Saturday 5 January 2013

ايها الوزراء هناك نقل تلفزيوني حي فأتقنوا التمثيل!

10/06/2011
كأن الاصغاء لأكاذيب وزراء وساسة حكومة الاحتلال التي تشغل معظم المساحة الاعلامية العراقية، يوميا، ليس كافيا، فأضيف اليه يوم الثلاثاء الماضي اكذوبة جديدة أسمها النقل الحي لجلسات مجلس الوزراء عبر قناة العراقية 'المستقلة' لعرض 'انجازات' الحكومة في فترة المائة يوم التي كان نوري المالكي قد أعلنها بعد إنفجار الإحتجاجات الشعبية مهلة لوزرائه لمعالجة تقصيرهم ولتوفير الخدمات التي أهملوها خلال السنوات الماضية. وكان بالامكان التمتع بالعرض الكوميدي، بطولة المالكي وشركائه، ومشاهدتهم وهم يرتشفون الشاي ويزايدون على بعضهم البعض بـ'شفافية' المسار والتوجه ملوحين بايدي تحليها خواتم البنصر الذهبية، لولا ان عروضهم هذه يدفع ثمن تذاكرها المواطن بحياته وحياة ابنائه وخراب بلده حاضرا ومستقبلا.
مثل المالكي دور مقدم برنامج 'موضوعي مستقل' يحاور ويطرح الاسئلة على ضيوفه من الوزراء متظاهرا بأنه قد التقى بهم لتوه، لكي يبين للمشاهدين مدى 'شفافيته' ازاء 'تقصير' الوزراء وكيف انهم لم يستوعبوا مقولاته وطروحاته التي بح صوته في اطلاقها حول 'ان مسؤولية َ توفير ِ الخدماتِ مسؤولية ٌ تضامنية' في 'حكومة الشراكة الوطنية'.
واذا ما كان المالكي قد بدا، عند طرحه الاسئلة على وزرائه 'المقصرين' وكأنه يقيم في بلد آخر غير العراق (وهو محق بذلك لانه يعيش في ولاية المنطقة الخضراء الامريكية)، فان حسين الشهرستاني، نائبُ رئيس ِ الوزراء لشؤون ِالطاقة، لم يألُ جهدا في المزايدة عليه بحيث نجح في دفعنا، نحن المشاهدين، الى التلفت حولنا متسائلين بذهول عما اذا كان هذا الرجل، محنط التكشيرة، المتباهي بوفرة الانتاج النفطي وزيادته والمشاريع الضخمة التي لايعرف لها العالم مثيلا، يتحدث عن بلد آخر غير العراق. يتحدث عن بلد يعيش رخاء لامثيل له ومشاريع ستجعله (لاحظوا سين المستقبل التي تحولت بفضله وامثاله الى مخلل، أو طرشي بالعامية العراقية) البلد الافضل والاحسن كما أصبح، الأكثر 'ديمقراطية' في العالم. وسرد الشهرستاني، كما يفعل 'القصخون' الحكواتي تاريخ انجازاته حتى تثاءب بعض الوزراء وشعر المالكي بان تورم الأنا الشهرستانية يهدد حضوره فبادر الى تنبيهه للايجاز. ما لم يجب عليه مقدم البرنامج المالكي ونائبه الشهرستاني هو: اين هي الفلوس؟ اين ذهبت وتذهب مليارات زيادة الانتاج النفطي المذهلة؟ لماذا اصبح ثلث سكان بغداد يعيشون بين المزابل ليبحث اطفالنا، مشروعنا، مشروع المستقبل الحقيقي للبلد، بين النفايات عما يوفر لهم ولعوائلهم لقمة العيش بعد ان تركوا مدارسهم في عمرهم غض. أين هي مليارات النفط التي تساوي مجموع ميزانيات أربع دول مجاورة وفتياتنا يبعن اجسادهن في سوق الدعارة؟ أين هي اموال اهلنا يا مالكي، يا وزراء النفط والمالية والتخطيط، يا وزراء يخجل منهم حتى الخجل، يا ابناء المظلومية وحقوق الانسان؟
بعد الشهرستاني، شرع هوشيار زيباري، وزير الخارجية، بأداء دوره، قائلا بانتفاخ بأنه يريد ان يذكر المواطنين بنقطتين سها المالكي عن التنبيه اليهما، الاولى هي فضل هذه الحكومة 'الديمقراطية' الرائعة على الناس لأنها تقوم بعمل فذ لانظير له في العالم من ناحية الكشف عن المشاريع والميزانية امامهم عبر برنامج حي. فهنيئا للشعب العراقي على هذه المكرمة من حكومة تحتل المركز الثالث في قائمة الدول الاكثر فسادا في العالم وسببت من الخراب ماعجزت عنه كل حكومات العراق بتاريخه الحديث.
