Saturday 20 June 2009

حقوق الانسان والاعدامات الجماعية في العراق المحتل

20/06/2009
لا يمر يوم لا تنكشف فيه فضيحة اعتقال او تعذيب جديدة في العراق 'الديمقراطي الجديد'. واذا ما أضفنا الى ذلك ما بات حقيقة يومية كانتهاكات الاعراض والاعتداءات الجسدية واغتصاب الرجال والنساء والاطفال بلا تمييز (لعل هذا هو مفهوم الديمقراطية في العراق الجديد!)، لأصبح عار الاحتلال أمرا واقعا يمس حياة المواطنين، جميعا بلا استثناء، وابعد ما يكون عن صفة العشوائية المرتبطة، عادة بفعل جهة ما دون غيرها، في فترات الحروب والنزاعات. انها، كما تثبت تقارير المنظمات الحقوقية العراقية المستقلة والمنظمات الانسانية العالمية، افعالا منهجية منظمة تستهدف كرامة الانسان العراقي تحديدا، لاختزال وجوده الى كتلة لحمية مسلوبة الارادة والقدرة على التفكير. وهي، بالتالي، افعال تستهدف كرامة الأمة بكاملها، يتعاون على تنفيذها وممارستها عملاء المستعمر فضلا عن المستعمر الانكلو امريكي نفسه، بل ويحاول عملاء المستعمر ان يتفوقوا على المستعمر في ممارساته الوحشية، وكأنهم في سباق ليثبتوا لأنفسهم ولاسيادهم بأنهم لا يقلون عنهم قدرة وكفاءة على ادارة شؤون البلاد ارهابا وتعذيبا وقتلا. وهذا ما قامت به حكومات الاحتلال المتعاقبة برئاسة العلماني اياد علاوي والاسلامي الطائفي الجعفري وما تستمر به حكومة الاسلامي الطائفي نوري المالكي وهو يرتدي ربطة عنق 'الوطنية'.
ان حملات اعتقال المواطنين باعداد تقارب المئة يوميا ومعاملتهم، بأساليب مهينة، منذ لحظة مداهمة بيوتهم في 'غارات الفجر' وحتى ابقائهم في المعتقلات لمدة سنوات احيانا، سواء من قبل قوات الاحتلال لوحدها او الشرطة والمخابرات العراقية لوحدها او المشتركة من قبل الجهتين المتعاونتين، هو فعل همجي لا اخلاقي وغير قانوني لا يمكن مقارنته الا بما يقوم به الكيان الصهيوني من جرائم ضد ابناء وبنات الشعب الفلسطيني.
وفي الوقت الذي يفترض به ان تقوم الحكومة بحماية حقوق المواطنين، خاصة وهي 'المنتخبة ديمقراطيا'، تواصل حكومة الاحتلال الحالية، على خطى ما سبقها، استخدام مفهوم حقوق الانسان بطريقة انتقائية تتلاءم مع تشرذم الاحزاب الطائفية والعرقية المشاركة في عملية الاحتلال السياسية. حيث يستخدم كل حزب أو فئة مفهوم حقوق الانسان، بعد تفريغه من محتواه الانساني النبيل، كأداة للدعاية السياسية والخطب الرنانة الجوفاء، ليدوسوا بذلك على بطون الناس المظلومين ويصبوا الملح على جراحهم النازفة. كما استحدث كل سياسي ومسؤول في حكومات الاحتلال تعريفه الخاص الاحتلال بحقوق الانسان.
فها هو 'الرئيس' جلال الطالباني يوحي في تعليقه على فضيحة التعذيب الهمجي للمعتقلين العراقيين، على ايدي قوات الاحتلال الامريكية، في معتقل ابو غريب، بأن هناك درجات تعذيب مختلفة، وان التعذيب مألوف في العراق. واستمعنا الى نرمين عثمان، وزيرة شؤون المرأة العراقية، وهي تقدم مفهومها الانتقائي عن حقوق الانسان في رد لها بتاريخ 15 كانون الاول (يناير) 2004، على سؤال حول وجود نساء عراقيات معتقلات ويواجهن التعذيب والاغتصاب، فقالت: 'لا توجد عراقية واحدة معارضة داخل السجون العراقية وأتحدى من يثبت عكس ذلك. هذه الحكومة تحترم حقوق الإنسان ... أن من يتم وصفهم بمقاومين إنما هم إرهابيون وليس لديهم أي حقوق عندنا على الإطلاق'. ولم توضح لنا من الذي يحدد من هو الارهابي وكيف وتحت اية سلطة قضائية أو حكومية في وقت تفتتت فيه الدولة وازدهرت فيه الميليشيات؟
ويستخدم الحزب الاسلامي بقيادة (سيادة السيد نائب رئيس الجمهورية) طارق الهاشمي حقوق الانسان ومأساة المعتقلين كورقة سياسية، خاصة، في الفترات السابقة للانتخابات حيث غالبا ما يتم تصوير زيارات الهاشمي الى المعتقلات لغرض الترويج الدعائي ويطلق هو ونواب الحزب في 'البرلمان' الوعود بسخاء شديد لذوي المعتقلين الذين، لفرط يأسهم، باتوا مستعدين للتشبث باي وعد لانقاذ أحبتهم من غياهب المعتقلات السرية المتوزعة ما بين وزارات الداخلية والعدل والدفاع والمعتقلات العلنية المتناثرة في طول البلاد وعرضها. بانه يستغل آلام الناس وحاجتهم الى الامل كسلعة للمقايضة في سوق المحاصصة الطائفية والمزايدات السياسية.
