورايس، تتزايد بأن نصرهم غير ممكن في العراق أو في أفغانستان، في تهيئة نفسية لشعوبهم لتغيير قادم في سياساتهم. وهي تغييرات حتميه تدفع بها، الى جانب الهزيمة العسكرية، الكارثة الاقتصادية التي تمر بها الرأسمالية العالمية، وإنهيار الإمبراطورية الأمريكية وإضطرارها للتراجع والقبول بصفقات محلية وإقليمية كانت قد رفضتها، وان كانت مغلفة لإتفاقات ما. لكن القصور الذاتي لماكنة إعلامهم ومقاولاتها العراقية والعالمية، وعملائهم المحليين بفسادهم المريع، يجعل هؤلاء مستمرين في ما دفعت لهم الأموال لقوله وفعله، بدون الالتفات الى وقوفهم في مستنقع آسن ساهموا في حفره وان ايامهم لم تعد مضمونة كما كانوا يتوقعون.