Saturday 5 January 2013

ما وراء الطائفية والعرقية في انتفاضات الشعوب

17/06/2011
الاستبداد بأنواعه، سواء كان محليا أم عالميا، لا يترك شريحة من ابناء الشعب ما لم يستهدفها ولا خدمة عامة ما لم يسيطر عليها محولة اياها الى اداة لاضطهاد وقمع بقية المواطنين. وغالبا ما توصف الحجج والأعذار بأنها مصيرية، وخصوصا حماية الأمن القومي والوطن، وحماية بعض المواطنين من أخطار مواطنين آخرين. ففي مجال الأمن القومي كان الوجود الصهيوني الذريعة رقم واحد لقمع المواطنين في العقود السابقة (ذات الانظمة قلما هددت الوجود الصهيوني)، ثم باتت الطائفية الدينية والعرقية، منذ احتلال العراق في عام 2003، سلاحا ذا حد واحد لتبرير شراسة الانظمة الاستبدادية وتغليف الاحتلال الغربي الذي لا يقل عنها شراسة بـ ' التدخل الانساني'. فانتفاضة الشعب السوري ضد هيمنة الحزب الواحد الخانق لحريته، اختزلت للترويع والترويج الاعلامي الى 'محتجين من الأغلبية السنية ضد اقلية علوية شيعية حاكمة'، كما اختزلت تظاهرات المعارضين المطالبين باجراء اصلاحات ديمقراطية في البحرين الى 'محتجين من الأغلبية الشيعية ضد أقلية سنية حاكمة'. وهل نسينا كيف شرعنت امريكا وبريطانيا، تدخلها 'الانساني' للدفاع عن 'اغلبية شيعية ضد أقلية سنية حاكمة' و' أقلية كردية ضد اغلبية عربية'، مع بعض التغييرات البسيطة في صياغة المفردات، حسب حاجة ومقتضيات السياسة الغربية الراهنة، وحسب التبرير الذي يتم تطويعه ليبدو الاكثر 'انسانية وحضارية'.
غير ان الحقيقة، بعيدا عن التضليل الاعلامي بميزانيته الضخمة، مختلفة. فالحقيقة، كما نعرفها ونعيشها في البلدان العربية وغيرها (لعل ايران هي النموذج الأقرب)، هي ان للاضطهاد والقمع طعما واحدا وان تعددت ألوانه. وان الاضطهاد ان استهدف شريحة معينة من ابناء الشعب في حقبة زمنية محددة، فانه سيلتفت ليستهدف بقية ابناء الشعب، في حقب زمنية تالية، ما لم تتوحد كافة الشرائح والطبقات للتخلص من النظام الاستبدادي ايا كانت طائفته او عرقيته او دينه او ايديولوجيته الشمولية. وكأن للاستبداد شهية لا تشبع. وأفضل دليل على ذلك ما عشناه في العراق في ظل النظام السابق، الذي بدأ بتصفية شيوعيي العالم الثالث والتيار القومي العربي خارج حزب البعث، مع مهادنة الشيوعيين السوفييت والقوميين الأكراد، لينقلب ضد هؤلاء في أواسط السبعينات، ثم ليصفي التيارات الأكبر داخل حزب البعث نفسه، ثم ليفترس الاقرباء وابناء العشيرة بعد انتهائه من البقية. الدليل الآخر، ما يعيشه الشعب الايراني الذي ناضل بكافة قومياته وطبقاته واحزابه ضد نظام الشاه لتلتهمه، لقمة لقمة، بعد بضعة شهور من الثورة، سلطة 'ظل الله على الارض' بحجج تراوح ما بين 'الحالات المشبوهة' و'الزمر الارهابية' و'التيارات المنحرفة' و'الارهابيين المنافقين'، بالاضافة الى الجواسيس والعملاء، حسب مفردات صحيفة 'الوفاق' الايرانية. ولا يحلو للانظمة القمعية ان يتمتع أي مواطن او تنظيم او جهة تسدي الخدمات للشعب بالحرية او الشروع بالمبادرة حتى في ظلها. لأن المبادرة بما تحمله من حرية فردية تتعارض، تماما، مع صميم مفهوم الاستبداد والسيطرة الكلية، حيث يجب قولبة الجميع في ولاء وطاعة وخدمة النظام سواء كان النظام بعثيا، شيوعيا، طائفيا سياسيا، بسمات ملكية او جمهورية، أو مزوقا (تحت الاحتلال) بأكذوبة حرية الفرد في المجتمع الرأسمالي. والا ما هو الأختلاف في طبيعة القمع والاستبداد ما بين النظام السياسي الطائفي السني في المملكة العربية السعودية، المتكىء في قمعه على تذكير الشعب ' بأن طاعة ولي الامر هي من طاعة الله ورسوله بل انها ارفع من ذلك بمراتب عالية خاصة اذا استعرضنا الممارسة والعقاب والقهر الذي ينتظر من لا يلتزم بطاعة ولي الامر فعقاب هؤلاء هو اشد بأسا واكثر صرامة من عقاب الذين يعصون الخالق ولكم في السجون السعودية والمحاكم الجائرة خير دليل على ما نقول'. كما تشير د. مضاوي الرشيد في مقالة أخيرة لها، والنظام السياسي الطائفي الشيعي في جمهورية ايران الاسلامية الذي يحكمه ' القائد الولي الفقيه، المرجع الأخير لكل القرارات ... المناطة به الإمامة النائبة عن الإمام المهدي المنتظر'. كما أكد لنا، أخيرا، سفير ايران في لبنان الدكتور عضنفر ركن آبادي وبحضور 'عدد كبير من المثقفين اللبنانيين'؟ فأي مصير ينتظر من يخرج على نظام 'الثورة الإسلامية التي أقامت حكم الله على الأرض'، كما يصفه د. آبادي؟
