Sunday 22 February 2009

مسخرة حرية القضاء العراقي والآتي أعظم

15/12/2008
كلما نفكر بان ساسة المحاصصات في العراق المحتل قد وصلوا القاع في اكاذيبهم وعبوديتهم نجدهم يفاجئوننا بالانحدار اكثر. فالاتفاقية الامنية بعيدة المدى، كما عمدتها قوات الاحتلال وتصر على تسميتها بدون ان تنشر تفاصيلها باللغة الانكليزية، صارت تسمى اتفاقية انسحاب القوات. وعار توقيع اتفاقية العبودية لشرعنة الاحتلال وتمديده الى أبد الآبدين، صار هامشيا لينصب الحديث عن (نقص) في الاتفاقية من الممكن تصليحه اذا ما ارتبط بوثيقة الاصلاح، التي استعار لها نائب برلمان الاحتلال سليم الجبوري مفردات طالما تشدق بها سيده المحتل ليصفها بانها ( وثيقة ترسم خارطة طريق لمستقبل العراق وسد النقص في الإتفاقية)، بينما ينبري آخر بالحديث عن فوائد الاستفتاء على الاتفاقية بعد توقيعها وبعد خراب البصرة. 
ويواصل طارق الهاشمي، الامين العام للحزب الطائفي الاسلامي، التشبث بكرسيه المبني على التلاعب بمآسي الضحايا الابرياء، مزايدا بقضية المعتقلين حيث اعلن منذ ايام وكواحد من (انجازاته القيادية) العمل على اطلاق سراح ثلاثة من الإخوة المعتقلين الذين اعتقلتهم القوات الأمريكية الأسبوع الماضي خلال الاعتداء الذي شنته على قرية البوعلوان في مدينة الفلوجة. 
واستقبل الهاشمي الاخوة وهنأهم على اطلاق سراحهم مؤكدا أن جهود إخوانهم في الحزب ستتواصل وتستمر لإطلاق سراح الأخوين الباقيين خلال الأيام القليلة القادمة.
ثم التقط معهم الصور الدعائية لتوضع على موقعه وموقع حزبه الالكتروني متعاميا، وهو الذي وقع على اتفاقية العبودية والذل، بان الاخوة ما كانوا سيعتقلون اساسا من قبل قوات الاحتلال لولا جهوده هو وحزبه الطائفي على تمديد بقاء هذه القوات وشرعنة جرائمهم وايجاد كل السبل والصيغ لتبرير افعالهم. فعلى من يكذب الهاشمي وحزبه حين يدعي واعضاء حزبه بانهم انما يساهمون في رفع المظالم عن الناس وبناء دولة القانون؟
ويزداد انزلاق الهاشمي الى اسفل قاع الكذب سرعة حين يتفوه امام ضحايا الاحتلال الوحشي: (نحن اخترنا السلام وللسلام كلفة وثمن)، مساهما كما يفعل سيده المحتل في تشويه فكرة السلام ومفهوم الاسلام معا. وكأن الاسلام حسب تعريف حزبه هو الطائفية ومحاصصاتها البغيضة والخنوع تحت حذاء المحتل، وكأن السلام هو القبول بعبودية الاحتلال والمداهمات العشوائية والقصف الجماعي والاعتقال والتعذيب والاغتصاب وقتل الاهل وسرقة المال العام والخاص. كل ذلك يتم تحت مظلة يحتمي بها الهاشمي وامثاله من ساسة الاحتلال، وجهها الديمقراطية وباطنها قتل ابناء الشعب، شركاء في الجريمة بدرجات تتراوح ما بين الصمت والتعامي واستغلال محنة المواطنين. 
