Thursday 10 January 2013

القضاء يطارد بوش وبلير ولا مفر للمتعاونين معهما

16/12/2011
أدانت محكمة جرائم الحرب المنعقدة في في كوالامبور ( 19 22 تشرين الثاني / نوفمبر) هذا العام، الرئيس الامريكي السابق جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير كمجرمي حرب.
وكانت الهيئة القضائية التي اصدرت الحكم بغياب المتهمين، مكونة من خمسة قضاة ذوي تاريخ قضائي واكاديمي معروف عالميا. وصدر الحكم بالاجماع بادانة المتهمين، غيابيا، لارتكابهما جرائم ضد السلام وضد الانسانية والابادة الجماعية نتيجة غزو العراق وما تلاه من احتلال.
وقد تم توكيل هيئة دفاع عن المتهمين اللذين وجهت اليهما الدعوة لارسال محام للدفاع عنهما او ارسال من يمثلهما غير انهما رفضا. ويأتي تشكيل وانعقاد المحكمة نتيجة جهود استغرقت ما يزيد على العامين لتجميع الأدلة والوثائق من قبل هيئة تقصي الحقائق حول جرائم الحرب في كوالامبور.
وهي لجنة قام بتأسيسها رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد في اعقاب الغزو الانكلو امريكي للعراق وبعد ان وقف مهاتير بقوة ضد الغزو والحرب على العراق ليتطور موقفه الى مشروع فعلي لتشكيل منظمة عالمية مناوئة للحرب بشكل عام، تقف قانونيا واخلاقيا بصف الشعوب، ضد الهيمنة الامبريالية وتسويق الحروب، وفق مصالحها، خاصة ما صار معروفا باسم الحروب الاستباقية في ظل النظام القطبي الواحد كما حدث في العراق.
وتقر محكمة جرائم الحرب في كوالامبور بان قراراتها واحكامها غير ملزمة. اذ انها تختلف عن قرارات واحكام المحاكم الجنائية الوطنية في الدول ذات السيادة او المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التي تم تشكيلها وفق صياغة قانونية دولية بالاتفاق مع الامم المتحدة. مما يجعل من الاصح اطلاق تسمية محكمة الضمير عليها مع ملاحظة ان كافة اجراءاتها وحيثيات انعقادها ووثائقها وشهادات الشهود ومرافعات الادعاء العام قد تمت بشكل قانوني وقضائي سليم مما يجعل قراراتها وتوصياتها واحكامها مطابقة للقوانين الدولية. وهذا هو المتوخى من انعقادها بالدرجة الأولى ويحمل في مضمونه الاجابة على اسئلة تخطر على اذهان الكثيرين كلما سمعوا باجراء محاكمة جماهيرية أو أنسانية جديدة، اسئلة على غرار: ما قيمة هذه المحاكمات اذا لم تكن أحكامها الزامية ويتم تنفيذها؟ هل ستؤثر فعلا، على رؤساء الدول الذين تتم ادانتهم؟ أم انها مجرد اجتماعات دورية للناشطين او مسرحيات للتنفيس عن الغضب الجماهيري لفترة قصيرة؟
ان الهدف الرئيسي لمثل هذه المحاكمات التي يطلق عليها اسم محاكم الضمير، هو بالضبط ما قامت بانجازه محكمة كوالامبور أي اعداد الملفات وتجميع الوثائق وشهادات الشهود، اي بناء قضية بمستوى قانوني وطني ودولي، لتقديمها فيما بعد الى محكمة الجنايات الدولية أو لاصدار احكام وفق القوانين الوطنية المحلية بحق مجرمي الحرب، بحيث يصبح القاء القبض عليهم ساري المفعول حالما يدخلون حدود بلد او بلدان معينة تعترف بهذه المحاكم. أن هذه المحاكمات بذرة المجتمع الدولي العادل قضائيا بعيدا عن تسلط الأقوى والأشرس. ولايمكن اجراء هذه المحاكمات بدون دعم منظمات المجتمع المدني والناشطين الحقوقيين وحركة السلام المناهضة للحرب، لذلك يعتبر لقاء هذه القوى ليس تسلية او تمضية للوقت بل ضرورة لتبادل الآراء والخبرات وتطوير العمل السلمي الجماعي العابر للحدود.