لذلك، يتهم كل من يحاول التململ خارج قالب النظام الاستبدادي (ويشمل ذلك استبدادية النظام الرأسمالي)، بأنه ارهابي. ومانراه في العراق المحتل، اليوم، من حملة الاتهامات المسعورة بالأرهاب، بواسطة نظام نوري المالكي واعتقال كل من يتجرأ على المعارضة، واختطاف المتظاهرين في ساحات الأحتجاج بواسطة سيارات الاسعاف ما هو غير الوجه المكمل لقوات الاحتلال الامريكية التي وثق الشهود إستهدافها سيارات الاسعاف المتوجهة لانقاذ الناس في الفلوجة عام 2004، وغيرها، بالاضافة الى اغتيال الاطباء والاكاديميين والعلماء. أما في البحرين فقد قام النظام، في الشهر الحالي، بتقليد اسلوب محتلي العراق ومستخدميه (انتبهوا الى ان العراق تحكمه أغلبية شيعية والبحرين أغلبية سنية)، ليقدم 47 طبيبا وممرضا للمحاكمة امام محكمة عسكرية بتهمة معالجة المتظاهرين الجرحى خلال المظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها البحرين في شهر آذار بعد اتهامهم رسميا بمحاولة قلب نظام الحكم الملكي. ولتوضيح مهزلة الاستخدام الطائفي الأنتقائي لحقوق الانسان، لنقرأ كيف 'استنكرت زهره اللهيان، رئيسة لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشوري الإسلامي الأيراني، استخدام القوة ضد المرأة البحرينية علي يد القوات السعودية المحتلة والخليفية مؤكدة أن المرأة الإيرانية لن تصمت ازاء ما يجري من اضطهاد ضد اختها البحرينية'، حسب وكالة انباء فارس، بينما التزمت السيدة ذاتها الصمت المطبق ازاء جرائم اغتصاب 'اخواتها' من الايرانيات، من بينها جريمة اغتصاب مجموعة من النساء، وكانت إحداهن حاملاً، في بلدة 'خميني شهر'. وبعد أسبوع، اغتصب مجهولون طالبة جامعية في حرم جامعي يخضع لحراسة أمنية مشددة في مدينة مشهد، مما يعني أن الجاني ما كان سيمر دون أن يلاحظه أحد. (تقرير البي بي سي 15 حزيران/ يونيو).
وبدلا من استنكار وادانة هذه الجرائم البشعة، اتهم المسؤولون الإيرانيون الضحايا 'بعدم ارتداء الحجاب بالشكل السليم وعدم الالتزام بالزي الإسلامي الصحيح مما جعلهم عرضة للاغتصاب.. وقال الإمام موسى السالمي، في خطبة الجمعة: 'إن هؤلاء المغتصبات لا يستحقن الثناء...فقد كان أثنان من المحتفلين أقارب. لقد جاءوا الى بلدتنا للإحتفال واستفزاز الآخرين [المغتصبين] عن طريق شرب الخمر والرقص...وأضاف مسؤول الشرطة بالبلدة الكولونيل حسين ياردوستي، بأنه يلوم عائلات الفتيات، فلو 'ارتدين ملابس مناسبة، ولو لم يكن صوت الموسيقى مرتفعاً، لما اعتقد المغتصب أن مجوناً يدور هناك'. وذكرت التقارير ان ياردوستي يفكر في اتخاذ إجراء قانوني ضد الضحايا بسبب سلوكهن. فالى اي حد وصلت الهوة بين الحكام والشعوب عندما يتم تقديم الضحايا او المدافعين عنهم او من يحاول معالجتهم للمحاكمة كمجرمين؟ حين تصبح الشعوب عبئا على حكام يفترض بهم تمثيلهم وحماية حقوقهم؟ وما هو دور 'النخبة المثقفة' في هذه البلدان؟
يلاحظ، وهنا المفارقة، بأن معظم ابناء الشعب يدركون كنه الاستبداد وتشابهه مهما إختلفت التسميات والصراعات بين الحكام، بينما تتشبث النخب القديمة، والكثيرمن المثقفين، في العراق والعالم العربي، بالانتقائية الطائفية السياسية، مع ادراكهم بمصدر تغذيتها. اليكم مثالا: لدي صديقة فنانة تكرر، دائما، بانها علمانية ولاعلاقة لها بالسياسة الا انه قلما يمر يوم بدون ان ترسل الى قائمة بريدها الالكتروني، وأنا من بينهم، اخبارا سياسية تتعلق باضطهاد طائفتها فقط. ان موقف الصديقة الفنانة الانتقائي ليس فريدا من نوعه بين المثقفين بل بات ظاهرة تساهم في صناعة الترويج الطائفي والعرقي الممزق لوحدة النضال والمضر ببنية المجتمع. ان مهمة المثقف الذي يمتلك القدرة على الرؤية ابعد من الآخرين، علمانيا كان ام متدينا، ان يقف مع الانسان ومبدأ المواطنة وانهاء الاستغلال الاقتصادي. وان يساهم، بالدرجة الأولى، في شفاء الجروح لا نكأها.