Friday 19 June 2009

الرئيس الامريكي وحقوق المرأة في العالم الاسلامي

13/06/2009
عودة الى خطاب الرئيس الامريكي باراك اوباما ولكن، هذه المرة، من منظور معالجته حقوق المرأة ' في العالم الاسلامي'. وهو الموضوع السادس الذي تطرق اليه الرئيس الامريكي من بين الموضوعات السبعة التي قدمها باعتبارها ' مصادر التوتر بين امريكا والعالم الاسلامي'. وكانت المصادر الاخرى، حسب تشخيصه، هي: التطرف العنيف بكافة أشكاله (اختار ان يضع غزو واحتلال العراق ضمن هذا التصنيف)، الوضع ما بين 'الإسرائيليين' والفلسطينيين والعالم العربي، حقوق الدول ومسؤولياتها بشأن الأسلحة النووية، الديمقراطية، الحرية الدينية والتنمية الاقتصادية وتنمية الفرص.
وقد اشار اوباما الى 'المرأة المسلمة' مرتين بالاضافة الى تقديمها كمصدر سادس للتوتر بين أمريكا والعالم الاسلامي. حيث استخدم الصورة النمطية للمرأة المسلمة ضمن التفكير المتخيل في المجتمع الامريكي والغربي عموما، وهي صورة المرأة المحجبة، في مقدمة خطابه للدلالة على انه يختلف عمن سبقه لأنه ضد ان تضع الدول الغربية 'العقبات أمام المواطنين المسلمين لمنعهم من التعبير عن دينهم على النحو الذي يعتبرونه مناسبا، فعلى سبيل المثال، عن طريق فرض الثياب التي ينبغي على المرأة المسلمة أن ترتديها'. هكذا اختزل اوباما مفهوم حرية التعبير الديني، وهو مفهوم انساني واسع، بالحجاب. ثم عاد اوباما، مستخدما ذات الصورة النمطية التي خلقها الغرب وروج لها وجعلها اساسا للصراع بين العالم الاسلامي والغربي، لجعلها مثالا عن كيفية دفاع الحكومة الامريكية عن حرية اجراء الشعائر الدينية وذلك 'من أجل صون حق النساء والفتيات في ارتداء الحجاب ومعاقبة من يتجرأ على حرمانهن من ذلك الحق'. هنا ايضا تم اختزال الدين الاسلامي وحرية ممارسة الشعائر الدينية وسياسة التوسع الامبريالي الامريكي وغيره من الممارسات المسيئة الى العديد من الدول، بارتداء المرأة للحجاب، ليحجب حقيقة ان هناك ملايين النساء المسلمات، في جميع انحاء العالم، والنساء غير المسلمات في 'العالم الاسلامي' ممن لا يرتدين الحجاب. وان العالم العربي والاسلامي، بتنوع اديانه وكونه مهد الأديان، وباستثناء بلد او بلدين، لا يرى في ارتداء الحجاب او عدم ارتدائه سببا لاضطهاد المرأة وحرمانها من حقوقها. وان أشد انواع الاضطهاد قسوة وجورا هو ما يحدث للمرأة في العراق وفلسطين، في ظل الاحتلال الانكلو امريكي الصهيوني، ولاعلاقة له بارتداء او خلع الحجاب.
وعاد اوباما، للمرة الثالثة، للاشارة الى الحجاب عندما أعلن بان الموضوع السادس الذي يريد التطرق إليه هو موضوع 'حقوق المرأة'، قائلا: 'أرفض الرأي الذي يعبر عنه البعض في الغرب ويعتبر المرأة التي تختار غطاء لشعرها أقل شأنا من غيرها'. ولا بد انه شعر بانه قد كرر نقطة الحجاب بما فيه الكفاية ليثير الملل لدى أكثر الناس حماسا للموقف الامريكي من ارتداء الحجاب، فأنتقل الى بضع بديهيات اخرى مثل: 'ولكنني أعتقد أن المرأة التي تُحرم من التعليم تُحرم كذلك من المساواة' و'أنا مقتنع تماما أن باستطاعة بناتنا تقديم مساهمات إلى مجتمعاتنا تتساوى مع ما يقدمه لها أبناؤنا... كما أحترم كل امرأة تختار ممارسة دور تقليدي في حياتها '. واذا ما دفعنا جانبا رغبتنا بالضحك وتذكر القول التقريعي الذي طالما سمعناه في الصغر: 'وفسر الماء بعد الجهد الجهيد بالماء'، لوجدنا بان باراك اوباما غارق حتى قمة رأسه في تكرار شعارات عن موضوعات كانت ولا تزال الدول العربية والاسلامية وامريكا اللاتينية وكل دول العالم الثالث تؤمن بها وتطبقها باعتبارها جزءا لايتجزأ من تطورها الطبيعي وتقدمها. ولنأخذ قضيتي التعليم والمساواة في العمل مثلا القضيتان اللتان يكاد اوباما ان يقدمهما كمشروع امريكي لحل قضايا 'التوتر بين العالم الاسلامي وامريكا'. ولنر ما الذي فعلته الامبراطورية الامريكية بحقي التعليم والعمل في العراق، مثلا، سواء تحت رئاسة بوش الموصوف بالبلاهة والجمود أو رئاسة باراك اوباما الموصوف بالذكاء والرغبة بالتغيير.