وقد استمعنا، منذ ايام، الى اصوات جديدة تدخل حلبة المزايدة بمأساة المعتقلين. فالمعروف ان معظم 'نواب البرلمان' المفترض فيهم تمثيل ابناء الشعب، جميعا، بلا استثناء، لم يحدث ونطقوا بكلمة واحدة ازاء وجود المعتقلين، نساء ورجالا واطفالا، وتعذيبهم أو اعدامهم، خلال الست سنوات الماضية، في ابو غريب وبقية السجون التي يزيد عددها على الاربعمائة، بحجة ان المعتقلين اما ' ارهابيون' او ' بعثيون صداميون' أو 'من القاعدة'، وهي تهم جاهزة، غالبا ما تستخدم لاغراض انتقامية أو مقابل الحصول على مبلغ من المال، حيث يكافأ المخبر السري بثلاث ورقات ( 300 دولار امريكي) لكل شخص يبلغ عنه. وفي ظل غياب الدولة والقانون واستشراء الفساد، من السهل ان يدعي اي مسؤول او عضو في ميليشيا تمثيل القانون. الصوت الجديد الذي اصغينا اليه هو ' النائب' فلاح شنشل من الكتلة الصدرية. اذ القى كلمة مؤثرة تحدث فيها عن ورود شكوى من عوائل معتقلين وعددهم (11) بأنهم تعرضوا الى التعذيب والاعتداء عليهم. وقد قام شنشل بكل الاجراءات القانونية اللازمة بلا جدوى، حسب قوله. وقد اتهم شنشل ' ضباط الاجهزة القمعية السابقة وكبار البعثيين الذين اعتادوا على اساليب الاساءة للشعب ' بارتكاب جرائم التعذيب مطالبا بتنظيف اجهزة الدولة منهم.
وفي الوقت الذي نرحب فيه باي شخص يوثق ويفضح انتهاكات حقوق الانسان العراقي، من الضروري التأكيد على اهمية مصداقية الجهة التي تتناول فضح الانتهاكات وكونها تتعامل معها من منطلق حقوق ' الانسان' العراقي عموما وليس الشيعي اوالسني او العربي او الكردي او التركماني. لأن الدفاع عن حقوق الانسان واجب اخلاقي وانساني وقانوني واستخدامه للمزايدات السياسية ووفق اساليب انتقائية سيقضي على ثقة الناس. أما الصمت ازاء جرائم جهة وتوجيه الاتهام الجاهز ضد جهة اخرى سيؤدي، حتما، الى وأد العدالة وابقاء المواطنين في دائرة الانتقام الشخصي البغيضة والشائعة في البلدان المحرومة من الدولة والقضاء، كما هو حال العراق اليوم.
وما تجدر الاشارة اليه هنا ان معظم فضائح التعذيب في المعتقلات الامريكية والبريطانية كان قد تم تسريب المعلومات عنها من قبل جنود الاحتلال انفسهم كما واصلت المنظمات الحقوقية العالمية المطالبة بمعاملتهم انسانيا ووفق القوانين المرعية بينما صمت ساسة الاحتلال ومسؤوليه ومثقفيه أما لسرورهم بتعذيب من يعتبرونهم اعداء الامس من 'البعثيين' و' فلول النظام السابق' أو لافتقادهم الجرأة للدفاع عن حقوق المعتقلين أيا كانوا. فوقفوا، على مدى سنوات، وهم ضمن حكومات الاحتلال المتعاقبة، يتفرجون على ابشع الجرائم، وهم يتظاهرون بأنهم لا يرون ولا يسمعون صراخ المعتقلين، مع العلم ان مجموع من جرى إعتقالهم خلال السنين الست في العراق بلغ المليونين، قتل عشرات الآلاف منهم وما زال منهم مئات الآلاف في زنزانات ألوية 'الحرس الوطني' والمغاوير وحرس الحدود و وأفواج الشرطة في كل المحافظات، تجري مقايضتهم بالمال او الأرض أو العرض المشين. وان نسبة 10' من المعتقلين فقط تمت احالتهم الى القضاء منذ غزو العراق في عام 2003 وحتى الان. أن الساكتين عن الحق ينسون أن الثأر والإنتقام المحتمل حدوثه نتيجة ظروف الظلم هذه سيكون، في نظر المظلومين، تعويضا عن العدالة. انها العدالة الفجة التي لا يمكن تجاوزها الا بالعدالة الحقيقية التي طالما تباكوا عليها ايام النظام السابق.
وتبلغ مفارقة انتقائية الدفاع عن حقوق الانسان بعدا اضافيا عندما نواجه صمت 'ممثلي الشعب' ازاء الاعدامات المستمرة والمتزايدة في الآونة الاخيرة والتي دفعت الاتحاد الاوروبي (وهو الذي لا يدعي تمثيل العراقيين) الى اصدار بيان احتجاج، يوم الاثنين الماضي، بخصوص أنباء تنفيذ مزيد من أحكام الاعدام، في الايام الاخيرة، قد يبلغ مجموعها العشرين. واضاف البيان 'علاوة على ذلك يشعر الاتحاد الاوروبي بانزعاج شديد بشأن دلائل تشير الى احتمال التنفيذ الوشيك لمزيد من عمليات الاعدام الجماعي'. وكانت بعثة الامم المتحدة في بغداد، قد حثت ' الحكومة العراقية'، في ايار (مايو) السابق، على اعادة النظر في استئناف العمل بعقوبة الاعدام قائلة ان النظام القضائي العراقي لا يجري محاكمات عادلة. مما يعني ان حكومة المالكي تتحمل المسؤولية القانونية عن ارتكاب جرائم اعدام جماعية وانها، باستمرارها بهذه الافعال، انما توسع من حلقة العنف والانتقام التي تحاول، بلا جدوى، شرعنتها.