Sunday 28 June 2009

من هو المسؤول عن التفجيرات الدامية في العراق؟

27/06/2009
حالما يطرح سؤال عن الجهة المسؤولة عن التفجيرات الدامية في العراق على أي مسؤول او سياسي في حكومة الاحتلال حتى يأتي الجواب جاهزا ببغائيا مكررا وهو: القاعدة وفلول النظام السابق. والذي لخصه نوري المالكي في واحدة من اعراض مرض العظمة الذي وهو ذات الجواب الذي يتم تلقيه من المستعمر الامريكي مع اضافة ايران الى قائمة المسؤولين. وهنا علينا الاقرار بأن الجواب الأمريكي يبدو مرتبا أكثر من جواب العملاء العراقيين الذي يتنافى مع تبريرهم بان التفجيرات هي صنيعة 'القاعدة وفلول النظام السابق' الذين تم تصنيفهم تحت عنوان طائفي وهو 'الارهابيون السنة'. فاذا كان هذا صحيحا فمن هو الذي يفجر الناس في 'مناطق السنة'؟ ومادمنا نتحدث عن تقسيم المناطق طائفيا وعرقيا وفق منظور الاحتلال، فمن الذي يفجر الناس في ' المناطق' المسيحية والكردية والتركمانية والآشورية؟
ان اتهام سياسيي الاحتلال 'القاعدة وفلول النظام السابق'، هو مشجب انكسر لفرط استخدامه. غير انه، في الوقت نفسه، التبرير الذي يجب ان يتمترسوا وراءه، لاسباب عديدة، من بينها: انه طوق نجاتهم من المسؤولية، اعلاميا على الاقل، تزامنا مع موجة التضليل المكثفة التي تشنها امريكا لحماية نفسها ومستخدميها وتصرف عليها مليارات الدولارات. انه، ايضا، الجواب الاسهل، في ظل غياب سلطة الدولة والقانون، واستشراء نظام مافيات الفساد، وهي التي تؤدي بحد ذاتها الى مئات الجرائم والقتلة المؤجرين لمحو السرقات وإزالة الخصوم من الطريق. أنه أيضا الجواب الأسهل للتغطية على ميليشيات القتل المتنافسة على محاصصة المناصب والنهب بين طوائف السياسيين وفي داخلها، وفي ظل ترويع الاعلام المستقل. واذا ما اضفنا الى ذلك كله الفساد القضائي وانعدام التحقيق المستقل في اية قضية قتل او اختطاف او تفجير، مما يعني ان مقاضاة الجناة الحقيقيين محض سراب، لوجدنا ان تبرير انعدام الامن والقاء تبعة استهداف المواطنين على قوى شبحية، يتم استحضارها كلما اقتضت الحاجة، بات كنزا لا يفنى بأيدي المستعمر واعوانه بصرف النظر عن إقتناع أحد به. انها التهمة التي تساعدهم على الكذب اليومي واطلاق التصريحات المضللة والتظاهر بالقوة والصلابة وهم يتغرغرون بدماء الضحايا.
وآخر الضحايا هم قتلى سوق مريدي الشعبي بمدينة الثورة / الصدر ببغداد الذين وصل عددهم 74 قتيلا اضافة الى اكثر من 200 جريح، مع العلم ان مصيرالجرحى في واقع انعدام الخدمات الصحية قد يكون اسوأ من الموت. وهو الهجوم الثاني الدامي في اقل من اسبوع، فقد قتل السبت الماضي 72 شخصا في بلدة تازة التابعة لمحافظة كركوك. وقد اعلنت المصادر الأمنية ان ' انتحاريا فجرشاحنة مفخخة بطن من المتفجرات' مع وعود اطلقها مسؤولي الحكومة بتشكيل لجنة للتحقيق. أما بالنسبة الى تفجير مدينة الصدر، فقد قالت مصادر الشرطة (حسب البي بي سي وغيرها من اجهزة الاعلام) أن الانفجار نجم عن دراجة نارية ثلاثية العجلات كانت مليئة بالمتفجرات المخبأة تحت كمية من الخضراوات. وإن السائق ترك دراجته ولاذ بالفرار قبل وقوع الانفجار. غير ان مدير عام مكافحة المتفجرات في بغداد، كذب مصادر الشرطة ليعلن بان الانفجار نفذه انتحاري!
والمعروف ان تفجيرات اخرى بانواع من الالغام والعبوات اللاصقة والسيارات المفخخة طالت حياة المواطنين في بقية انحاء بغداد والفلوجة والموصل وديالى. ولأن حكومة الاحتلال، ممثلة بنوري المالكي، لم تجر أي تحقيق في الجرائم الدامية، خشية انكشاف مسؤولية الاحزاب والميليشيات المترعرعة في صفوفها، صار من السهل على ' رئيس قائمة الدولة والقانون' ان يصدر بيانا يلوك فيه التهم كما يشاء. فقام، بلا تحقيق او زيارة الى الاماكن المنكوبة (كما يفعل عادة مسؤولو الدول اثر وقوع حوادث تمس حياة المواطنين)، باصدار بيان من القوقعة الخضراء اتهم فيه ' الحلف التكفيري البعثي المدعوم من الخارج'.