النقطة الثانية هي قبول حكومة المالكي بأن يقوم اقليم كردستان بتوقيع عقود 'نفطه' الخاصة به. ما لم يذكره زيباري هو ان ما يسمى باقليم كردستان هو في الواقع شركة يتقاسمها، ايرادا وربحا، حزبان فاسدان الى حد النخاع، تتظاهر ضدهما الجماهير محتجة ومنددة منذ شهور. وان زيادة نسبة الميزانية للاقليم والدخل الوفير لم يترجم الى مشاريع تنموية لصالح المواطنين على الرغم من تمتع الاقليم بالاستقلال، عمليا، منذ عشرين عاما. ولن اواصل مراجعة عروض بقية الممثلين لانها، بحصيلتها، ومهما كانت براعة الممثلين، لا تزيد عن كونها عرضا لتمرير مفردات جوفاء كما هو تمرير كرة القدم بين اعضاء فريق واحد.
ولا ادري لم غاب عن الجلسة اد ميلكرت، رئيس بعثة الامم المتحدة في العراق. فقد افتقدنا حضوره ' الصادق' في الجلسة 'الشفافة'. حيث كان بامكانه اغنائها (كما فعل الآخرون) بتصريحات على غرار ما صرح به يوم 6 حزيران/ يونيو الماضي حين وصف العراق بانه ' البلد الأول في المنطقة بالحقوق والواجبات'!
ولسنا بحاجة الى سرد القوائم باسماء المعتقلين وكيفية اعتقالهم وتعذيبهم وانعدام ابسط حقوق الانسان في العراق لتكذيب ادعاء ميلكرت، بل يكفينا اقتباس بعض ما صرح به زميل له في ذات المنظمة وبعد يوم واحد من تصريحه 'الحضاري الشفاف'. الزميل المعني هو مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان، إيفان سيمونوفتش، الذي أدان، في نهاية زيارته إلى العراق التي استغرقت 10 أيام، 'حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي وحالات التعذيب العديدة التي تم الإبلاغ عنها في كافة أرجاء العراق' مذكرا المالكي ووزرائه ونوابه وميلكرت وغيرهم ممن حول حقوق الانسان الى علكة يلوكونها، بأن 'احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك أثناء مكافحة الإرهاب، هو فعل أخلاقي وعملي في آن واحد'، وكرر أن التعذيب محظور حظراً تاماً بموجب القانون الدولي وليس بالإمكان التسامح معه تحت أي ظرف من الظروف معربا عن قلقه فيما يتعلق 'بحماية المدنيين وتدهور أوضاع حقوق الإنسان للمرأة والأقليات الدينية والعرقية إضافة إلى الهجمات ضد حرية التعبير وحرية الرأي'. فهل هذا حديث عن البلد الأول في المنطقة في مجال حقوق الانسان؟
ويأتي الجواب الصريح المباشر من قبل شباب الفيسبوك المنشغلين، خلافا لمجلس وزراء العرض التلفزيوني، بالهموم الحقيقية للناس والبلد. وتتلخص انشغالاتهم بالمطالبة باطلاق سراح المعتقلين، بالاضافة الى توفير الاساسيات الحياتية والأمان والعمل وحرية التعبير. ولا ينفك الناشطون يذكرون بالهم الأكبر وهو احتمال تمديد بقاء قوات الاحتلال ومرتزقتهم.
اما ردود الافعال بصدد اكذوبة مهلة المائة يوم، فسأكتفي بنقل احد التعليقات الساخرة على الفيسبوك، كتبه سلام الشماع في اليوم التالي لكوميديا النقل الحي لاجتماع مجلس الوزراء، جاء فيه: 'افتحوا عيونكم: قال رئيس الوزراء نوري المالكي إن مهلة المائة يوم الأولى كانت للتخطيط. وأضاف المالكي خلال جلسة مجلس الوزراء قبل يوم من انتهاء المهلة أنه سيعمل خلال المائة يوم الثانية مع وزراء حكومته على إنجاز ما تم التخطيط له.
وأبشركم أن المائة يوم الثالثة ستكون لإنجاز الكثير مما لم يتم إنجازه، والمائة يوم الرابعة ستكون للتخطيط لما لم يتم التخطيط له، والمائة يوم الخامسة ستكون لمراجعة التخطيط، والمائة يوم السادسة ستكون للتفكير بما خطط له، والمائة يوم السابعة ستكون لاستطلاع آراء الشعب فيما سيتم تنفيذه'.
ان ما قامت به 'شركات' الاحتلال المتعاقبة بدءا من شركة اياد علاوي وانتهاء بشركة المالكي هو تعليب فضلات الاحتلال النتنة بشكل جديد زاه ومحاولة بيعها الى ابناء الشعب باعتبارها شوكولاتة، وهي عملية تسويق لن تمر على احد.