وقد اتقن ساسة الاحتلال، في السنوات الاخيرة، فتح افواههم على سعتها
لاطلاق فقاعات الكذب بشكل تصريحات وبيانات سياسية وصحافية بعد ان تبين لهم، وهم كالقرود في حديقة حيوانات المنطقة الخضراء، بان تقليد السيد مهم وضروري ليوفر لهم حماية انفسهم ومصالحهم، وان الكذب على الشعوب باسم السلام والتسامح والديمقراطية وحتى ارتكاب ابشع الجرائم عملة شائعة تمر مرور الكرام في غياب الدولة والقانون والمساءلة والعقاب. ويتوالى تصاعد فقاعات الكذب وعددها حسب جدولة ما تسمى بالعملية السياسية. وقد تم، في الاسابيع الماضية، اطلاق عدد كبير منها من قبل الموقعين على الاتفاقية الامنية لاظهارها بمظهر الحل الوحيد الذي سينهي الاحتلال ويضع حدا لجرائمه ووحشيته ويعيد السيادة الى العراق. وكم سمعنا وشاهدنا، رجالا ونساء، تتلطخ ملامح وجوههم برذاذ اللعاب وهم يتشدقون بمنافعها ومحاسنها حتى باتت، في نظر البعض، انتصارا لا مثيل له. متناسين في نشوة (النصر) ان عقود خدمة المستعمر قصيرة وان المستعمر لا يحمل من الوفاء ذرة لعملائه. وان تغير اتجاه رياح المصالح هو المحك. ودروس التاريخ كثيرة. وابسط مثال على أكاذيب ساسة الاحتلال بصدد الاتفاقية وامكانية تغييرها اسلوب التعامل مع المحتل ومنها اصرارهم على (استقلال القضاء العراقي) ما حدث منذ ايام. اذ قال متحدث باسم جيش الاحتلال، يوم 9 كانون الاول/ ديسمبر ان القوات الامريكية في العراق ليست ملزمة باطاعة حكم قضائي عراقي بالافراج عن مصور يعمل بالقطعة لصالح وكالة رويترز للانباء وانها ستستمر في احتجازه لحين النظر في أمره عام 2009. وكانت المحكمة الجنائية المركزية العراقية قد اصدرت قرارا في 30 تشرين الثاني ببراءة الصحافي ابراهيم جسام محمد و(أمرت) الجيش الامريكي بالافراج عنه من سجن كامب كروبر قرب مطار بغداد المحتجز به منذ ثلاثة شهور. وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال المختص بشؤون المحتجزين بالعراق (على الرغم من تقديرنا لقرار المحكمة الجنائية المركزية العراقية في قضية جسام فان قرارها لا يلغي المعلومات المخابراتية التي تصنفه حاليا على أنه مصدر خطر على الامن والاستقرار في العراق). فأية مسخرة هذه واي استصغار للعملاء الذين نفخوا انفسهم كما الضفدعة في قصص الاطفال حتى شارفوا على الانفجار؟ ولم نسمع ولم نر أيا من مطلقي الفقاعات، يحتج على عدم التزام الجيش الامريكي بقرار المحكمة الجنائية بل سكتوا وهم يبتلعون فقاعاتهم ليبينوا بوضوح الطريقة التي سيتعاملون بها مع بنود الاتفاقية الامنية مستقبلا وهي الحافلة بألغام التلاعب اللغوي الخاضعة للتفسيرات والتأويلات والبنود المضللة. والمضحك المبكي ان يتضمن تصريح المحكمة بانها طالما استفسرت المرة تلو المرة عن الادلة المثبتة للتهمة الصحافي الا ان القوات الامريكية رفضت التعاون مصرة على انها هي التي ستحدد توقيت اطلاق السراح وبالكيفية التي تراها. 
ان عدم اطلاق سراح الصحافي ابراهيم جسام محمد المتهم بالارهاب لمجرد كونه صحافيا يحاول اداء عمله النبيل في ظروف قاسية، وهو واحد من مئات الصحافيين العراقيين الذين تعرضوا للاعتقال والقتل منذ احتلال العراق في 2003، يدل وبوضوح على ان الاصوات الحرة الكريمة لن يسمح لها بالعمل بل والبقاء في العراق وان كل مواطن عراقي لن يتمكن من التنفس بحرية مادام العراق محتلا وتتناوب على حكمه جوقات براغماتية (السلام) وتقاطع المصالح. ولن يذوق ابناء الشعب طعم الحرية مادام القضاء يصدر قرارات الحكم بالاعدام بالجملة ويتم تنفيذ الاحكام فورا بحق كل شخص يلقى القبض عليه ويتهم ( بالارهاب) بينما لايتم تنفيذ اي من قراراته مادامت تتعلق بصلاحيات قوات الاحتلال وحصانتها.
ومثل مسخرة القضاء العراقي، يتم في بلادنا تطبيق مفهوم للديمقراطية يختلف تماما عما يطبق في البلدان الغربية وتقوم الحكومات الغربية ذاتها بترويجه في بلادنا. ومثال ذلك النقل التلفزيوني الحي للتصويت على الاتفاقية الامنية. 
ان كل ما حققه اداء طقس التصويت على الاتفاقية، الذي تم تقديمه على خشبة مسرح البرلمان في المنطقة الخضراء، هو انه اتاح للمواطنين ان يروا بانفسهم انزلاق المتعاونين مع الاحتلال الى الانحطاط بلا قاع. ورأوا كيف رفع مرتدو ازياء المحاصصة الطائفية والعرقية والليبراليون الجدد من شيوعيين وحفنة من عجائز تدلت اجسادهم في قبورهم، ايديهم عاليا خشية ان تفوتهم فرصة اظهار الولاء.