مما يدفعنا الى التساؤل: ترى لماذا يقوم 'الحلف التكفيري البعثي المدعوم من الخارج' بهذه التفجيرات؟ هنا يخبرنا سياسيو الاحتلال، واجهزة الاعلام الانكلو امريكية الصهيونية، في تنسيق لامثيل له، لانه لم يبق غير 'أقل من أسبوع للموعد المقرر لإنسحاب القوات الأمريكية من مدن وبلدات العراق'. ويحمل الجواب في طياته عدة مستويات من الكذب والتضليل. اذ ان ' انسحاب القوات' لن يتم، حسب تصريح قادة الجيش الامريكي، من كافة المدن. كما ان الانسحاب الى القواعد هو فعل رمزي سيتم لحماية القوات الامريكية من عمليات المقاومة الا ان قواعدها ليست بعيدة عن المدن وبامكانها، خلال فترة قصيرة جدا، اما الاغارة جويا، حسبما تراه مناسبا، او توفير الغطاء الجوي لعملائها. المستوى الثاني للتضليل هو محاولة حكومة الاحتلال ابعاد الشبهة عن نفسها، باحزابها وميليشياتها، خاصة، وانها المستفيدة الاولى من بقاء قوات الاحتلال لحمايتها وان أكثر ما تخشاه، رغم التصريحات الزائفة، ان تترك وحيدة بمواجهة غضب الشعب. مما يقودنا الى المستوى الثالث للتضليل وهو تهميش الناس واشغالهم بهمومهم اليومية وترويعهم لاسكاتهم عن المطالبة بحقوقهم وتوجيه اللوم الى الجناة الحقيقيين. فمن هو المستفيد، خارج العملية السياسية، من تفجير كركوك او مدينة الصدر، ونحن نعلم حجم وعمق خلافات الاحزاب وميليشياتها المستقرة في كلا المدينتين؟ ولماذا يغفل المالكي، اذا كان صادقا في 'وطنيته'، وجود القوات الخاصة التابعة للجلبي المدربة من قبل السي آي أي قبل الإحتلال؟ لماذا لا تذكر الفرق الوحشية الخاصة الأخرى التي تدربت بعد الأحتلال على أيدي قوات مكافحة الارهاب الأمريكية في الأردن والمنطقة الكردية والتي ما زالت خارج ملاك وزارة الدفاع والداخلية الرسمية؟ لماذا لا تذكر أدوار 140 ألف مرتزق من شركات الحماية الذين، شكرا للمالكي وحكومته، يتمتعون بالحصانة من القانون العراقي ويتلقون اجورا خيالية ليتسلوا بقتل العراقيين، في أعمال التخريب؟ فهل يلوم أحد أيا من هؤلاء اذا ما ارادوا خلق الاضطرابات والفتن للمحافظة على مصدر رزقهم وعقود عملهم وامتيازاتهم؟ لماذا لايذكر أحد نشاطات عملاء الكيان الصهيوني من الموساد وهم الذين يتنقلون بين مدن العراق بحرية اكبر من مواطنيه؟
ان مسؤولية القتل اليومي والاعتقالات المستمرة والتفجيرات الدامية تقع على عاتق حكومة الاحتلال فضلا عن قوات الاحتلال. حيث يمتلك الطرفان كل القوة اللازمة من الاسلحة الحديثة والمعدات ومئات الآلاف من الجنود الامريكيين والعراقيين ورجال الأمن والمخابرات والمرتزقة والحمايات الخاصة وقوات الصحوة والمخبرين والميليشيات لتوفير الأمن والاستقرار وابعاد شبح الموت عن اهلنا وعوائلنا، اذا ما ارادوا ذلك. غير انهم، وكما اثبتت السنوات الست الماضية، يريدون العكس تماما في مسيرتهم التخريبية المتعمدة للبلاد والشعب وارثه التاريخي وحضارته وهويته. وفي الوقت الذي يرى المستعمر الامريكي في تحريك الفتن الطائفية والعرقية عن طريق التفجيرات سببا لفرض شروطه وسياسته يستمرئ المتعاونون معه من العراقيين الفتن والمجازر لانها تشكل الانتقام الذي طالما حلموا به، وغطاء للغنيمة التي يتقاسمونها. وعلى هذا الايقاع، لنستمع الى المالكي وهو يقول، قبل تفجير كركوك بساعات، 'لا تيأسوا ان وقع خرق امني هنا او هناك'. فكانت حصيلة ' الخرق الامني هنا او هناك' مايقارب الاربعمئة قتيل وجريح
.