Sunday 22 February 2009

أكذوبة حرية الرأي في اقليم كردستان

22/12/2008
غالبا ما يصرح ساسة اقليم كردستان، وكلهم تقريبا ينتمون اما الى الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني او الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة جلال الطالباني، بان حرية الصحافة في اقليم كردستان هي النموذج (الديمقراطي) الذي يجب ان يحتذى في ارجاء العراق والشرق الاوسط كله. وقد صرح رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان، نيجيرفان برزاني، في عام 2007 في نشرة دعائية مطبوعة على ورق مصقول وملحقة بمجلة 'فورين أفيرز'، بأن الذي يحدث في إقليم كردستان هو (الديمقراطية وحرية التعبير والتنمية الاقتصادية) . فهل هذا ما يجري حقا؟ 
اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار واقع الاقليم المقسم حكومة ومالا وبيشمركة بين عشيرة البارزاني وعائلة الطالباني، لوجدنا ان اجهزة الاعلام وبضمنها الصحافة تعيش ذات الواقع المهيمن عليه من قبل العائلتين ومؤسساتهما وشركاتهما الاخطبوطية المسيطرة على المال والاعمال والسياسة ، المتميزة جميعا بالفساد المستشري. وقد نشرت صحيفة 'فاينانشال تايمز البريطانية'، اخيرا، تقريرا مفصلا عن موضوع الفساد وكيف ان العائلتين (تسيطران إلى حد كبير على المال والأعمال والسياسة في المنطقة، وتوفران معاملة تفضيلية لأقاربهما وحلفائهما) وان ( استشراء الفساد في اقليم كردستان ادى الى انعدام الثقة بين المواطنين والمسؤولين في حكومة الاقليم).
وقد حاول عدد من الصحافيين الكرد المستقلين الكتابة عن الاوضاع المتردية وتحليل اسباب سوء الخدمات وانعدامها مثل الماء والكهرباء والصحة والتعليم وغلاء الاسعار على الرغم من ان الاقليم لا يعاني، مثل بقية ارجاء العراق، من سوء الاوضاع الامنية، وهي الحجة التي يستخدمها سياسيو الاحتلال في بقية المحافظات عند مجابهتهم بانعدام الخدمات. فكانت النتيجة تعرض الصحافيين الى الاعتقال والتعذيب من قبل قوات الامن الكردية (الأسايش) والاحالة الى المحاكم واصدار الاحكام بالسجن من قبل قضاة، تم تعيينهم من قبل حكومة الحزبين، مما اجبر البعض على ترك المهنة تاركين الساحة لصحافة الحزبين الممولة بسخاء والمغردة بحمدهما ورعايتهما. وقد دفع تدهور احوال الصحافيين المتزايد لجنة حماية الصحافيين الدولية الى اصدار تقرير خاص بتاريخ 5 ايار (مايو) 2008 وثقت فيه حوادث الاعتداء والاضطهاد والاعتقال. ومن بينها، اختطاف الصحافي ناصر عبد الرحيم رشيد، كاتب المقالات في موقع الانترنت (كردستانبوست)، وهو موقع إخباري مشهور ناطق باللغة الكردية، بعد ان كتب عن النظام السياسي وممارسات المسؤولين السياسيين (قليلي الذمة) داعيا الى محاكمة بيشمركة سابقين (لنهبهم ثروات الناس وممتلكاتهم). فبينما كان رشيد يتمشى في السوق في مدينة حلبجة، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أجبره أربعة رجال مسلحين يرتدون الزي العسكري على ركوب سيارة شحن كانت في الانتظار وقاموا بتكبيل يديه ورجليه ووضعوا كيسا على رأسه. ثم قام الأربعة بإخراجه من السيارة، بعد ساعات، وسددوا له اللكمات والركلات وهددوه بالسلاح لحمله على التوقف عن العمل وإلا سيواجه الموت. كما تعرض الصحافي ناباز غورين للاختطاف والاعتداء بطريقة مماثلة لانه كتب مقالا استهزأ فيه من مواكب السيارات الرسمية الطويلة لرئيس الوزراء نيجيرفان برزاني. وأعرب المصور التلفزيوني أزو جمال مختار عن اعتقاده بأن الحكومة قد دبرت الانتقام منه حين استهدفه مهاجمون في السليمانية في أيار (مايو) 2007، بعد ان كتب عن المظاهرات ضد الحكومة عام 2006 في مدينة حلبجة. وكانت الحالة الاسوأ والاشهر بين حالات الاعتقال هي تلك التي حدثت في كانون الثاني (يناير) 2006 حين تم الحكم بالسجن 30 عاما على الكاتب الكردي - النمساوي كمال سيد قادر بتهمة 'تعريض الامن الوطني للخطر' بعد ان نشر على الانترنت مقالا انتقد فيه مسعود البرزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني.