في مجال التعليم ساقتبس من كلمة القاها محسن عبد العلي شلاه، مستشار وزير التربية في العراق، في مؤتمر عقدته منظمة اليونسكو في تشرين الثاني/نوفمبر - 2008- في باريس عن التعليم في العراق، اذ جاء فيه: 'فالنظام التعليمي تردّى إلى درجة حرجة على أثر حرب 2003 التي اغتيل فيها أكثر من 250 معلما وفُقِد منهم مئات أخرى كثيرة. وفي الفترة المنقضية من عام 2003 إلى عام 2008، وقع 31 الفا و598 اعتداء على المؤسسات التعليمية. وفي عام 2005 وحده تسرّب من التعليم 50 الف طفل، وهرب عدد كبير من الطلبة والمعلمين خارج البلاد اللازمة لتدريس العلوم. وعانى الطلبة كثيرا من تعليق الدراسة، وذلك عدة أسابيع كل مرة؛ وعانوا كذلك الاستعاضة عن المحاضرين بخريجين حديثي العهد، وانحطاط جودة التعليم. وثمة من يتحدث عن استعمال باحات المدارس لإطلاق قذائف الهاون، واستعمال قاعات التدريس حُجرا للتعذيب حتى إن الطلبة حين استأنفوا الدراسة وجدوا القاعات ملطَّخة بالدماء'.
وبيَّنت إستراتيجية اليونسكو لدعم التربية الوطنية في العراق، التي نُشِرت في نيسان/أبريل 2008، أن أكثر من مليوني طفل في مرحلة التعليم الابتدائي لا يتلقون التعليم، بسبب الفقر وانعدام الأمن معا. وهناك خمسة ملايين من الأميين. والعراق الذي كان مشهورا بنظامه التعليمي ومدارسه وجامعاته وكادره التعليمي بات، في ظل فساد الامبراطورية الامريكية ومستخدميها، وعلى الرغم من ثروته النفطية الهائلة، يستجدي الكتب والمعدات وارسال ولو قلة من المدرسين للتدريب في الخارج. وبات اطفاله يسيرون الكيلومترات للدوام في مدارس مبنية من الطين وتفتقر الى المرافق الصحية. وعلى الرغم من ذلك، وعلى الرغم من خوف الأهل على سلامة اطفالهم، يصر الجميع على اهمية الذهاب الى المدرسة، مثبتين بان حب التعليم جزء لا يتجزأ من شخصية العراقي الأصيلة، وانهم لم يكونوا قاعدين بانتظار الغزاة الهمج، الذين حرقوا الجامعات والمكتبات والمتاحف والمخطوطات، ليعلموهم أهمية التعليم وتعليم المرأة بشكل خاص. أما بالنسبة الى العمل فقد بلغت نسبة الشباب بين العاطلين عن العمل في العراق 70 بالمائة، ونسبة من يعملن من النساء 17 بالمئة فقط، حسب تقرير صادر عن الامم المتحدة في شباط /فبراير 2009. واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان في العراق اليوم مليون ارملة مسؤولة عن معيشة وتعليم ملايين اليتامى، لادركنا حجم الكارثة التي ترزح تحتها المرأة العراقية في ظل 'ديمقراطية وحقوق المرأة' للاستعمار الامريكي.
ولكي لا نتهم بنقل الخطاب مجزءا، لا بد وان نعترف بان الرئيس اوباما طرح حلولا لانهاء 'التوتر بين العالم الاسلامي وامريكا' في مجال حقوق المرأة. فما هي هذه الحلول؟ أخبرنا اوباما مبشرا: 'سوف تعمل الولايات المتحدة مع أي بلد غالبية سكانه من المسلمين من خلال شراكة لدعم توسيع برامج محو الأمية للفتيات ومساعدتهن على السعي في سبيل العمل عن طريق توفير التمويل الأصغر الذي يساعد الناس على تحقيق أحلامهم. وتلا طرحه لهذا الحل تصفيق حار من قبل الحاضرين في جامعة القاهرة. ولا ادري ما الذي فكر به الرئيس الامريكي اوباما وهو يطرح حلوله التزويقية، الا انني اعرف جيدا ما الذي تشعر به المرأة العراقية، شريكة الرجل في بناء الاسرة والوطن، المؤمنة بان حقوق المرأة تبدأ بحق الحياة والكرامة لاطفالها وكل افراد عائلتها، وان حريتها لا تنفصل عن حرية بقية ابناء شعبها، وان تحررها سيبقى مجرد ثرثرة فارغة ما لم يتحرر وطنها من الغزاة الذين يتمتعون بالحصانة القانونية وهم يقتلون وينتهكون ويغتصبون
.