وللاجابة على سؤال حول فاعلية هذه المحاكمات والتجمعات، اقول : نعم لقد حققت نجاحا معقولا، حتى الآن، كما في نجاح عدد من الناشطين الحقوقيين والقانونيين في استحصال قرار بالقاء القبض على وزيرة خارجية الكيان الصهيوني تسيفي ليفني، وتحديد حركة هنري كيسنجر، والقاء القبض على الجنرال التشيلي بينوشيه، واجبار جورج بوش على الغاء سفرة له الى جنيف بعد استحصال أمر بالقاء القبض عليه للمساءلة بشأن غزو العراق. انها امثلة مشجعة يتطلب تنفيذها الاصرار والمثابرة والعمل الجماعي المتأني طويل المدى.
والمعروف ان محكمة الضمير الاولى اسسها برتراند راسل، المفكر البريطاني، بالاشتراك مع المفكر الفرنسي جان بول سارتر وعدد آخر من المثقفين من جميع ارجاء العالم، لمحاكمة أمريكا عندما شنت حربها العدوانية ضد فيتنام. وتيمنا بها، أسست محكمة بروكسل لجرائم الحرب على العراق في اعقاب الغزو الانكلو امريكي وتلاها انعقاد 12 محاكمة ضمير في جميع ارجاء العالم بضمنها في تونس والمغرب ومصر.
هناك، ايضا، 'محكمة راسل' التي عقدت في جنوب افريقيا، منذ اسابيع، لمحاكمة الكيان الصهيوني. ومن أهم جوانب هذا النشاط هو تثبيت مسؤولية مواطني جميع البلدان عن حقوق مواطني كل بلد على حدة، رفضا لإستفراد الدول الأقوى بمصير الأضعف.
وقد شاركت محكمة بروكسل، الموثقٌة لجرائم احتلال العراق، في محكمة جرائم الحرب في كوالامبور باعتبارها مرجعا ضروريا لكل متابع ومهتم بالشأن العراقي تحت الاحتلال، من النواحي الانسانية والاكاديمية والقانونية. كما ساهم قانونيون مختصون بالقانون الدولي من دول متعددة، من بينها امريكا. ومايقتضي التنويه هو التزام محكمة كوالامبور بالالتزام القانوني الصارم اثناء كافة الجلسات وتوفير فرصة الدفاع للمتهمين واعلانها الحكم والتوصيات والنتائج بشكل يهدف الى ان تكون ملزمة في المستقبل. وقد قامت المحكمة باضافة توصيات اضافية جديدة الى ميثاق العمل القانوني الذي تتبعه منذ انعقادها لاول مرة في عام 2007. التوصيتان الملحقتان بالحكم هما: تقديم نتائج التحقيقات والحكم بحق المتهمين الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، بالاضافة الى ادخال اسمي جورج بوش وتوني بلير في سجل قائمة مجرمي الحروب التي اسستها المنظمة.
وجاء في حيثيات الحكم ان اصدار الحكم تم استنادا الى الجزء الرابع ( الداعي الى المساءلة مستقبلا) من محكمة نورمبرغ لعام 1945 المتعلقة بالقادة النازيين الباقين على قيد الحياة وتقديم طلب الى الجمعية العامة للامم المتحدة لتحميل الولايات المتحدة مسؤولية نتائج الحرب على العراق وحث مجلس الأمن على تحمل مسؤولية ان يتمتع العراق بالسيادة الكاملة وان تقوم قوات حفظ السلام بالمحافظة على استقلاله.
ان اصدار الحكم بحق المتهمين بوش وبلير كمجرمي حرب، قد لايؤدي الى اعتقالهما او سجنهما او اعدامهما، الا انها خطوة مشجعة تفتح ابواب الأمل امام مقاضاتهما، ومن تعاون معهما، في لاهاي مستقبلا . وقد كبرت بادرة الأمل منذ ايام حين طالبت منظمة العفو الدولية حكومة زامبيا باصدار أمر بالقاء القبض على جورج بوش، اثناء زيارته زامبيا، بتهمة المسؤولية عن التعذيب في العراق وغوانتانامو، الا ان الحكومة رفضت اصدار الامر بحجة ان الطلب يجب ان يكون صادرا من الأمم المتحدة. ان خطوة منظمة العفو الدولية ليست بالقليلة وستليها خطوات اكبر وأكبر اذا ما واصلنا، جميعا العمل يدا بيد مع الناشطين من اجل السلام وتحقيق العدالة لا بشكل رطانة سياسية بل بشكل حقيقي في سيرورة امتلاك المبادرة والسعي الحثيث لكسر احتكار القوى العظمى، على رأسها الولايات المتحدة، لمفاهيم القضاء والعدالة والقانون الدولي وتفسيره وفقا لمصالحها الخاصة.