واعتقلت الاسايش الصحافي أحمد ميرا بتهمة (تعكير صفو الأمن القومي) بعد أن نشرت مجلته قصة تتناول الوضع الصحي لجلال الطالباني والصراع على السلطة الذي يمكن أن يحدث ضمن صفوف الاتحاد الوطني الكردستاني في سياق خلافته. ولم تسلم الصحافيات من الاعتقال والتهديد. حيث اعتقلت مستورة محمود البالغة من العمر 25 سنة وتعمل صحافية لدى صحيفة 'ريوان' الأسبوعية النسائية. اذ كتبت تقريرا ، في 16 اذار (مارس) في ذكرى الهجوم بالغازات السامة على مدينة حلبجة عن المظاهرات ضد السلطة المحلية والتقت فتاة تتظاهر في حلبجة ونقلت نص كلامها وهي تقول (ان قوات الأمن في المدينة يتصرفون تماما بنفس الطريقة التي كان يتصرف بها أعضاء حزب البعث بقيادة صدام) فتم استدعاؤها من قبل أمن حلبجة في 2 ايار (مايو) حيث تم القبض عليها ثم الإفراج عنها بكفالة لحين تقديمها الى المحاكمة. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، اعتقل عملاء قوات آسايش فيصل غزالة مراسل تلفزيون 'كردسات' في الموصل، حيث تعرض للضرب المبرح بالهراوات واتهم بأنه تعاون مع الإرهابيين بتصويره لهجماتهم. وأدى اعتقال هاوز هاوزي الكاتب لدى صحيفة 'هاولاتي' مرتين في عام 2006 الى فراره إلى سورية خوفا على حياته. واعتقلت الأسايش الكاتب جوني خوشابا يوم 17 شباط (فبراير) 2008 وتم اطلاق سراحه بعد ان وقع تعهدا (بعدم الاساءة مرة أخرى لحكومة الإقليم ورجالاتها).
وتعتبر طريقة الترويع والارهاب هذه واحدة من عدة يمارسها رجال الأسايش ومخابرات الحزبين ومسؤولي الحزبين ازاء تصاعد الاصوات الغاضبة على الفساد الاداري والمالي ومحسوبية الحزبين ومع تزايد الكتابة عن الفساد وفضح المسؤولين، خاصة، على مواقع الانترنت. وقد وفرت مواقع الانترنت للصحافيين حرية التعبير التي حرموا منها في الصحافة واجهزة الاعلام المرئية خصوصا بعد ان اصبحت ملكية هذه الاجهزة محصورة بكبار المسؤولين ومن بينهم السيدة هيرو ابراهيم احمد زوجة جلال طالباني. ويعتبر اسلوب فرض الغرامات المليونية واحدا من الاساليب لاسكات اصوات الصحافيين المستقلين. وأظهر تحقيق قامت به لجنة حماية الصحافيين أن أشد الهجمات قد استهدفت أولئك الذين ينتقدون في كتاباتهم مسعود برزاني وجلال الطالباني ومسؤولين آخرين (رفيعي المستوى).
فقد قام الطالباني، بنفسه، في 29 كانون الثاني (يناير) 2008، برفع شكوى ضد صحيفة 'هولاتي' متهما اياها بالتشهيروتلويث السمعة لنشرها مقالا مترجما كتبه الامريكي مايكل روبن، ونشر في امريكا، وجاء فيه (ان ثروات البرزاني والطالباني على التوالي تربو على مليارين و 400 مليون دولار امريكي).
وعلى خطى (الرئيس) الطالباني يسير افراد عائلته الممتدة. حيث قام نسيبه هالو ابراهيم احمد وأحد مسؤولي حزبه الذي انشق ، اخيرا، ليؤسس حزبه الخاص، بكتابة رسالة الى الصحافي ناباز كوران في 28-2-2008 مهددا: (ساقتلك ياكوران حتى لو بقي يوم واحد من عمري)، لا لشيء غير كتابة كوران مقالة انتقد فيها قلة الكهرباء في الشمال. وجاء في المقالة انه لاحظ ان قبر ابراهيم احمد، والد زوجة الطالباني وهالو، الذي بني بشكل مزار في نواحي السليمانية لا تنقطع عنه الكهرباء على مدار اليوم. 
وتتجاوز حملة ارهاب الكتاب والصحافيين وقمع حرية الرأي من قبل المسؤولين الحزبيين او الموالين لهم الصحافة العراقية الى الصحافة العربية المستقلة خارج حدود العراق المحتل. حيث قام فخري كريم (كبير مستشاري الطالباني) برفع دعوى تشهير ضد الكاتب سماح أدريس، رئيس تحرير مجلة الآداب اللبنانية العريقة، لانه كتب افتتاحية قام فيها باداء دوره الطبيعي كمثقف ناقد لكابوس الاحتلال الجاثم على صدور العراقيين خلافا لكل تطبيلات جوقة (التحرير والديمقراطية) وبضمنها الطالباني ومروجو ثقافة الخنوع للاحتلال. 
ولاضفاء الصبغة القانونية على ارهاب السلطة، دفع برلمان حكومة الإقليم ، خلال السنة الماضية، باتجاه وضع تشريعات أقسى من قوانين النظام السابق تتضمن عقوبات شديدة من بينها فرض غرامات كبيرة تفلس الصحف وتسمح للحكومة بإغلاق الصحف بحجج واهية وبلغة فضفاضة تتيح للقضاة الموالين للحزبين اخضاع القانون للتفسيرات كل على هواه، فيتم اصدار القرارات المجحفة بحجج تعكير صفو الأمن و (بث الخوف) أو (تشجيع الإرهاب) أو حتى اساءة السمعة. ففي شهر أيار (مايو) 2008، على سبيل المثال، رفعت شرطة اربيل قضية قانونية ضد جريدة هولاتي بسبب مقال حول القاء القبض على مجموعة كانت تمثل فلما اباحيا. فتم توقيف ناباز كوران، مدير الجريدة في المحافظة، لنشره قصة (غير حقيقية تسيء الى سمعة المدينة). وحكم على اثنين من الصحافيين، بالسجن لمدة ستة أشهر ودفع غرامة لنشرهما مقالا جاء فيه أن عمر فتاح، رئيس الحكومة الكردية الإقليمية، أمر بطرد موظفين يعملان في شركة التليفونات بعد أن قطعا خط التليفون الخاص به بسبب امتناعه عن دفع الفاتورة. ولايحق لاحد ، بطبيعة الحال، ذكر جرائم الاحتلال لان ذلك سيعرض الصحافي للسجن تحت قانون مكافحة الارهاب وبمختلف الذرائع. لقد اثبتت سنوات حكم الحزبين الكرديين أو عشيرة البارزاني وعائلة الطالباني، والذي بدأ فعليا بعد إعلان نظاميهما ملاذا محميا من الولايات المتحدة وبريطانيا عام 1991، أي قبل 17 سنة، بأن ادعاءهما (الديمقراطية وحرية التعبير والتنمية الاقتصادية) ما هو الا كذبة صقلتها شركات دعاية الاحتلال الامريكي وان معناها الحقيقي على ارض الواقع، باعتراف منظمات رصد الحريات وحماية الصحافيين وشهادات الصحافيين الكرد، هو الطغيان وتكميم الافواه الناقدة المستقلة واستشراء الفساد. وهو النموذج الذي يجب على الشعب العراقي تجنبه، مستقبلا، عند بناء اجهزة الاعلام المستقلة.